في تاريخ المغرب

29 يونيو 2018
+ الخط -
في شرحه تعريف الظاهرة السوسيوسياسية التي يتميز بها نظام المغرب منذ القرون الوسطى، وبعد انتقال مفهوم الدولة بمعناه الخلدوني النظري والإنشائي، إلى معناه الحديث في إدارة الشؤون العامة، يطرح المفكر المغربي، عبد الله العروي، في الجزء الثاني من كتابه، مجمل تاريخ المغرب، ظاهرة "المخزن" بكونه نسقا، بدأت بوادره تغطي سياسة التحكم منذ القرنين السابع والثامن الهجري، إذ كانت الكلمة تطلق في مجموع أرض المغرب على هيئة إدارية وتراتيب اجتماعية، وعلى سلوك ومراسم، أو بعبارة جامعة "كان المخزن سيفا وقلما". وينقسم المخزن إلى ثلاث مجموعات: الوزارة، الكتابة، الأشغال، بمعنى أن هذه الظاهرة هي تقسيم اجتماعي أكثر منه قانوني.
ولذلك يرى العروي أن الأمراء المغاربة (بنو حفص وبنو عبد الواد وبنو مرين)، انطلاقا من أواسط القرن الخامس عشر، لجأوا إلى بني هلال، ليقوموا بالحماية والجباية، أي ما يمكن تسميته الإقطاع، وهو تفويض السلطة لشخص أو لجماعة على رقعة محددة.
في مقابل هذه الامتيازات، كان المستفيد من الإقطاع، يتحمل مسؤوليتين دفاعية ردعية وجبائية، يرغم بموجبها السكان على دفع ما بذمتهم للخزينة العامة.
ويسترسل، عبد الله العروي، في تفكيك هذه الظاهرة، مستنتجا أن دور بني هلال في تلك الفترة نتج عنه اختصاصهم "بشؤون السيف"، في حين أن الأندلسيين استقلوا بأمور "القلم"، وحيثما حلوا أدخلو النظام والأبهة، الترتيب والمراسم والآداب، كل مظاهر "الهيبة التي تحفظ نظام الملك".
هذا الوعي بخصوصية تاريخ المغرب من أهم إنجازات العهد المريني، وربما العمل الأساسي في تكريس الشخصية المغربية، كما يقول العروي، وإن كان فيها الإنتاج الثقافي، بأشكاله الأدبي والفني المعرفي، لا يعبّر عن تجربة المغرب التاريخية، التي نتج عنها نشر التعريب، وفق نمطين: حضري تمثل في العقيدة السنية، وبدوي تجلى في بنو هلال.
وعليه، حسب المؤرخ جورج لابيكا، في كتابه "السياسة والدين عند ابن خلدون"، فإن الثالوث الخلدوني الذي قام على العصبية القبيلة، الغنيمة، الدين، شكل المبدأ السياسي القائم على التحالف الإيديولوجي والعسكري، بالاستناد إلى اللحمة القبلية وادعاء النبوة، من منشئي الدولة. وهذا ما تجلى واضحا أيضا في أرض المغرب التي هي، حسب لابيكا، أرض البداوة، وهي كذلك مرتين بسكانها الأصليين وبغزاتها.
وبما أن الاشياء لا بد لها من أضدادها، وفق اللوغوس الأرسطي، فإن مقابل "المخزن" هو "السيبة". ولذلك عبر التاريخ الحديث للدولة المغربية، تم اعتبار أنّ كل قبيلة أو حركة احتجاجية أو معارضة سياسية خرجت من حدود ما تسمح به طبقة المخزن السياسية الاقتصادية، فإنها تحارب بالسيف والقلم، فعبر الأول يتم قمعها وسجنها، وعبر الثاني يتم وصفها بـ "السائبة".

ماء العينين
ماء العينين
ماء العينين سيدي بويه
أستاذ الفلسفة في التعليم الثانوي التأهيلي في المغرب، حاصل على الإجازة في الفلسفة العامة، وكاتب مقالات وتحليلات سياسية وقراءات في التاريخ المغربي والإسلامي. يعرّف عن نفسه، بالقول: "باحث عن المعرفة النقدية و مدافع عن حقوق الإنسان ومهتم بشؤون المجتمع العربي والإسلامي".
ماء العينين سيدي بويه