في انتظار المختلف المثالي

22 أكتوبر 2016
+ الخط -
كلهم يقولون: نحن لا نرفض المخالف، بل نرفض هذا المُخالف تحديداً! تاريخياً، كرّرت كل الأنظمة المصرية أنها ترحب بالمعارضة، لكن المشكلة أنها تبحث عن المعارضة الإيجابية، المعارضة البناءة، المعارضة التي تقدّم الحلول، وتتعاون بإخلاص لصالح الوطن، ولكن يا خسارة لم نجدها.
روّجت قطاعات من الإسلاميين أن مشكلتهم مع القوى اليسارية والليبرالية ليست وجودية، وكم يتمنون التعاون معهم من أجل الديمقراطية، لكن هؤلاء تحديداً متطرّفون في عدائهم لدين، أو منافقون وعملاء للأجهزة الأمنية، أو لا قواعد شعبية لهم.
على الجانب الآخر، أكدت بعض هذه القوى ترحيبها بالتعاون مع الإسلاميين السلميين لصالح الوطن، بشروط تبدأ بعقلانية منع التحريض الديني، ولا تنتهي بالبحث عن إسلامي على المقاس تماماً، إسلامي يذهب إلى الحانة ولا يتأفّف، بل يجب أن يوقّع معنا على وثيقة تنص على العلمانية بلفظها وشرحها، وإذا رفض يُصبح رجعياً متعنتاً.
تتكرّر الفكرة بصور أخرى، منها الحرص على تأكيد الموافقة على المبادئ. لكن، يجب وضع استثناءات فضفاضة، لحمايتنا من الأشرار الذين سيسيئون استخدام هذه المبادئ. تؤكد السلطة على حرية الإعلام والصحافة، لكن المشكلة أننا نبحث عن "الإعلام المسؤول"، ويا للأسف لم نجده. لذلك نحن (مضطرون) لاتخاذ هذه الإجراءات الاستثنائية، مضطرّون لغلق هذه الصحيفة، أو الضغط لحذف هذا الموضوع، أو فصل ذلك الصحافي، وذلك كله بما لا يخالف حرية الصحافة أيضاً.
يرحب الإسلاميون بمواد الحريات في الدستور. ولكن، يخوضون معارك طويلة لإضافة شرط مثل "بما لا يتعارض مع قيم المجتمع". نحن نؤيد الديمقراطية. ولكن ليست هذه الديمقراطية الغربية، بل "تجربتنا الديمقراطية الخاصة".
بينما يؤمن بعض الليبراليين بأولوية الحريات وحقوق الإنسان، حتى يصبح الخصم إسلامياً، حينها تظهر حالة الاستثناء. نحن نؤمن بالحريات حتى لخصومنا، ولكن البلاد تمر بظرف صعبٍ، وهؤلاء تحديداً فعلوا كذا.
كل أنواع هذه الحيل خداع للنفس قبل الغير. لا يبحث قائلها عن تبريرٍ للطرف الآخر، أو حتى لعامة الشعب، بل عن تبريرٍ لنفسه ولقواعده، محاولة إيجاد اتّساق مُتوهم مع الشعارات والمبادئ، سواء بغرض سلبي للحفاظ على المنافع الشخصية، أو حتى فقط حيلة نفسية لحل إشكالياتٍ واقعيةٍ لتطبيق النظرية، لا يجرؤ على مواجهتها.
ذلك الضابط في السلطة الذي يرحب جداً بالمعارضين، بشرط ألا يكونوا إسلاميين أو يساريين أو ليبراليين، أو أحزاباً أو منظمات مجتمع مدني، وذلك الإسلامي الديمقراطي الذي يرحب جداً بالمختلفين، بشرط ألا يكونوا شيوعيين أو ليبراليين أو نساءً غير محجبات أو ملحدين أو مثليين أو "منحلين أخلاقياً".
وفي سبيل تأكيد المصداقية، تظهر حيلة النماذج الإيجابية المنتقاة، سواء كانت غير مؤثرة، كإشادة الدولة بصحافي معارض كشف قضية فساد صغيرة، أو كانت هذه النماذج لا تعبر إطلاقاً عن قواعدها. وفي هذا السياق، يحتفي علمانيون بشيوخٍ مفصولين من الأزهر أو قساوسة مشلوحين من الكنائس. ويرحب إسلاميون بعلمانيين على المقاس، يحترمون مبادئ الشريعة وتفاصيلها، ويشاركونهم مظاهراتهم.
الوجه الآخر لتلك الحيلة هي النماذج السلبية المنتقاه، فيركّز كل طرفٍ على أسوأ الأصوات، وأكثرها تطرفاً وجنوناً بالجانب الآخر، حتى لو كان يعلم تماماً أن هذا الشخص لا يمثل قواعده، ولا دور له باتخاذ القرار.
يجب أن تتوقف كل الأطراف عن تلك الألاعيب السياسية والنفسية، والتي تتحوّل لخداع كامل للنفس، أكثر من كونها تكتيكات واعية. ليس الاختبار مع المخالف المثالي الذي تضع بنفسك مواصفاته، بل مع المخالف المفروض عليك بحكم وجوده الفيزيائي، بحكم كونه شريكاً في الوطن رغماً عنك، ذلك المخالف الذي تكرهه وتحتقره.
ليس الاختبار مع تطبيق الجوانب التي تأتي بصفنا من المبادئ والقوانين، بل مع تطبيق الجوانب التي ستأتي ضد قناعاتنا.
ليس المهم ما تقول، أو حتى تعتنق، المهم ما تفعل.