في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2018، الذي يوافق اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، ترتفع الأصوات الرافضة عقوبةَ الإعدام، والداعية إلى نبذها لما لها من تداعيات على كرامة الإنسان، وتتجدد الدعوات الحقوقية لإلغائها، أو على الأقل وقف العمل بها، لما لذلك من دور في تعزيز حقوق الإنسان وتطويرها تدريجياً.
وعلى الرغم من أن أكثر من 160 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهي دول ذات نظم قانونية وتقاليد وثقافات وخلفيات دينية مختلفة، ألغت عقوبة الإعدام أو لا تمارسها، فإن السجناء في بلدان عدة يواجهون عقوبة الإعدام، كما أن المحكومين بها يكابدون ظروف اعتقال مأساوية في "عنابر للموت".
هذه الظروف هي التي دفعت التحالف العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام (يتكون من أزيد من 150 منظمة غير حكومية وهيئات محامين وجماعات محلية ونقابات)، ومناصري إلغاء هذه العقوبة من مختلف أرجاء العالم، بمناسبة اليوم العالمي السادس عشر لمناهضة عقوبة الإعدام، إلى التركيز على ظروف الاعتقال التي يواجهها الأشخاص المحكومون بالإعدام.
ويؤكد التحالف أنه بصرف النظر عن احتمال تنفيذ عقوبة الإعدام، فإنّ حبس الأشخاص المحكومين بالإعدام يشكل في حد ذاته وضعية مثيرة للقلق، مليئة بالمعاناة الجسدية والذهنية، التي يمكن اعتبارها في بعض الحالات شكلا من أشكال التعذيب.
ويوضح أن ظروف الاعتقال قد تختلف من مكان إلى آخر، سواء أكان الأمر يتعلق بظروف العزلة في الولايات المتحدة الأميركية أم بالسجون المكتظة في بعض البلدان في أفريقيا وآسيا، لكن غالبا ما تتسم بالمعاملة غير الإنسانية وازدراء كرامة الأفراد.
ويقول: "في معظم الأحيان، يصبح الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام أشخاصا لم يعد المجتمع يستثمر فيهم. تسير الأمور كما لو كان هؤلاء الأشخاص، حتى قبل إعدامهم، لم يعد لهم الحق في الحياة، وكأنهم لم يعودوا يُعتبرون "بشرا".
عنابر الموت
التحالف الذي عنون تقريره بـ "ظروف العيش في عنابر الموت"، تطرق إلى الظروف المأسوية التي يكابدها هؤلاء المعتقلون منذ اللحظة التي يحكم عليهم فيها بالإعدام بسبب جريمة يعاقب عليها بالإعدام في المرحلة الابتدائية وإلى غاية تنفيذ الحكم عليهم، أو وفاتهم لأسباب طبيعية، أو استفادتهم من تخفيف العقوبة أو الإفراج عنهم.
ومن بين الظروف التي ساقها: اكتظاظ السجون، نقص الطعام والماء الصالح للشرب، الافتقار إلى العلاج الطبي، الافتقار إلى المستخدمين والبنيات التحتية، العنف الجسدي، بالإضافة إلى أن أن المعتقلين في عنابر الموت لديهم اتصال قليل بأسرهم ومحاميهم، علما بأن الوصول إلى عنابر الموت مقيّد جدا. وهكذا، فإن ظروف الاعتقال لا تؤثر في الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام فحسب، بل تؤثر كذلك في أسرهم وأقاربهم.
بدورها، منظمة العفو الدولية دعت من خلال تقرير لها، اليوم الأربعاء، إلى معاملة السجناء المحكومين بالإعدام بكرامة وإنسانية، وأن يُحتجزوا في ظروف تفي بالقوانين والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وأطلقت المنظمة حملة جديدة تهدف إلى ممارسة الضغط على خمسة بلدان، هي بيلاروسيا وغانا وإيران واليابان وماليزيا، لحملها على وضع حد لأوضاع الاحتجاز اللاإنسانية للسجناء المحكومين بالإعدام، والمضي قُدماً نحو الإلغاء التام لعقوبة الإعدام.
وقال نائب مدير برنامج القضايا العالمية في منظمة العفو الدولية ستيفن كوكبيرن إنه "لا يجوز إرغام أي شخص على الخضوع لأوضاع احتجاز لاإنسانية، بغض النظر عن الجريمة التي ربما يكون قد ارتكبها. ومع ذلك، وفي العديد من الحالات، يُحتجز السجناء المحكومون بالإعدام في عزلة صارمة، ويُحرمون من الحصول على الأدوية الضرورية، ويعيشون في حالة قلق دائم من شبح الإعدام".
وأضاف: "إن قيام بعض الحكومات بإشعار السجناء وأقربائهم قبل بضعة أيام، وفي بعض الحالات، قبل لحظات من إعدامهم يعتبر أمراً قاسياً". داعيا جميع الحكومات التي تستخدم عقوبة الإعدام إلى إلغائها فوراً، ووضع حد لأوضاع الاحتجاز المريعة التي يُرغم العديد من السجناء المحكومين بالإعدام على الخضوع لها".
عقوبة الإعدام في القانون والممارسة
ثلثا دول الأمم المتحدة ألغت عقوبة الإعدام، سواء في القانون أو في الممارسة، ويوثق التحالف العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام عدد الدول التي ألغت هذه العقوبة لجميع الجرائم بـ107، ويوضح أن أوروبا ألغتها بنسبة 100 في المائة تقريباً باستثناء روسيا البيضاء، وكذلك الشأن لأميركا اللاتينية باستثناء بعض جزر البحر الكاريبي، كما أن 7 دول قد ألغت عقوبة الإعدام للجرائم العادية؛ و28 دولة قد ألغت عقوبة الإعدام في الممارسة؛ 56 دولة لا تزال تتمسك بعقوبة الإعدام؛ 23 دولة قامت بتنفيذ إعدامات في عام 2017؛ أما الدول الخمس الأكثر تنفيذا للإعدامات في العالم في عام 2017 فهي: الصين، وإيران، والمملكة العربية السعودية، والعراق، وباكستان.
ويقرّ التحالف بأن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في عمليات الإعدام، خاصة في البلدان التي لم يسبق أن مارسته منذ سنوات أو كانت قد أوقفت العمل به، وغالبية حالات الإعدام وأحكام الإعدام تتعلق بجرائم متعلقة بالمخدرات.
محكومون بالإعدام دون حقوق
بحسب تقرير منظمة العفو الدولية، فإنه من سنة 2017 وإلى غاية هذه السنة، تم تحديد ما لا يقل عن 21919 شخصا حكم عليهم بالإعدام في العالم. ومن جهته، يقدر مركز كورنيل لمناهضة عقوبة الإعدام عدد الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام في العالم في أقل بقليل من 40 ألف شخص.
وبالتفصيل، سجَّلت منظمة العفو الدولية 993 عملية إعدام في 23 بلداً في عام 2017، وهو أقل بنسبة 4 في المائة عما كان عليه في عام 2016 و39 في المائة مما كان عليه في عام 2015. ووقعت غالبية عمليات الإعدام في إيران والمملكة العربية السعودية والعراق وباكستان. وهذه الأرقام لا تشمل آلاف عمليات الإعدام التي نُفذت في الصين، حيث ظلت البيانات المتعلقة بعقوبة الإعدام محظورة باعتبارها من أسرار الدولة.
ورغم أنه من المفترض أن يحظى الأشخاص المعتقلون في عنابر الموت بالحقوق وظروف المعاملة نفسها، المسماة بـ "الأساسية"، التي تحظى بها جميع فئات السجناء الأخرى، والتي تنص عليها مجموعة القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد مانديال)، أشارت العديد من الشهادات إلى الظروف اللاإنسانية التي يعيشها الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام.
وفي الوقت الذي قامت منظمة العفو الدولية بتوثيق الانتهاكات الفظيعة في سائر أنحاء العالم، فإن حملتها الجديدة تسلِّط الضوء على قضايا في بيلاروسيا وغانا وإيران واليابان وماليزيا، حيث تتفشى قسوة عقوبة الإعدام.
ففي غانا، قال السجناء المحكومون بالإعدام إنهم غالباً ما لا يستطيعون الحصول على الأدوية الضرورية لمعالجة أمراضهم ومشكلاتهم الصحية المزمنة.
فقد أُرغم محمد رضا حدادى في إيران، المحكوم بالإعدام منذ أن كان عمره 15 عاماً، على الخضوع للتعذيب العقلي بتقرير وتأجيل موعد إعدامه ما لا يقل عن ست مرات في غضون السنوات الأربع عشرة الماضية.
وأُصيب ماتسوموتو كينجي، في اليابان، بمرض اضطراب التوهُّم، وذلك على الأرجح نتيجةً لاحتجازه لفترة طويلة في الحبس الانفرادي بانتظار الإعدام.
وقدّم هو يو واه، في ماليزيا، التماساً من أجل الرأفة في عام 2014، ولكنه لم يتلقَّ أية أخبار أخرى بعد.
كما أن السرية التي تلفُّ استخدام عقوبة الإعدام متفشية في بيلاروسيا، حيث يتم إخفاء الإعدامات عن العامة بشكل صارم وتُنفذ من دون إعطاء أية إشعارات إلى السجناء أو عائلاتهم أو ممثليهم القانونيين.
طرق الإعدام
تختلف طرق تنفيذ حكم الإعدام من بلد إلى آخر، وتشمل الإعدام بالصعق الكهربائي والرمي بالرصاص، وغيرها كإطلاق النار، والرجم في الدول الإسلامية، بالإضافة إلى قطع الرأس بالسيف، وغرفة الغاز والشنق والحقنة المميتة.
ويعدّ الرمي بالرصاص من أكثر الطرق المعتمدة في الصين وفييتنام وغينيا الاستوائية، وكذا في العديد من الدول العربية. وتعتمد هذه الطريقة على إطلاق رصاصة واحدة على رأس المعتقل ووضع حد لحياته، تلي هذه الطريقة الصعق بالكهرباء التي ظهرت في الولايات المتحدة خلال الثمانينيات، والتي يتم فيها وضع حد لحياة المحكوم عليه بالإعدام بوضعه على كرسي خشبي وربطه بأزرار كهربائية تُشحن بتيارات عالية الشدة عدة مرات حتى يُصعق بها ويموت.
وعام 1982 جرّبت الولايات المتحدة الحقنة السامة كبديل للصعق الكهربائي والشنق والرمي بالرصاص من منطلق أنها لا تُسبب معاناة بدنية شديدة، غير أن فرق الإعدام واجهت صعوبات عديدة للعثور على العِرق الأنسب للحقنة المميتة.
ويعدّ الإعدام عبر غرفة الغاز من الطرق المعتمدة في الولايات المتحدة الأميركية، إذ يتم وضع المدان في غرفة محكمة الإغلاق مزودة بنظام لضخ الغاز السام ليموت من جراء الاختناق.
أما الإعدام شنقاً، فيعتبر من الطرق القديمة التي تطبقها العديد من الدول كإيران وبنغلادش وماليزيا.. إذ يتم لف حبل على عنق المدان مع تقييد اليدين حتى يموت خنقا، أو يوضع الشخص على منصة تنفتح بعد ربط الحبل بعنقه، ليهوي الجسم إلى أسفل فيموت.
ومن الطرق الوحشية لتنفيذ هذه العقوبة، قطع عنق المدان بعد تغطية رأسه، وتطبق هذه الطريقة في المملكة العربية السعودية فقط. أما الإعدام بالمقصلة فقد كان الطريقة المعتمدة في فرنسا حتى إلغاء العقوبة نهائيا عام 1981.
دعوات لإلغاء عقوبة الإعدام
بالرغم من أن المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تنص على إمكانية اللجوء إلى عقوبة الإعدام، فإن ممارسة ذلك تركت للسلطة التقديرية للدول" في البلدان التي لم تلغ فيها عقوبة الإعدام، لا يمكن إصدار حكم بالإعدام إلا بالنسبة إلى الجرائم الأكثر خطورة، طبقا للتشريع المعمول به وقت وقوع الجريمة، الذي يجب ألا يكون متناقضا مع مقتضيات هذا العهد ولا مع اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ولا يمكن تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة". يضاف إلى ذلك أن اللجنة في ملاحظتها رقم 6 حول الحق في الحياة "ّكانت قد اعتبرت أنه يجب تأويل عبارة "الجرائم الأكثر خطورة" بكيفية حصرية، بكيفية تدل على أن عقوبة الإعدام يجب أن تكون إجراء استثنائيا تماما".
علاوة على ذلك، يجب على الدول احترام مختلف الضمانات المفروضة عليها، مثل منع المعاملات القاسية أو اللإنسانية أو الحاطة من الكرامة التي تنص عليها المادة 7 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية: "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة".
من جهتها، تعارض منظمة العفو الدولية عقوبة الإعدام في جميع الحالات وبلا استثناء وبغض النظر عن طبيعة أو ملابسات الجريمة أو الذنب أو البراءة أو غيرها من خصائص الفرد، أو الأسلوب الذي تستخدمه الدولة لتنفيذ الإعدام.
وتقول إن عقوبة الإعدام تشكل انتهاكاً للحق في الحياة، كما هو منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهي تمثل العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة.
بدورها، تدعم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الدول الأعضاء والمجتمع المدني والجهات المعنية الأخرى التي تخوض حملات لوقف العمل بعقوبة الإعدام وإلغائها في جميع أنحاء العالم في نهاية المطاف.
وتدفع المفوضية بأنها تتخذ هذا الموقف لأسباب أخرى أيضاً، ومن هذه الأسباب الطبيعة الأساسية للحق في الحياة؛ والمخاطرة غير المقبولة بإعدام أشخاص أبرياء؛ وعدم وجود أدلة على أن عقوبة الإعدام وسيلة رادعة للجريمة.