14 اغسطس 2019
في الهجرة... لماذا يخشى الناس الهجرة؟
تعتبر الهجرة من أهم المراحل في تاريخ المسلمين، ولا سيما في تأسيس الدعوة المحمدية، فبعد الهجرة من مكة إلى المدينة تغير كل شيء، تغير المكان والمناخ والبيئة، بل حتى نوعية الخطاب تغيرت، وبدأت تتغير معها ملامح وواقع المسلمين في بيئة جديدة اسمها "يثرِب" وأصبحت فيما بعد المدينة المنورة، لقد بدأ الوحي يتنزل على النبي بآيات تتعلق بشؤون الدولة والمجتمع، وأعطى الوحي الرؤوس العامة وفسح للمسلمين الاجتهاد، لأن واقع الناس مع تغير الزمان والمكان يتغير، فشكل الدولة في عصر النبوة يختلف تماما عن شكل الدولة في العصر الحاضر، وفِي عصور لاحقة سيتغير كذلك، الثبات للأصول وفي الفروع هناك باب كبير للاجتهاد والتغيير.
لكن ثمة سؤالاً يرد في الذهن، هل توقفت الهجرة حقاً! وهل هناك هجرة جديدة!.. لا شك أن الحديث يقطع الهجرة، فلا هجرة بعد فتح مكة، رغم أن القرآن أكد وجوبها حينما يحل الظلم في مكان ما، وتكون تلك الأرض وبالاً على أصحابها، "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها". فالعالم لا يضيق بالأحرار، وكلما ضاق بلد أو مدينة بأهلها، فتح العالم لهم أذرعه، ولذلك قالوا، "إذا ضاق الأمر اتسع"، فكلما كثرت قوانين التضييق على الحريات وتقييد حركة الإنسان، اخترع وسيلة وأداة للتحرر من قبضة هذه القوانين، وما زلنا نرى بأم أعيننا كيف وصل الناس إلى القارة الأوروبية في زوارق الموت، متجهين صوب أكثر البلدان أماناً وحرية في العالم، وكيف كسر الإنسان حدود البلدان واجتازها دون أن يبصم جوازه أو يقف طابوراً طويلاً لأجل الدخول.
بعد هذه الموجات للهجرة على مدار التاريخ، ما بين العالم، بقي أمة من الناس، سواء أكانوا مؤسسات أو أحزاب أو جمعيات أو منظومات فكرية، يدورون في فلك فكرة واحدة، لم يستطيعوا أن يحدثوا فيها شيئاً، إلا شكل طباعتها ولون كتابتها، وبقيت الفكرة جثة هامدة لا حراك فيها، تنتظر من يخرجها بصورة حديثة للناس، وعلى خشية أهل الرأي والأحرار في كل أمة من أن يقولوا كلمتهم ويحددوا موقفهم من أفكار بشرية، جاءت بالويلات على العالم الإنساني ولا سيما عالمنا العربي، أفكار كتبها إنسان فاتفقت أمة من الناس على صلاحها، ولبست فيما بعد ثوب القداسة، فلم يجرؤ أحد على المساس بها، فالكل يخشى غضب الآلهة المزعومة، غضب الفكرة المنتهية الصلاحية، كل فئة صنعت لها إلهاً من ورق تطوف حوله وتعبده، وتتقرب له بالقرابين ويحرم على أحد أن يذكر الآلهة بسوء، فيحل العذاب والعقاب على البشرية.
إن الفكرة العظيمة تستمد قوتها من نفسها، فالإسلام فكرة عظيمة يستمد حفظه وبقاءه من الله عز وجل، ولو ترك أمر الحفظ للبشر لتغيرت كثير من تعاليمه كما تغيرت في بقية الشرائع، ولتجسد فهم مختلف في أذهان معتنقيه.
نعود إلى السؤال.. لماذا يخشى الناس الهجرة!
الهجرة من البلدان، من المدن، من المجتمعات، المؤسسات، الجماعات، الأحزاب، الأفكار، مع إجماع معظم من فيها أو حولها على انتهاء صلاحيتها وفاعليتها.
يخشى معظم الناس الهجرة ولا سيما هجرة الأفكار المنتهية الصلاحية لأسباب كثيرة؛ منها أن هذه الأفكار وجدت لها حماية من منظومات وتيارات جعلت المساس بالفكرة أمراً شبه مستحيل، بالإضافة لارتباط الأفكار بمؤسسات نفعية ربطت كفاءة الإنسان وصعوده ونزوله ليس بكفاءته العملية بل باندماجه بالفكرة ولو شكلياً، والعامل الوظيفي أخذ دوراً كبيراً في استمرار كثير من الأفكار، فلا يمكن لأحد أن ينكر فكرة مرتبطة بوظيفته، سواء كانت علمية أو فكرية، وعملتِ التيارات الدينية في كل الأديان على غلق باب السؤال أمام اتباع الفكرة، فالشك بداية للكفر، وتناسوا أن الشك مرحلة من مراحل الإيمان، ومارست السلطة السياسية متعاونة مع المؤسسة الدينية تضييق الاجتهاد والتفكير في كثير من المسائل الدينية والفكرية.
إن الهجرة من الكبت والاستبداد والتضييق على الأفكار وحرمان الإنسان من أن يبدي رأيه أو فكرته حول مسألة ما أصبحت واجباً واقعياً وإنسانياً، فلا يمكن للإنسان أن تستثمر طاقاته وإمكاناته بشكل سلبي في أفكار لم تجلب للإنسان السعادة، بيد أنها لم تنسجم مع واقعه وحياته، فأنتجت شخصيات مزدوجة فكرية، فبدل من أن تصلح أفسدت، مع أن حسن النية لا يبرر وجود الخطأ ولا يبرئ صاحبه من حدوث مفسدة.
إن الهجرة تحدثنا أن العالم واسع جداً، وفي نهايات مفتوحة، وامتداداته كامتداد البحار التي لا نهاية لها، وأن الهجرة من العبودية إلى الحرية، ضرورة شخصية، ولا سيما الحرية الفكرية، فكلما ضاق مكانك بك، اعلم أن ثمة آخر أوسع منه، فالهجرة نحو الحرية مقصد من مقاصد الهجرة النبوية.
لكن ثمة سؤالاً يرد في الذهن، هل توقفت الهجرة حقاً! وهل هناك هجرة جديدة!.. لا شك أن الحديث يقطع الهجرة، فلا هجرة بعد فتح مكة، رغم أن القرآن أكد وجوبها حينما يحل الظلم في مكان ما، وتكون تلك الأرض وبالاً على أصحابها، "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها". فالعالم لا يضيق بالأحرار، وكلما ضاق بلد أو مدينة بأهلها، فتح العالم لهم أذرعه، ولذلك قالوا، "إذا ضاق الأمر اتسع"، فكلما كثرت قوانين التضييق على الحريات وتقييد حركة الإنسان، اخترع وسيلة وأداة للتحرر من قبضة هذه القوانين، وما زلنا نرى بأم أعيننا كيف وصل الناس إلى القارة الأوروبية في زوارق الموت، متجهين صوب أكثر البلدان أماناً وحرية في العالم، وكيف كسر الإنسان حدود البلدان واجتازها دون أن يبصم جوازه أو يقف طابوراً طويلاً لأجل الدخول.
بعد هذه الموجات للهجرة على مدار التاريخ، ما بين العالم، بقي أمة من الناس، سواء أكانوا مؤسسات أو أحزاب أو جمعيات أو منظومات فكرية، يدورون في فلك فكرة واحدة، لم يستطيعوا أن يحدثوا فيها شيئاً، إلا شكل طباعتها ولون كتابتها، وبقيت الفكرة جثة هامدة لا حراك فيها، تنتظر من يخرجها بصورة حديثة للناس، وعلى خشية أهل الرأي والأحرار في كل أمة من أن يقولوا كلمتهم ويحددوا موقفهم من أفكار بشرية، جاءت بالويلات على العالم الإنساني ولا سيما عالمنا العربي، أفكار كتبها إنسان فاتفقت أمة من الناس على صلاحها، ولبست فيما بعد ثوب القداسة، فلم يجرؤ أحد على المساس بها، فالكل يخشى غضب الآلهة المزعومة، غضب الفكرة المنتهية الصلاحية، كل فئة صنعت لها إلهاً من ورق تطوف حوله وتعبده، وتتقرب له بالقرابين ويحرم على أحد أن يذكر الآلهة بسوء، فيحل العذاب والعقاب على البشرية.
إن الفكرة العظيمة تستمد قوتها من نفسها، فالإسلام فكرة عظيمة يستمد حفظه وبقاءه من الله عز وجل، ولو ترك أمر الحفظ للبشر لتغيرت كثير من تعاليمه كما تغيرت في بقية الشرائع، ولتجسد فهم مختلف في أذهان معتنقيه.
نعود إلى السؤال.. لماذا يخشى الناس الهجرة!
الهجرة من البلدان، من المدن، من المجتمعات، المؤسسات، الجماعات، الأحزاب، الأفكار، مع إجماع معظم من فيها أو حولها على انتهاء صلاحيتها وفاعليتها.
يخشى معظم الناس الهجرة ولا سيما هجرة الأفكار المنتهية الصلاحية لأسباب كثيرة؛ منها أن هذه الأفكار وجدت لها حماية من منظومات وتيارات جعلت المساس بالفكرة أمراً شبه مستحيل، بالإضافة لارتباط الأفكار بمؤسسات نفعية ربطت كفاءة الإنسان وصعوده ونزوله ليس بكفاءته العملية بل باندماجه بالفكرة ولو شكلياً، والعامل الوظيفي أخذ دوراً كبيراً في استمرار كثير من الأفكار، فلا يمكن لأحد أن ينكر فكرة مرتبطة بوظيفته، سواء كانت علمية أو فكرية، وعملتِ التيارات الدينية في كل الأديان على غلق باب السؤال أمام اتباع الفكرة، فالشك بداية للكفر، وتناسوا أن الشك مرحلة من مراحل الإيمان، ومارست السلطة السياسية متعاونة مع المؤسسة الدينية تضييق الاجتهاد والتفكير في كثير من المسائل الدينية والفكرية.
إن الهجرة من الكبت والاستبداد والتضييق على الأفكار وحرمان الإنسان من أن يبدي رأيه أو فكرته حول مسألة ما أصبحت واجباً واقعياً وإنسانياً، فلا يمكن للإنسان أن تستثمر طاقاته وإمكاناته بشكل سلبي في أفكار لم تجلب للإنسان السعادة، بيد أنها لم تنسجم مع واقعه وحياته، فأنتجت شخصيات مزدوجة فكرية، فبدل من أن تصلح أفسدت، مع أن حسن النية لا يبرر وجود الخطأ ولا يبرئ صاحبه من حدوث مفسدة.
إن الهجرة تحدثنا أن العالم واسع جداً، وفي نهايات مفتوحة، وامتداداته كامتداد البحار التي لا نهاية لها، وأن الهجرة من العبودية إلى الحرية، ضرورة شخصية، ولا سيما الحرية الفكرية، فكلما ضاق مكانك بك، اعلم أن ثمة آخر أوسع منه، فالهجرة نحو الحرية مقصد من مقاصد الهجرة النبوية.