في الفن... أنت متأمل أم حكيم؟

31 ديسمبر 2015
صناعة السينما هي سوق الخيال (الفيسبوك)
+ الخط -
السينما متعة لا موعظة، السينما إبهار بصري للعامة والخاصة ثم تسويق للأفكار، للقيم، للثقافات، مما يُكوّن رأيا عاماً وعقلاً جامعا للأمة، فهم البعض جزءاً من القصة وانبهر بالصنعة فأحب أن يجر المصنع لبيته، أمسكوا بالقيم وصفّوها على الأرض جنباً إلى جنب وتأملوا فيها ثم قرروا أن يسموا إنتاجهم الجديد "الفن الملتزم". ركزوا على الالتزام ولم يتقنوا الفن. لم يعيشوا للفن بل عاشوا فقط للقيم، وإن ناقشتهم في الصنعة ناكفوك بالقيم، فأظهروا القيم العظيمة برداء سخيف.


بعيداً عن ديباجة ذكر اليهود وهوليوود، كلما ذكرت السينما مما يبعد شبابنا ألف سنة ضوئية خوفاً وورعاً من الصنعة، ما يميز صناع السينما العالمية أنهم بالأصل أصحاب حرفة عاشوا لها فصنعوا ماكينة السينما الجبارة التي يلقون بها أبسط الأفكار فتخرج علينا برداء مثير، قد حصل أن يقضي شخص يومين من النقاش حول فكرة كان يعيشها هو كل يوم الى أن صنعها له هوليوودي لماح.. فلمعت.

صناعة السينما هي سوق الخيال فيه أصل منذ الصغر، لا ترف يلام عليه المرء، ثم هي صناعة القلم بالأصل لا شراء "كانون 5D" ولعب بالمونتاج فقط، فمن أقلامنا أحيانا نقصف من الغرب بأفلام تحاكينا "ألف ليلة وليلة" و"صلاح الدين" وغيرهما خير مثال.

أتذكر يوم قرر البعض عمل فيلم عن سيرة النبي محمد، فأنشئت شركة برأس مال جبار، وبدأ أول مؤتمر باركه الشيوخ جنباً الى جنب مع الفنانين وأجازوه لهم، كانت جلسة أشبه باستسلام الفن أمام الدولار ومجاملة الشيوخ للكل بجهل حتى مال أحدهم لزميله وهمس "مش حرام كل الفلوس دي"، كان الضحك من فيلم "الرسالة" للراحل مصطفى العقاد على أشده من بعض البعيدين عن الحرفة داعين لمخرج فلم "سيد الخواتم" (النيوزلندي بيتر جاكسون) بالإسلام والذي جلس بينهم مبتسماً على مضض وكان قد كلف بإنتاج فيلم عن الرسول.. وما زلت مؤمنا أن الرسالة للمسلمين أهم من الرسول.. ويضحكون.

إذا اتجهت غربا فستجد "سينما التأمل".. هي التي تفتح لك كمشاهد أبواب الذكاء لتفكر وتكتشف وتعيش القصة بتأمل دنيوي وتفكير فلسفي مفتوح، في الممثل نفسه تجد الشر والخير وأحياناً يفوز أحدهما على الآخر في نفسه، وذلك ما يصنع التشويق في متابعتك لإنسان مثلك، وفعلياً هكذا هي الدنيا واقعاً، فهي لا تضع الشرير في قالب الأبيض أو الأسود فقط كما يحصل اذا اتجهت شرقاً فستجد "سينما الحكمة" التي تمسك بيدك لتريك الصح من الخطأ، فالبطل لا يخطئ والشرير مكتمل السواد بلا قلب ومعظم فلسفة العرض وإن تلونت وعظ.

قناعتي أن الفن لأجل الفن هو ما يصنع أميالاً من الأهداف ويبقى "الفن الهادف الملتزم" سجنا صنعناه بجهل لكثير ممن فكروا أن يحترفوا الصنعة فاصطدموا بالقوانين التي أحالتهم إلى أنصاف فنانين، والعيون الشرعية والقانونية تراقب بإغراء موهوباً حراً يطير.. تريد أن تطوعه لأهدافها فتنزله للأرض.. فينتهي وينتهوا.

ونعود من جديد نردد.. أين الفن؟

(فلسطين)