في الطريق إلى باريشا والبغدادي... أطراف مختلفة اجتمعت لهدف واحد

27 أكتوبر 2019
عملية قتل البغدادي (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال الغموض يكتنف عملية الإنزال الجوي التي نفذتها مروحيات يعتقد أنها أميركية واستهدفت ما قيل إنه منزل أو مقر كان يختبئ فيه زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي في قرية باريشا، على الحدود التركية السورية. 

وبحسب معلومات حصلت عليها وكالة "الأناضول" التركية، فإن العملية استمرت لمدة أربع ساعات، تم تنفيذها على دفعتين، انتهت بتدمير المنزل المستهدف بشكل كامل، وأن مصادر طبية عثرت على 7 جثث في المكان، بينهم طفل وثلاث نساء.

وتداول ناشطون مقطعاً مصوراً أظهر مسلحين يُعتقد أنهم يتبعون لـ"هيئة تحرير الشام" يتحلقون حول رجل مدني، قيل إنه راعي أغنام يقطن في خيمة قريبة من المنزل المستهدف.

 

وقال الراعي في الفيديو إن الجنود المشاركين في العملية داهموا المنزل وأخرجوا منه ثلاثة أطفال، وسلموهم إلى شاب من سكان المنطقة، وطلبوا منه الابتعاد عن مكان المنزل لمسافة بعيدة ريثما ينتهي القصف. 

وأشار الراعي إلى أن المنزل يعود لشخص يدعى أبو محمد سلامة، وأن المهاجمين طلبوا منه تسليم نفسه فوراً إثر عملية الإنزال.

 

فمن هو أبو محمد سلامة أو "أبو محمد الحلبي" الذي كان البغدادي يختبئ في منزله؟ ولماذا اختار البغدادي أساساً باريشا ملجأ له، بعد أن زادت عمليات المطاردة بحقه، بعد الانهيار شبه التام لتنظيمه في سورية والعراق؟.

تقول مصادر محلية إن أبو محمد سلامة قدم مع عائلته إلى القرية منذ فترة ليست طويلة، وبنى المنزل الذي استُهدف في العملية، بعد أن كان المنزل على الهيكل، واشتراه بـ25 ألف دولار، وهو نازح من مدينة حلب لا يعرف عنه أكثر من هذه المعلومات، سوى أن مصادر أخرى قالت إن الرجل ينتمي بشكل سري لتنظيم "حراس الدين الذي ولد بعد خلافات بين الأقطاب التي تنبثق منها تنظيمات تتبنى أفكار تنظيم "القاعدة".


أما باريشا، وهي قرية جبلية تقع ضمن سلسلة جبال حارم وفي المنتصف بين ناحيتي سرمدا وحارم، وتبعد عن الشريط الحدودي مع تركيا حوالي 5 كيلومترات، تسيطر عليها حالياً "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً)، وتتخذ فيها مقرات لها، وكان قياديون كبار، سواء من "هيئة تحرير الشام" أو من التنظيمات التي استولت على القرية من قبل، يتخذون من القرية مسكناً لهم، لبعدها عن مناطق الاستهداف وقربها من الحدود، قبل أن يخرج معظمهم منها مع تدفق النازحين إلى القرية، واستهداف الكثير منهم من قبل التحالف الدولي في مناطق قريبة.

 وبحسب المعلومات، فإن القرية تضم في الوقت الحالي مقراً لتنظيم "حراس الدين الذي من المعتقد أن أبو محمد سلامة ينتمي إليه، وهذا التنظيم الأقرب فكراً في الوقت الحالي لتنظيم "داعش".

واستقطبت طبيعة باريشا الجبلية في وقت مضى تنظيم "حركة أحرار الشام" التي استثمرت كهوفاً ومغاور داخل الجبال لتجعلها مستودعات عسكرية وطبية، قبل أن تدحر "هيئة تحرير الشام" عناصر "أحرار الشام" عن القرية إثر سيطرتها على معبر باب الهوى القريب من القرية.

ويجاور القرية عدد من المخيمات الحدودية، أقربها مخيم "طور لاها" الذي يقطنه نازحون من عدة مناطق في كل من ريفي إدلب وحماه، وبعض أرياف حلب.

وعمد نازحون آخرون في الآونة الأخيرة إلى شراء أراضٍ في القرية وبناء منازل عليها، في ظل حركة النزوح الكبيرة من الريف الجنوبي لإدلب والشمالي لحماة، إثر سيطرة قوات النظام على بلداتهم وقراهم.

مشاركون في قتل البغدادي؟

ويثير التصريح الذي أدلى به مسؤول تركي لوكالة "رويترز عن أن البغدادي وصل قبل 48 ساعة إلى المكان قبل تنفيذ العملية، أسئلة حول الطريق التي سلكها البغدادي للوصول إلى باريشا، وأين كان قبل أن يقصدها، فإذا كان قد خرج من العراق أو مناطق حدودية سورية مع العراق، كما تشير أغلب التكهنات بأن البغدادي كان يتخذ من البادية بين سورية والعراق منطقة لتحركاته، فإنه سيمر أو مر حتماً بمناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، أو ربما مناطق سيطرة قوات النظام السوري شرقي سورية، والتي باتت القوات الأخيرة تتمدد فيها أكثر وأكثر بعد الاتفاق التركي-الروسي الذي تلا إطلاق العملية التركية العسكرية شرقي الفرات.

وقالت وزارة الدفاع التركية إن الجيشين التركي والأميركي تبادلا ونسقا المعلومات قبل الهجوم، في محافظة إدلب السورية، الذي نفذه الجانب الأميركي. 

 

ويفتح هذا التصريح الباب أمام تكهن يفيد بأن طائرات الاستطلاع التركية المشاركة في عملية شرقي الفرات، والتي تمشط المنطقة لمراقبة سير العملية، أو عمليات الانسحاب لـ"قوات سورية الديمقراطية"، إثر تعليق العملية لإعطاء مهلة 150ساعة إضافية لانسحاب "قسد"، ربما هي من رصدت حركة البغدادي حتى وصوله إلى باريشا على الحدود التركيةالسورية ومن ثم استهدافه.

وكان قائد "قوات سورية الديمقراطية" مظلوم عبدي قد ألمح، في تصريح صباح اليوم الأحد، إلى مشاركة "قسد" في تقديم معلومات للجانب الأميركي عن البغدادي حين كتب على حسابه عبر "في تويتر": "عملية تاريخية ناجحة نتيجة عمل استخباراتي مشترك مع الولايات المتحدة".

 

وأيضاً أشار مسؤولون عراقيون أمنيون إلى أن الاستخبارات العراقية والفريق المكلف بملاحقة البغدادي حصلا على معلومات "من السوريين" تفيد بمقتل زعيم تنظيم "داعش"، ما يدل على تنسيق الجانب العراقي أيضاً في المعلومات المشاركة في العملية، أما الإشارة الى المعلومات من خلال الحصول عليها "من السوريين" فلا شك فب ألا تواصل للسلطات العراقية داخل سورية سوى مع النظام السوري، وربما يكون هو المقصود بإعطائه المعلومات، وهنا لا بد من ضمه إلى دائرة المشاركين في التنسيق وإعطاء المعلومات.

وبذلك، قد تكون أطراف عدة قد شاركت في تقديم معلومات استخباراتية والتنسيق قبل العملية، وهي العراق وتركيا، و"قسد"، وربما النظام السوري.

المساهمون