في الساحة الأميركية: نضال وقوائم سوداء

13 سبتمبر 2016
نيويورك في حزيران 2016، تصوير: مارك أبولو
+ الخط -

أصدرت حركة "حياة السود مهمّة" (Black lives Matter) بداية شهر آب/ أغسطس الماضي لأول مرة منذ تأسيسها عام 2013، برنامجاً سياسياً واجتماعياً مفصلا نصّ قسم "السياسة الخارجية" فيه على انتقادات جدية لسياسات دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تمارسها ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967 و1948.

ودعم البرنامج رسمياً حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل. وصف البرنامج إسرائيل بأنها "دولة التفرقة العنصرية التي ارتكبت تطهيراً عرقياً ضد الفلسطينيين".

أثار إعلان الحركة دعمها الصريح لحركة المقاطعة موجة من ردود الفعل العنيفة في الولايات المتحدة، ليس فقط من اليمين واليسار الليبرالي، كما كان متوقعاً، بل حتى من يساريين أميركيين يهود كانوا يقدمون الدعم للحركة. ويعد هذا التطور الأخير، أي تبني حركة "حياة السود مهمة" موقفاً يدعم المقاطعة في برنامجها الرسمي، خطوة مؤسِّسة على هذا الصعيد. وذلك للاحترام والشعبية اللتين تحظى بهما هذه الحركة بين الأقليات، والأميركيين من أصول أفريقية، وحتى بين وسائل الإعلام الليبرالية في الولايات المتحدة.

والحركة عبارة عن "حركة أم" لأكثر من 50 تنظيماً سياسياً واجتماعياً في الولايات المتحدة يكافح من أجل نيل الأميركيين، من أصول أفريقية، حقوقهم الكاملة في هذا البلد، ومن ضمن ذلك وقف قتل أبنائهم على يد قوات الشرطة دون محاكمة أو محاسبة في أغلب الأحيان.

بدأ الدعم لحركة المقاطعة ضد سياسات الاحتلال ينتشر في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة وذلك في عدة أوساط من بينها طلاب الجامعات والأساتذة والجمعيات الأكاديمية المختلفة، كما على مستوى الكنائس، إضافة إلى شخصيات معروفة.

وقد يبدو للوهلة الأولى أن هذه الخطوات متأخرة قليلاً إذا ما أخذنا في الاعتبار النجاحات التي تحققها الحركة في أوربا، لكن للولايات المتحدة وضعها الخاص وأهميتها القصوى، في خصوص كل ما يتعلق بإسرائيل، ما يجعل صعود هذه الحركة بخطوات ثابتة أمراً مميزاً لأسباب عديدة، لعل أهمها العلاقات الأميركية الإسرائيلية وقوة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية. وأحد السبل الممكنة للتأثير على هذه العلاقة يتجلى في بناء قاعدة دعم ثابتة لحركة المقاطعة.

تظهر تحركات اللوبي الصهيوني ومؤيديه في الولايات المتحدة، ضد حركة المقاطعة وكل من يؤيدها ومحاولة التشهير بها، مستوى القلق الذي يشعر به هؤلاء إلى درجة قيام البيت الأبيض بفرض توصيات وقوانين للعمل ضدها. وهو ما يحاول حكام بعض الولايات الأميركية القيام به كذلك. وكان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد صادق، في العام الجاري، على قانون متعلق بالتجارة الأميركية مع الدول والهيئات الأجنبية.

وتحث بعض بنود القانون المستثمرين "على رفض الحملات الداعية لمقاطعة إسرائيل". ويذهب القانون أبعد من ذلك، بحيث يضع مسألة "محاربة حملات المقاطعة" على سلم أولويات المفاوضين الأميركيين في اتفاقيات التجارة الحرة بين أميركا والدول الأجنبية.

ترى منظمات حقوقية أميركية فلسطينية كمنظمة "ليغال بالستاين" أن أهمية القانون رمزية أكثر منها فعلية، دون أن تقلل من خطورته. وتضع المنظمة القانون في سياق محاولة المؤسسة الأميركية الرسمية إضعاف أي تقدم يمكن أن تحرزه حركة المقاطعة. ولا ينص القانون على عقوبات قانونية ضد الشركات المؤيدة للمقاطعة ولا يمنع حتى إبرام الصفقات معها، لكنه يخلق جواً من الخوف لا يستهان به.

وذهبت بعض الولايات الأميركية إلى أبعد من سنِّ قوانين لها طابع توصيات، كما فعل الكونغرس الأميركي، بل قوانين تعاقب الذين يقاطعون إسرائيل أو يعلنون تأييدهم لذلك في ولاية نيويورك، أو "مقاطعة المقاطعين" كما أطلق عليها حاكم ولاية نيويورك آندرو كومو.

وكان كومو قد وقع على قرار إداري في شهر حزيران/ يونيو الأخير ينص على أن ولاية نيويورك "لن تسمح بتقديم أي دعم مادي وبأي شكل من الأشكال لأي من الفعاليات التي تدعم حركة المقاطعة بشكل مباشر أو غير مباشر".

يذهب هذا القرار، الذي تصفه منظمات حقوقية أميركية بأنه غير دستوري، إلى معاقبة أي منظمة، أو جمعية، تحصل على تمويل من حكومة الولاية وتدعم المقاطعة. ولعل أبرزها هي "حركة طلاب من أجل العدالة في فلسطين" التي تنتشر في العديد من الجامعات الأميركية. ومن غير الواضح حتى الآن كيفية تأثير هذا القانون على الجامعات الأميركية الحكومية التي تحصل على دعم مادي من الولاية في حال تأييد كوادر فيها للمقاطعة.

وتحارب مؤسسات صهيونية، أو مؤيدة لها، الأكاديميين الذين يعلنون تأييدهم للمقاطعة بشتى الطرق. وكانت مؤسسة "عمخا" اليمينية الصهيونية، ومقرّها ولاية كاليفورنيا، قد نشرت "لائحة سوداء" تضم أسماء مئات الأكاديميين الذي يدرسون في الجامعات الأميركية ووقعوا عام 2014، أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة، على عريضة تطالب بمقاطعة الجامعات الإسرائيلية لأنها مرتبطة في عملها وبحثها ارتباطاً وثيقاً بالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية. ووجهت "عمخا" نداء للطلاب بمقاطعة أساتذتهم الذين يؤيدون مقاطعة إسرائيل أكاديمياً ونشرت لائحة بأسماء الأساتذة وجامعاتهم والكليات التي يدرسون فيها.

على مستوى الكنائس الأميركية، فقد تبنى العديد منها قرارات تؤيد سحب استثماراتها في أي مشاريع أو شركات أميركية، وغير أميركية، لها فروع ومعامل في المستوطنات. ولعل أكبرها حتى الآن "الكنيسة المشيخية" (برسبيتريان) التي تبنت قراراً بسحب استثماراتها من ثلاث شركات أميركية تستخدم منتجاتها في دعم جيش الاحتلال الإسرائيلي وفي المستوطنات.

والكنيسة المشيخية من أهم الكنائس البروتستنتية في الولايات المتحدة، ولها أتباع يقارب عددهم مليونيْ شخص، كما أن حجم استثماراتها في الشركات الثلاث يصل إلى أكثر من 20 مليون دولار. وعلى الرغم من كون هذا المبلغ صغيراً نسبياً، لكن أهمية الحدث لا تكمن في رمزيته، فقط، بل كذلك في الضغط على تلك الشركات التي تحرص على سمعتها وعدم ربطها بأية أعمال تخل بحقوق الإنسان.

مرت أكثر من عشر سنوات على نداء المقاطعة الذي أطلقته في تموز/ يوليو 2005 أكثر من 170 منظمة واتحاداً فلسطينياً في فلسطين التاريخية والمنفى، والذي دعا إلى "مقاومة مدنية عالمية ضد إسرائيل عن طريق مقاطعتها وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها حتى تنصاع انصياعاً كاملاً للقانون الدولي والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان".

ومنذ ذلك الحين، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، تمارس الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ضغوطات شديدة وحملات تشهير ضد الأفراد الذين يعلنون تأييدهم للمقاطعة، في محاولة منها للحد من توسعها إن لم تتمكن من بترها. وأعدت كذلك برامج خاصة ترصد لها الأموال من أجل تحسين صورتها في العالم والولايات المتحدة.

(كاتبة فلسطينية/ نيويورك)

المساهمون