في الذكرى الثالثة للمؤامرة

01 ابريل 2014
"بلا عنوان"، سلافة حجازي
+ الخط -

أنا السوري الذي أقلق العالم على مدى ثلاث سنوات ويعدكم بقلق الرابعة. قررت أن أعترف لكم اليوم بخبايا "المؤامرة" التي أوهمناكم أنها "ثورة".

سأعترف بتفاصيل لم تعرفوها من قبل، أو عرفتموها بصيغتها المزيّفة، بسبب قدرتنا العظيمة على حبك مؤامرتنا جيدا بالتعاون مع القنوات الإعلامية المغرضة.

أعترف أولا أنني مواطن سوري لم يكن ينقصه شيء أبدا، فبلادي سوريا (التي تآمرت عليها) كانت ترتع في ملذات الديمقراطية حد الفساد، وكان الإعلام حرا لدرجة إقلاقه غرف نوم الحكومة وأعضاء مجلس الشعب الذين كنا ننتخبهم في "عرس ديمقراطي" لا مثيل لنزاهته وشفافيته في الكون كله لا في الكرة الأرضية فحسب.

وكان التداول السلمي للسلطة وصل حد أن يتغير الرئيس كل ثلاثة أيام وأحيانا كل أربعة، إلى أن مللنا التداول السلمي فأبقيناه أبداً! إلا أن "الشيطان" وسوس بقلبي أنا ومجموعة من السوريين المغرّر بهم، فقررنا بدء المؤامرة وتنفيذ بنودها فصلا فصلا على أنها ثورة تريد الحرية والديمقراطية في حين أنها تستهدف الحرية والأمان اللذين كنّا ننعم بهما، وذلك نزولا عند أجندة غربية/ تركية/ صهيونية/خليجية/ فرنسية/ امبريالية/ عولمية.. حيث تلقينا التدريبات في مكاتب هذه الدول والمؤسسات، ثم بدأنا.. وعليه أعترف:

أنا السوري الذي تظاهر مقابل 500 ليرة وشفة حشيش

أنا السوري الذي حول تجمّعا سوريا مبتهلا بالمطر إلى مظاهرة

أنا "أحمد البياسي" الذي ضرب و"عفّس" عناصر الأمن بقدميه في قرية البيضا، ثم روّجت الشريط على أن الأمن "عفسنا"، عبر ظهوري في تسجيل خاص، يؤكد أن هذه القرية هي البيضا الواقعة على الساحل السوري وليست نواكشوط أو غواتيمالا أو خليج الخنازير.

أنا المعتقل الذي خرجت من السجون السورية بعد أن "شبحت" عناصر الأمن سبعة أيام بلياليها دون طعام أو شراب، وأذقتهم مر "الكرسي الألماني" ورمي الملح على جروحهم وحرمانهم النوم، لأقول فيما بعد للإعلام كاذبا متعمدا إنهم فعلوا بي ذلك.

أنا غياث مطر الذي أصرّ الجندي على إعطائي غصن زيتون وزجاجة ماء لكي أشرب وأواصل التظاهر، ولكني قتلته لأن شكله لم يعجبني ولم يرق مزاجي المتظاهر.

أنا التاجر الذي لم أكن أريد إغلاق محلي، إلا أن الأمن جاؤوا وأجبروني على إغلاقه حفاظا على وحدة الإضراب، وحين أصروا ضد رغبتي قمت بكسر قفل المحل محتجا وبعثرت محتويات محلي.

أنا حمزة الخطيب الذي كنت ذاهبا لأغتصب السبايا/ الصبايا تحت حجة التظاهر، وبعد أن فعلتها ندمت وقررت قطع أعضائي.

أنا إبراهيم القاشوش الذي اقتلعتُ حنجرتي بملء إراداتي حين عرفت مدى تورطها بالمؤامرة، صارخة: يلا ارحل يا بشار.

أنا العسكري الذي انشق لأنه ملّ خدمة الوطن، ثم زيّن انشقاقه عبر الإعلام بأنه في سبيل الحرية في الوقت الذي كنت أنهب وأعيث فسادا وأقلق المواطنين الآمنين.

أنا المواطن السوري المغرّر به أعترف لكم أن الإعلام الرسمي هو الأصدق إنباء من الكتب، لأني أنا بنفسي اشتغلت "شاهد عيان" من قلب الحدث، بينما كنت أمارس العادة السرية بيد وأمسك السماعة باليد الأخرى لأٌقص على المذيعة أخبارا عن مظاهرات واعتقالات لم تحدث.

أنا الذي أغرتني "نجوى قاسم" و "رولا ابراهيم" و "زينة يازجي" بليالي ألف ليلة وليلة، مقابل أن أخترع لهم أخبارا "موهنة لنفسية الأمة".

أنا السوري أعترف لكم أن لحظات الصدق الوحيدة التي قلتها خلال ثلاث سنوات ونيف، هي اعترافاتي على شاشة التلفزيون السوري، لأنها كانت لحظة صفاء وصحو ضمير مرا بي، ولم أكن مجبرا أو تحت التهديد كما تتفلسف القنوات المغرضة.

أنا السوري الذي أطلقت "النصرة" من السجون وجلبت "داعش" من القبور، واستدعيت "القاعدة" من تورا بورا بعد اتصال بيني وبين أخي المجاهد قدس الله سره وبرهانه "أيمن الظواهري"، وهيأت الأرضية اللازمة لدخول الحزب إياه و"كتائب أبي الفضل العباس" بعد أن اتفقت مع "خامنئي"، وذلك كله لأني متعطش للحروب الأهلية وشرب الدماء وأكل الأفئدة، ولم أرتوِ بعد.

أنا السوري الذي رمى براميل متفجرة من طائرته الورقية على قوات النظام وجيشه الباسل.

أنا السوري الذي ينتظر اليوم موعد الانتخابات الرئاسية ليل نهار لكي أجدد البيعة بعد أن عدت لرشدي وظللني سقف الوطن وندمت على ما ارتكبته بحقه من تظاهر آثم وحرية كاذبة وديمقراطية لا تجلب إلا المفسدة.

أنا ندمان.. كذبة أول نيسان.


* شاعر وصحافي سوري مقيم في دمشق

دلالات
المساهمون