بعد أكثر من أربع سنوات على صدور حكم قضائي بوضع رئيس مجلس إدارة شركة مناجم الفوسفات السابق، وليد الكردي، بالأشغال الشاقة المؤقتة 22.5 عاماً، والأشغال الشاقة المؤقتة 15 عاماً، وتغريمه نحو 400 مليون دولار، لإدانته بقضيتي فساد، قررت الحكومة الأردنية ملاحقة المحكوم الفار من وجه العدالة.
قرار بهذا الحجم يتعلق بصهر العائلة المالكة، زوج عمة الملك، يُفترض أن يبعث الطمأنينة في نفوس المواطنين، ويعزز ثقتهم في جدية الحكومة في القضاء على الفساد وملاحقة الفاسدين، وهي قضية شغلت الشارع الأردني وما تزال.
لكن القرار الذي انتظره الأردنيون طويلاً واعتصموا للمطالبة بتحقيقه، مضى وكأنه لم يصدر، بل إن صدوره أصبح محل تندّر البعض واستغرابهم من سر تحريك القضية التي علاها غبار الإهمال. مثّل الكردي رمزاً للفساد في فترة الاحتجاجات الأردنية التي انطلقت في عام 2011، متأثرة بالانتفاضات العربية، وأصبحت محاكمته مطلباً يتكرر في الفعاليات الاحتجاجية، بل إنه أصبح جسراً يعبره المتظاهرون لربط الفساد بالقصر الملكي، وتوجيه التهم تلميحاً أو تصريحاً للملك بوصفه حامياً للفاسدين ومتستراً عليهم.
صرخات المتظاهرين آنذاك تكسّرت على صخرة إصرار السلطة على عدم تغذية مشاعر النصر لديهم، بشكل يحفزهم على المواصلة، فكان المتظاهرون في عقيدتها مخرّبين وأصحاب أجندات مشبوهة، وكان الكردي مثالاً للنزاهة والاستقامة، قبل أن يصبح وبعد تراجع موجة الاحتجاج ولأسباب غير معلومة، نموذجاً للفساد وسرقة المال العام.
كان من الممكن أن يُحدث الحكم القضائي الصادر بحق الكردي وقعاً مختلفاً لو جرت محاكمته استجابة للمطالبة الشعبية في غمرة موجة الاحتجاجات، وكان ممكناً أيضاً أن يقابل قرار ملاحقته بإيجابية أكبر لو لم تنتظر الحكومة أربع سنوات بعد صدور الحكم القضائي للمباشرة بإجراءات الملاحقة.
ملاحقة الكردي الفار من وجه العدالة، لاسترداده ومصادرة المبالغ المحكوم فيها، قرار مهم، لكنه جاء في التوقيت غير المناسب، بعد أن تبلّدت مشاعر المواطنين ووصلوا إلى أقصى مراحل اللامبالاة وفقدان الثقة في كل ما تقرره الحكومة. لتحتفل الحكومة وحدها بالقرار، فلا احتفالات على المستوى الشعبي، فالفرح لم يعد فرحهم.