29 يوليو 2015
في أدعية الحقد والكراهية
محمد مغوتي (المغرب)
يمثل الدعاء في الإسلام شكلاً من أشكال الارتباط الروحي بين الإنسان وربه. ويعبر عن العلاقة الوجدانية التي يجعل، من خلالها، الإنسان المسلم كل أعماله وأفعاله خالصة لوجه الله. وبذلك، يكون الدعاء في كل وقت وحين تعبيراً عن الحضور الدائم لله، في كل ما يقوم به العبد الذي يمثل عنده هذا الدعاء عبادة في حد ذاته.
طلب العون الإلهي نسك تعبدي ظل حاضراً عبر التاريخ، عند كل البشر المتدينين، سواء تعلق الأمر بعبدة الأوثان منهم، أو بالمؤمنين بإحدى الديانات السماوية التوحيدية. لكنه يكتسي عند المسلمين دلالة أكثر عمقا، فالدعاء عند المسلم يكاد يكون سلوكاً ملازما لكل تصرفاته وأفعاله. فهو يدعو لنفسه وللمقربين منه، ولغيرهم من أبناء جلدته، بكل عفوية، وفي كل مناسبة وحين، حيث ترتفع أكف الضراعة إلى الله في المساجد والمجالس والولائم والمآتم.
أن يناجي المسلم ربه، ويطلب عونه ورحمته في الدنيا والآخرة، فذلك تعبير عن خضوعه وعبوديته له. وذلك طبعاً أمر مرغوب فيه، وواجب من الناحية الدينية، شريطة أن يترافق مع أسباب القبول، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. لكن، عندما ينتقل الدعاء، من مستواه التعبدي الذي يجمع بين العبد وربه، ويتجاوز طلب الخلاص الفردي إلى الخلاص الجماعي، ويتحول إلى نشيد للحقد والبغض، فإنه يصبح خطراً، في حد ذاته، لأنه لن ينتج إلا العنف والكراهية والموت. وذلك ما تعبر عنه أدعيةٌ كثيرة تحمّل الآخرين وزر مآسي "الأمة" (أستخدم هنا لغة الفقهاء)، وتطلب لهم أقسى أشكال الهلاك. والآخرون طبعا هم أعداء الإسلام الذين يكيدون للمسلمين، ويمنعونهم من وحدة الكلمة واجتماع الصف. وقد استقرت عند جموع المسلمين قناعة ثابتة تضع اليهود والنصارى على رأس قائمة الأعداء. لذلك، هي تردد باستمرار، في مشارق الأرض ومغاربها، عبارة: "آمين" في حماسة شديدة تفاعلا مع أدعية تملأ النفوس رعبا من قبيل:
"اللهم شتت شملهم". "اللهم رمل نساءهم ويتم أبناءهم ونكس راياتهم". "اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم". "اللهم جمد الدم في عروقهم".
تؤشر هذه الأدعية المثقلة بحمولة العنف والكراهية إلى الضعف الشديد الذي يعانيه المسلمون، فهم مقتنعون تماماً أن ما يعيشونه من تخلف وفرقة وأزمات ليس من صنع أنفسهم، بل هو صنيعة شيطان الغرب الذي يتربص بهم وبدينهم. وتلك هي بداية حكاية التعلق بنظرية المؤامرة، وصكوك اتهاماتها الجاهزة للغرب الكافر. ولأن سطوة هذا الغرب المتآمر تفوق إمكانات المسلمين وقدراتهم، فإن سلاح الدعاء هو الكفيل برفع ظلمه وجبروته وطغيانه. لكن المدد لا يأتي أبدا، فأدعية الكراهية هذه لم ولن تغير من الواقع شيئا، حيث يزداد الغرب قوة وتحضراً ووحدة، والمسلمون يزدادون تشتتا وفرقة. في الغرب، يقبل الناس على الحياة وينشرون الفرح، بينما رايات المسلمين في تنكيس مزمن، بسبب الحروب الطائفية والمذهبية والعشائرية التي حولت مساحات واسعة من خريطة العالم الإسلامي إلى نار ورماد.
أدعية الكراهية والحقد هذه مرتبطة بتنامي خطاب استئصالي، لا يعبر عن روح الإسلام وحقيقته الجوهرية، لكنه يقدم نفسه وصياً على المسلمين، وهو لا ينتج إلا الإحباط والتكفير والعنف. وبموجب هذا الخطاب، تتسع دائرة أعداء الإسلام، حيث كل من يرسم كاريكاتورا، أو ينتج عملا فنياً، أو يعبر عن موقف لا يشاطره فيه المسلمون، يعتبر عدوا لهم، وكل من يأتي من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام للسياحة والاستجمام عدو لهم، فيهدرون دم الأول، بتهمة التطاول على رموز الدين والإساءة إليها، ويقتلون الثاني حيث ثقفوه: في الشواطئ والفنادق والمنتجعات، بدعوى الحرص على حماية الأمة من فتنة البيكيني، وخطر الفسق والفجور، أو الانتقام من سياسات الغرب الظالمة.
والواقع أن تنامي شر الإرهاب لا يسيء إلا للإسلام والمسلمين، ويهدد الاستقرار والأمن في الدول التي يتم استهدافها. وهذا هو الهدف الحقيقي الذي يسعى إليه خطاب التكفير والعنف، الذي لا يؤمن بالدولة المدنية، ولا بالديموقراطية، ويسعى إلى إثارة الفوضى، حتى يتسع له المجال، لتطبيق نسخته الدموية لشرع الله، كما تعبر عنه دولة الخلافة المزعومة التي تحن لعصور الجزية والسبي. وذلك هو الخطاب الذي يصنع الإرهاب، وهو الذي يغذي ثقافة الموت ويشرعنها.
أسباب الضعف الذي تعيشه أمة الإسلام توجد في تراثها وثقافتها وعقليتها وأنماط تفكيرها. وكل من يعتبر الجماعات الإسلامية المتشددة صنيعة غربية، أو يبرر الإرهاب بوصفه رد فعل طبيعي تجاه الظلم الذي يعيشه المسلمون، يجانب الصواب حتما، فبذرة العنف والإرهاب متجذرة في تاريخ المسلمين، منذ اللحظات الأولى التي تحول فيها الإسلام من دين الرحمة والهداية إلى طرائق وطوائف وتأويلات اختزلته في الحدود الشرعية وتنصيب محاكم التفتيش وممارسة الوصاية على إيمان الناس. فالعيب، إذن، في المسلمين أنفسهم، وليس في غيرهم. والله "لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
طلب العون الإلهي نسك تعبدي ظل حاضراً عبر التاريخ، عند كل البشر المتدينين، سواء تعلق الأمر بعبدة الأوثان منهم، أو بالمؤمنين بإحدى الديانات السماوية التوحيدية. لكنه يكتسي عند المسلمين دلالة أكثر عمقا، فالدعاء عند المسلم يكاد يكون سلوكاً ملازما لكل تصرفاته وأفعاله. فهو يدعو لنفسه وللمقربين منه، ولغيرهم من أبناء جلدته، بكل عفوية، وفي كل مناسبة وحين، حيث ترتفع أكف الضراعة إلى الله في المساجد والمجالس والولائم والمآتم.
أن يناجي المسلم ربه، ويطلب عونه ورحمته في الدنيا والآخرة، فذلك تعبير عن خضوعه وعبوديته له. وذلك طبعاً أمر مرغوب فيه، وواجب من الناحية الدينية، شريطة أن يترافق مع أسباب القبول، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. لكن، عندما ينتقل الدعاء، من مستواه التعبدي الذي يجمع بين العبد وربه، ويتجاوز طلب الخلاص الفردي إلى الخلاص الجماعي، ويتحول إلى نشيد للحقد والبغض، فإنه يصبح خطراً، في حد ذاته، لأنه لن ينتج إلا العنف والكراهية والموت. وذلك ما تعبر عنه أدعيةٌ كثيرة تحمّل الآخرين وزر مآسي "الأمة" (أستخدم هنا لغة الفقهاء)، وتطلب لهم أقسى أشكال الهلاك. والآخرون طبعا هم أعداء الإسلام الذين يكيدون للمسلمين، ويمنعونهم من وحدة الكلمة واجتماع الصف. وقد استقرت عند جموع المسلمين قناعة ثابتة تضع اليهود والنصارى على رأس قائمة الأعداء. لذلك، هي تردد باستمرار، في مشارق الأرض ومغاربها، عبارة: "آمين" في حماسة شديدة تفاعلا مع أدعية تملأ النفوس رعبا من قبيل:
"اللهم شتت شملهم". "اللهم رمل نساءهم ويتم أبناءهم ونكس راياتهم". "اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم". "اللهم جمد الدم في عروقهم".
تؤشر هذه الأدعية المثقلة بحمولة العنف والكراهية إلى الضعف الشديد الذي يعانيه المسلمون، فهم مقتنعون تماماً أن ما يعيشونه من تخلف وفرقة وأزمات ليس من صنع أنفسهم، بل هو صنيعة شيطان الغرب الذي يتربص بهم وبدينهم. وتلك هي بداية حكاية التعلق بنظرية المؤامرة، وصكوك اتهاماتها الجاهزة للغرب الكافر. ولأن سطوة هذا الغرب المتآمر تفوق إمكانات المسلمين وقدراتهم، فإن سلاح الدعاء هو الكفيل برفع ظلمه وجبروته وطغيانه. لكن المدد لا يأتي أبدا، فأدعية الكراهية هذه لم ولن تغير من الواقع شيئا، حيث يزداد الغرب قوة وتحضراً ووحدة، والمسلمون يزدادون تشتتا وفرقة. في الغرب، يقبل الناس على الحياة وينشرون الفرح، بينما رايات المسلمين في تنكيس مزمن، بسبب الحروب الطائفية والمذهبية والعشائرية التي حولت مساحات واسعة من خريطة العالم الإسلامي إلى نار ورماد.
أدعية الكراهية والحقد هذه مرتبطة بتنامي خطاب استئصالي، لا يعبر عن روح الإسلام وحقيقته الجوهرية، لكنه يقدم نفسه وصياً على المسلمين، وهو لا ينتج إلا الإحباط والتكفير والعنف. وبموجب هذا الخطاب، تتسع دائرة أعداء الإسلام، حيث كل من يرسم كاريكاتورا، أو ينتج عملا فنياً، أو يعبر عن موقف لا يشاطره فيه المسلمون، يعتبر عدوا لهم، وكل من يأتي من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام للسياحة والاستجمام عدو لهم، فيهدرون دم الأول، بتهمة التطاول على رموز الدين والإساءة إليها، ويقتلون الثاني حيث ثقفوه: في الشواطئ والفنادق والمنتجعات، بدعوى الحرص على حماية الأمة من فتنة البيكيني، وخطر الفسق والفجور، أو الانتقام من سياسات الغرب الظالمة.
والواقع أن تنامي شر الإرهاب لا يسيء إلا للإسلام والمسلمين، ويهدد الاستقرار والأمن في الدول التي يتم استهدافها. وهذا هو الهدف الحقيقي الذي يسعى إليه خطاب التكفير والعنف، الذي لا يؤمن بالدولة المدنية، ولا بالديموقراطية، ويسعى إلى إثارة الفوضى، حتى يتسع له المجال، لتطبيق نسخته الدموية لشرع الله، كما تعبر عنه دولة الخلافة المزعومة التي تحن لعصور الجزية والسبي. وذلك هو الخطاب الذي يصنع الإرهاب، وهو الذي يغذي ثقافة الموت ويشرعنها.
أسباب الضعف الذي تعيشه أمة الإسلام توجد في تراثها وثقافتها وعقليتها وأنماط تفكيرها. وكل من يعتبر الجماعات الإسلامية المتشددة صنيعة غربية، أو يبرر الإرهاب بوصفه رد فعل طبيعي تجاه الظلم الذي يعيشه المسلمون، يجانب الصواب حتما، فبذرة العنف والإرهاب متجذرة في تاريخ المسلمين، منذ اللحظات الأولى التي تحول فيها الإسلام من دين الرحمة والهداية إلى طرائق وطوائف وتأويلات اختزلته في الحدود الشرعية وتنصيب محاكم التفتيش وممارسة الوصاية على إيمان الناس. فالعيب، إذن، في المسلمين أنفسهم، وليس في غيرهم. والله "لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".