لا يبدو عملاً سينمائياً فذاً فيلم "رجل مطلوب للغاية"، للمخرج الهولندي أنطون كوربجين. لكنّه بالتأكيد أحد أفضل وأكبر أدوار فيليب سيمور هوفمان، على الإطلاق. هذا لأنّه دور الوداع، قبل أن يرحل في فبراير/شباط الماضي، بعد فترة بسيطة من عرض الفيلم للمرّة الأولى في مهرجان ساندانس بحضوره.
هو الذي توفي بجرعة مخدّرات زائدة. الفيلم ليس أكثر محاولة لمخرج يريد رسم حدود الخير والشرّ ويسعى لاختبار الجوانب المظلمة في نفسية شخصياته. تلك التي نشطت في هامبورغ بعد نحو عشر سنوات على اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001، حيث المدينة لا زالت تحت وطأة الارتباك الذي أحدثه الاعتداء. فثلاثة من الرجال الذين هاجموا بالطائرات أبراج نيويورك، ومنهم محمد عطا، انطلقوا منها، من هامبورغ. الفيلم بورتريه حقيقي لما يقوم عليه عمل الاستخبارات: البحث، التدقيق، الترقّب، الانتظار، التتبّع واللعب على العالم النفسي للشخصيات التي يتم التحقيق معها... عالم استخبارات واقعي وليس على طريقة جيمس بوند.
يصوّر الفيلم عن قرب عمل خلية استخبارات تنشط، وإن على الطريقة القديمة. إقتُبس سيناريو "رجل مطلوب للغاية" عن الروائي الفرنسي المختص ّفي روايات التشويق جان لي كاريه الذي كان أصدر رواية في العام 2008 صوّرت مدينة هامبورغ بعد سنوات من الكارثة. وكما في الكثير من أفلام الاستخبارات والتجسّس فإن الأجهزة الإستخباراتية تدخل في صراع وسباق محموم لتسلّم الملف وتتعقد المسألة حين يدخل الأميركيون على الخط.
يؤدّي هوفمان دور رئيس خلية الاستخبارات في هامبورع. والنقد الأميركي لم يحبّ هذا الفيلم بالتأكيد، لأنّه يوجه نقداً لأساليب الاستخبارات الأميركية. شريط كلاسيكي في سرده، وأحيانا متقادم، لكنّه عملاق بممثّليه. فإلى جانب هوفمان كان روبن ورايت ودانييل ورهول وننيا هوس وراشيل ماك - وليامز ووليم دافو في أدوار جيّدة جداً على الحدود الضيقة بين مفاهيم الخير والشرّ. والسؤال الأقوى في الفيلم: ما الجدوى من "مكافحة الارهاب" في ظلّ ضربات استباقية للخيّر والشرّير معاً؟