تعبر الكاميرا مساحة خضراء يحفّ بها السكون والأمان من كل الجوانب، يتوسّطها بيت قرميدي أنيق المظهر، يغفو وسط طبيعة نقيّة ساحرة، ثم تنسحب الكاميرا لتحطّ مباشرة على ثقب في قطعة قماش مهترئة، تم رتقه بقطعة قماش ثانية.
ومع توسع اللقطة، ندرك أن هذا الثقب لخيمة منصوبة في العراء وسط الوحل وزخات المطر، وسرعان ما ندرك أنه ليس الثقب الوحيد في خيمة، بل هناك عشرات الخيم، ولكل منها عشرات الثقوب تسمح لزخات المطر وسكاكين الهواء البارد، بالتسلل إلى الداخل للسع أجساد ساكني تلك الخيام.
ومن الطبيعي أن يؤدي مثل هذا الانتقاء في اللقطات والمشاهد إلى تجلي المفارقة في أوضح صورها، وتحل المقارنة التلقائية لدى المشاهد، بين البيت القرميدي القابع وسط مساحات خضراء في دولة أوروبية، وبين الخيام المشلوحة في العراء على الأرض السورية.
ومن شأن هذه المقارنة، أيضاً، أن تستدعي الشعور بهول المأساة التي حلّت على من يسكنون الخيام. وما يضاعف من وطأة المأساة أن الخيام التي نصبت كي تؤوي الذين هُجّروا من بيوتهم وقراهم، سواء كانوا فلسطينيين أو سوريين، نتيجة قصف طائرات عصابات الأسد لهم بالصواريخ والبراميل، باتت بدورها مهددة بالتفكيك والإخلاء، لكونها تقع على مقربة من منطقة عسكرية.
في خضم هذا العراء، نلمح رجلاً يقف على حافة جدار، منهمكاً في تعامله مع قطعة قماش كبيرة. وفي خلفية المشهد، نلمح قوس قزح يشع من السماء، وكأننا هنا أمام مشهد رومانسي حميمي، لبطل رومانسي يعد ثوب زفاف لحبيبته على سبيل المثال. لكن سرعان ما نكتشف أننا أمام رجل مغلوب على أمره، كتب عليه الشقاء، فراح يقتلع بيديه خيمة كانت تحتضنه من قبل مع أفراد أسرته، وسط هذا العراء.
وما يستدعي الشعور بالوجع السوري أكثر، أن يتم على مرأى من عين المشاهد، تهجير الناس من خيام كانوا قد لجؤوا إليها بعد أن هُجروا من بيوتهم ودُورهم المدمرة، إذ يسعى القائمون على الفيلم إلى الاشتغال على إظهار عبثية المآل الذي وصل إليه حال الناس في سورية، كأن نسمع أصوات الأمهات وهن يطلبن من أطفالهن الدخول إلى الخيام، ليحموا أنفسهم من المطر، غير أن معظم تلك الخيام أضحت ممزقة ومفككة، وعرضة للسعات البرد وقصف المطر، مما يستدعي منا أن نتوجه بسؤال افتراضي إلى أولئك الأمهات: ترى إلى أي داخل تدعون أطفالكن أن يدخلوا إليه، وكل الخيام ممزقة ومهترئة، وبعضها تم تفكيكها على أياديكنّ؟
نعم، فثمّة امرأة كانت قد نزحت من حمص، راحت تفك خيمتها بيديها، وهي تصرّح بأنها سبق وأن بنتها بيديها، وعندما صارت جاهزة للسكن، جاء الأمر بإخلاء محيط المكان من جميع الخيم، فراحت تهدم ما كانت قد بنته، وكأننا هنا مجدداً أمام عذاب سيزيفي يحف بمصائر الشخصيات المطروحة في فيلم "بيت على قوس قزح" لرامي النيحاوي.
إذ إن معظم تلك الشخصيات، ورغم أنها على عجلة، تفكك خيامها بقصد النزوح للمرة الثانية وربما الثالثة والرابعة، غير أنها لا تدري ولا تدرك، إلى أين تمضي، ولا إلى أين سوف يكون نزوحها. فقط تكتفي بأن تلقي ببقايا خيامها وثيابها وحاجاتها الضرورية في صناديق سيارات، تم تأمين أجورها عن طريق الدين، لتمضي على متنها إلى المجهول.
وفي مشهد حواري بين طفل، وبين أحد المشتغلين على الفيلم، يُسأل الطفل عمّا إذا صار لديه أصدقاء من سكّان هذه الخيام، فيجيب الطفل، أنه فعلا صار لديه الكثير منهم، وهو حزين على فراقهم، وأنه لم يكن يتمنى هذا الفراق. أي أننا هنا أمام انقلاب جذري في معنى ودلالة العيش في الخيام، إذ يمكن للخيام رغم كل قسوتها، أن تكون مكان قادراً على إنتاج الحب، بديلًا عن الكراهية.
اقــرأ أيضاً
ومع توسع اللقطة، ندرك أن هذا الثقب لخيمة منصوبة في العراء وسط الوحل وزخات المطر، وسرعان ما ندرك أنه ليس الثقب الوحيد في خيمة، بل هناك عشرات الخيم، ولكل منها عشرات الثقوب تسمح لزخات المطر وسكاكين الهواء البارد، بالتسلل إلى الداخل للسع أجساد ساكني تلك الخيام.
ومن الطبيعي أن يؤدي مثل هذا الانتقاء في اللقطات والمشاهد إلى تجلي المفارقة في أوضح صورها، وتحل المقارنة التلقائية لدى المشاهد، بين البيت القرميدي القابع وسط مساحات خضراء في دولة أوروبية، وبين الخيام المشلوحة في العراء على الأرض السورية.
ومن شأن هذه المقارنة، أيضاً، أن تستدعي الشعور بهول المأساة التي حلّت على من يسكنون الخيام. وما يضاعف من وطأة المأساة أن الخيام التي نصبت كي تؤوي الذين هُجّروا من بيوتهم وقراهم، سواء كانوا فلسطينيين أو سوريين، نتيجة قصف طائرات عصابات الأسد لهم بالصواريخ والبراميل، باتت بدورها مهددة بالتفكيك والإخلاء، لكونها تقع على مقربة من منطقة عسكرية.
في خضم هذا العراء، نلمح رجلاً يقف على حافة جدار، منهمكاً في تعامله مع قطعة قماش كبيرة. وفي خلفية المشهد، نلمح قوس قزح يشع من السماء، وكأننا هنا أمام مشهد رومانسي حميمي، لبطل رومانسي يعد ثوب زفاف لحبيبته على سبيل المثال. لكن سرعان ما نكتشف أننا أمام رجل مغلوب على أمره، كتب عليه الشقاء، فراح يقتلع بيديه خيمة كانت تحتضنه من قبل مع أفراد أسرته، وسط هذا العراء.
وما يستدعي الشعور بالوجع السوري أكثر، أن يتم على مرأى من عين المشاهد، تهجير الناس من خيام كانوا قد لجؤوا إليها بعد أن هُجروا من بيوتهم ودُورهم المدمرة، إذ يسعى القائمون على الفيلم إلى الاشتغال على إظهار عبثية المآل الذي وصل إليه حال الناس في سورية، كأن نسمع أصوات الأمهات وهن يطلبن من أطفالهن الدخول إلى الخيام، ليحموا أنفسهم من المطر، غير أن معظم تلك الخيام أضحت ممزقة ومفككة، وعرضة للسعات البرد وقصف المطر، مما يستدعي منا أن نتوجه بسؤال افتراضي إلى أولئك الأمهات: ترى إلى أي داخل تدعون أطفالكن أن يدخلوا إليه، وكل الخيام ممزقة ومهترئة، وبعضها تم تفكيكها على أياديكنّ؟
نعم، فثمّة امرأة كانت قد نزحت من حمص، راحت تفك خيمتها بيديها، وهي تصرّح بأنها سبق وأن بنتها بيديها، وعندما صارت جاهزة للسكن، جاء الأمر بإخلاء محيط المكان من جميع الخيم، فراحت تهدم ما كانت قد بنته، وكأننا هنا مجدداً أمام عذاب سيزيفي يحف بمصائر الشخصيات المطروحة في فيلم "بيت على قوس قزح" لرامي النيحاوي.
إذ إن معظم تلك الشخصيات، ورغم أنها على عجلة، تفكك خيامها بقصد النزوح للمرة الثانية وربما الثالثة والرابعة، غير أنها لا تدري ولا تدرك، إلى أين تمضي، ولا إلى أين سوف يكون نزوحها. فقط تكتفي بأن تلقي ببقايا خيامها وثيابها وحاجاتها الضرورية في صناديق سيارات، تم تأمين أجورها عن طريق الدين، لتمضي على متنها إلى المجهول.
وفي مشهد حواري بين طفل، وبين أحد المشتغلين على الفيلم، يُسأل الطفل عمّا إذا صار لديه أصدقاء من سكّان هذه الخيام، فيجيب الطفل، أنه فعلا صار لديه الكثير منهم، وهو حزين على فراقهم، وأنه لم يكن يتمنى هذا الفراق. أي أننا هنا أمام انقلاب جذري في معنى ودلالة العيش في الخيام، إذ يمكن للخيام رغم كل قسوتها، أن تكون مكان قادراً على إنتاج الحب، بديلًا عن الكراهية.