فوضى طائفية في الإعلام العراقي
بات من الواضح حجم الدور المؤثر الذي يلعبه الإعلام في الصراعات، وتوجيه بوصلتها والتحكم بمفاصلها، بينما لا يزال الإعلام في عراق ما بعد 2003 بشكل عام، وعراق ما بعد الموصل خصوصاً، يمثل نموذجاً سلبياً في إذكاء إراقة الدم، فهو يعكس حالة الانقسام والتشرذم الحاصلة في العراق، التي جاءت محملة بقطار العملية السياسية الحالية.
لا شك أن التنوع سمة إيجابية في كل المجتمعات المتحضرة، ولكن، إذا ما استــُثمر بطريقة معقولة، تحترم الآخر من دون تجريح عنصري، أو وصم طائفي، غير أن ما نشهده، اليوم، هو أسوأ نموذجٍ يمكن أن نجده في فضاء الإعلام، من دون أن يكون على قدر المسؤولية في استشعار عِظم الحالة العراقية وخطورتها. هذه نتيجة، ربما تكون طبيعية في حالة إعلام مدفوع الثمن، يسعى مَن خلفه إلى مصلحة شخصيةٍ، أو تحقيق أهداف مموّليه.
أصبحنا اليوم، بين إعلام حكومي بائس، يعيش في واد والواقع بآخر، همّه الوحيد التمجيد والتطبيل للزعيم، وإعلام خاص متعدد التوجهات يعكس حالة من الفوضى التي يدفع فاتورتها المتلقي، وقد مثـّـلت أحداث الموصل، وما تبعها، نموذجاً للتخبط اللامسؤول.
لا أحد يزعم أن هناك إعلاماً حيادياً مائة بالمائة، فهذا ضرب من الخيال في عالم الفضاء، والحياد أمر نسبي، يعجز متبنوه أن يلتزموا به في الإعلام، ولو زعموا ذلك، ومن خاض ويخوض التجربة الإعلامية يعلم ذلك يقيناً. الموضوع لا يتعلق بمؤسسة بعينها، أو فضائية ما، لكنه ملتصق بالتجربة الإعلامية العراقية عموماً بما تحمله من مآسٍ جمّة في أزمة العراق اليوم.
حين ترى مقدماً تلفزيونياً، أو مذيعاً يرتدي بزة عسكرية، ويخرج على التلفاز بمظهر المقاتل، لا تبقى قيمةٌ للمعنى الحقيقي للمهنة الصحفية الإعلامية، التي من المفترض أنها بعيدة عن تبني فكرة أو الدعوة إليها. وما يحصل اليوم، هو صورة تعيد إلى الأذهان ما كان عليه الإعلام الحكومي المنغلق على نفسه، في فترة نظام صدام حسين. عندما ترى قناة فضائية عراقية تروج لتقاتــُل أبناء المجتمع الواحد، وتبثّ الأغاني الحماسية المحرضة على القتل، تعلم يقيناً أن لا شيء فيما نراه يمكن أن نسميه إعلاماً هادفاً، بل هو إعلام هادم بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
مهنة الصحافي تتمثل في نقل المعلومة الصحيحة بتجرد، ومحاولة وضع النقاط على الحروف، وإيضاح الصورة للمتلقي من دون تحريضٍ، أو ميل لجهةٍ دون أخرى، حتى تــُترجم دوراً إيجابياً معرفياً يساهم في إثراء المعلومة، وفهم ما يحدث من حولنا. ولا شك في أن الإعلام العراقي ساهم في إذكاء روح العداء بين أبناء الوطن الواحد، وتفتيت النسيج المجتمعي بشكل كبير، والمشكلة أن المطالبة بوجود رقابة على الأداء الإعلامي ستكون خاضعة لسلطان الحكومة، وكما نشاهد اليوم من إجراءات هيئة الإعلام والاتصالات في العراق، والتي تتعامل بازدواجية واضحة في تقييمها، وتنظر بعين عوراء في حكمها على أداء المؤسسات الصحفية، تبعاً لمزاج السلطة، فلن تكون مثل هذه الرقابة مؤتمنة على حيادية الإعلام وإيجابيته.
إذن، العراق أمام إشكاليةٍ تتمثل بعدم احترام المسؤولين عن القنوات الإعلامية عقل المتلقي من جهة، وعدم اتزان الهيئة الرقابية على تلك الفضائيات من جهة أخرى، والضحية في الحالتين هو المشاهد الذي تاه في بحر من التناقض والفوضى.