فوضى الأسواق اليمنية: 60 % من السلع المتداولة مغشوشة ومهربة

19 نوفمبر 2019
المستهلك هو المتضرر الأكبر من فوضى الأسواق (Getty)
+ الخط -

 

سيطرت السلع المغشوشة والمهربة والمقلدة على الأسواق اليمنية، وسط تحذيرات من مخاطرها على الاقتصاد المحلي والمستهلكين، في ظل مؤشرات مخيفة حول تنامي الظاهرة، إذ أصبحت هذه السلع، وفق بيانات حديثة، تستحوذ على 60% من حجم التجارة في البلاد.

وأدت الحرب التي دخلت عامها الخامس في اليمن إلى سيطرة التحالف العربي الذي تقوده السعودية وتشارك فيه الإمارات على معظم المنافذ البرية والبحرية والجوية، وفرض إجراءات تفتيش صارمة على دخول البضائع والسلع والمواد الخام الصناعية إلى البلاد، بينما تم تقويض السلطات الحكومية في الداخل، ما خلق أسواقا تجارية موازية أفرزتها الحرب، في ظل تهاوي الإنتاج المحلي.

وفتحت فوضى الأسواق بابا واسعا للتهريب والتقليد والغش التجاري، حيث تضررت مئات السلع والعلامات التجارية من تنامي ظاهرة الاعتداءات على حقوق الملكية الفكرية للسلع والمنتجات، سواء المستوردة أو المصنّعة محليا.

وحسب تجار وخبراء اقتصاد، لـ"العربي الجديد"، ينتشر التقليد لمعظم ماركات الساعات والإلكترونيات والجوالات، إضافة إلى قطع غيار السيارات والزيوت والمواد الغذائية وغيرها.

وأصبح تنامي هذه الظاهرة بمثابة كابوس للقطاع الخاص الرسمي في اليمن الذي يحذر، عبر أبرز منظمة تمثله، من خطورتها على الاقتصاد الوطني، بعد أن وصلت إلى سلع لم تكن تهرّب في السابق، إذ اعتبر الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية، الغش والتهريب أحد الأسباب الرئيسية في مغادرة رأس المال الوطني وإيقاف التوسع في الإنتاج الصناعي وانخفاض سعر العملة المحلية.

وتكشف بيانات حديثة للاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية عن تفاقم ظاهرة الغش التجاري على نحو خطير لسلع أساسية غذائية وأدوية وإلكترونيات وملابس وكهربائيات ومواد بناء وغيرها، إذ أصبحت السلع المغشوشة والمهرّبة تشكل ما بين 50 و60% من حجم التجارة في اليمن.

ويقول مدير عام الاتحاد محمد قفله، إن ظاهرة الغش في السلع والخدمات، سواء كان في الغذاء أو الدواء أو قطع غيار السيارات أو مواد التجميل أو الملابس أو ألعاب الأطفال، أصبحت متعددة النواحي. ويؤكد قفله، لـ "العربي الجديد"، أنه رغم الافتقاد لمؤشرات تكشف عن نصيب اليمن من تأثيرات هذه الظاهرة، إلا أن المعطيات الواقعية تكشف عن ممارسات بالغة الخطورة وانعكاسات سلبية على الأسواق والمستهلكين.

ومع توسّع هذه الظاهرة انتقلت إلى دوائر التقاضي في المحاكم والنيابات، إذ تعج بعشرات القضايا والشكاوى من عمليات التزوير والتقليد والاعتداءات المتواصلة على حقوق الملكية في ماركات السلع والبضائع.

وتحذّر الغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة صنعاء، عبر نائب رئيسها محمد صلاح، من العواقب الوخيمة لعملية الإخلال بالملكية الفكرية وحقوقها على مستوى العلاقات التجارية البينية مع التجار أنفسهم، أو ما يصاحبه من تبعات على مستوى الاستيراد بشكل عام، وتعود نتائجه السلبية على المستهلك النهائي.

ويؤكد صلاح، لـ "العربي الجديد"، أن كثيرا من التجار أُدخلوا في متاهات التقاضي والتنازع على العلامات التجارية، والذي شهد مؤخراً ازدياداً غير مسبوق، وإصدار سجلات تجارية لعلامات مسجلة سارية المفعول.

وطالبت وزارة الصناعة والتجارة، القطاع التجاري الخاص، الاضطلاع بدوره فيما يتعلق بحماية الملكية الفكرية، لما لها من أهمية في حماية حقوق الشركات والمؤسسات، والإبلاغ عن أي تجاوزات، بما يكفل الحفاظ على حقوق الجميع.

ويقول مسؤول في الوزارة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، لـ"العربي الجديد"، إن الوزارة ستتخذ الإجراءات القانونية بحق من يتلاعب أو يخالف قوانين حماية الملكية الفكرية.

ويؤكد المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه، ضرورة تحييد الاقتصاد وحماية الملكية الفكرية وعدم استنساخ أسماء أو علامات لشركات أو مؤسسات، والانفتاح على كافة الحلول التي من شأنها حماية الاقتصاد اليمني.

وحول آثار الظاهرة على المستهلك، يقول مدير الجمعية المحلية لحماية المنتجات الوطنية، سامي النهاري، لـ "العربي الجديد"، إن المشترين يتعرضون لمخاطر صحية بسبب استهلاكهم سلعا مغشوشة ومقلدة ومنتهية الصلاحية، خصوصاً الغذائية والدوائية.

كما يشير النهاري إلى الخسائر التي يتكبدها المستهلك بسبب شرائه مواد مهربة غير خاضعة للرقابة وليست مطابقة للمواصفات والمقاييس.

من جانبه، يرى مدير عام جمعية حماية المستهلك، فضل منصور، أن حماية حقوق الملكية الفكرية وإنفاذ القوانين تشكل عامل جذب للمستثمرين ولأصحاب الحقوق، ما ينعكس أثره على الاقتصاد الوطني وحماية المستهلك الذي هو في الأساس مرتكز أساسي ومستهدف من أصحاب الحقوق.

ويشدد منصور، في حديثه لـ "العربي الجديد"، على أهمية تفعيل القوانين والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالملكية الفكرية بشقيها الصناعي والأدبي، وتوفير الحماية لجميع حقوق الملكية، سواء كانت علامة تجارية أو براءة اختراع أو نموذجا صناعيا أو مؤشرا جغرافيا أو دوائر متكاملة أو أسماء أو مصنفات وبرامج كمبيوتر وغيرها من السلع والمنتجات.

الباحث الاقتصادي عصام البيضاني يقول لـ"العربي الجديد" إن الغش التجاري والتهريب نشاط اقتصادي غير مشروع، ومعظم من ينخرطون في هذا النشاط لا يحققون عوائد مباشرة للاقتصاديات الوطنية، لأنهم يعملون خارج النظام الضريبي والجمركي ومتحررون من أي جباية قانونية.

واستطاعت سلطات الحوثيين في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرتها من ضبط التهرب الضريبي وفرض نظام جبائي صارم وحازم وفق أسس ومعايير حديثة، حسب البيضاني، إذ حققت إيرادات ضريبية عالية في ظل بيئة عمل صعبة وقاسية، مشيراً إلى أن تفاقم وتوسع ظاهرة الغش التجاري والتهريب لم يؤثر على بعض الموارد السيادية، رغم كونها ظاهرة سلبية وأضرارها بالغة على الاقتصاد الوطني.

ويرى أن هناك تقصيرا من السلطات الرسمية في صنعاء أو في مناطق الحكومة الشرعية في مكافحة التهريب والغش والتقليد والتزوير التجاري.

ويوافقه المواطن أسعد الشرعبي، الذي يقول لـ "العربي الجديد" إنه كمستهلك أصبح يعاني من انتشار السلع المغشوشة، لأن كثيرا من المنتجات المتداولة إما قريبة الانتهاء أو انتهت وتمت إعادة إنزالها إلى الأسواق مرة أخرى بتزوير في تاريخ الإنتاج، وهذا له أضراره السلبية على المستهلكين.

لكن المواطن محمد عبد الله له رأي آخر، إذ يرى أن ما يحدث يندرج في إطار المنافسة في السوق التجارية وكسر الاحتكار وتوفير سلع غذائية واستهلاكية بأسعار مناسبة، في ظل تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين بسبب الحرب وتراجع القوة الشرائية لشريحة واسعة من المستهلكين لتوقف المرتبات وتراجع الدخل.

ويؤكد عبد الله، لـ "العربي الجديد"، أن المشكلة تبقى في انعدام الرقابة وتلاشي دور السلطات الرسمية، لأن المسألة تتطلب تكامل الأدوار الرسمية والخاصة، في ظل أوضاع صعبة فرضتها الحرب وأدت إلى تطوير أساليب الاستغلال التجاري في الأسواق.

الخبير الاقتصادي أحمد السلامي يؤكد أن المواطن اليمني أصبح ضحية لمثل هذه الممارسات والاستغلال البشع الذي يمارس في الأسواق، نظراً لانقطاع المرتبات وتوقّف كثير من الأعمال وتدنّي الدخل والأجور، الأمر الذي يسمح بتمرير السلع المغشوشة والمقلدة والمهربة بسبب رخص أسعارها، ما يجعلها في متناول يده.

ويضيف السلامي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن ظاهرة الغش منتشرة في جميع دول العالم، ولكنها بنسب محدودة ومتفاوتة، وهناك أجهزة تعمل على محاربتها.

وأصبح التهريب، حسب تقديرات السلامي، يمثل في بعض السلع 45% من حجم السوق، إذ تنتشر ظاهرة الغش، كما يتحدث، بشكل غير طبيعي، وأصبحت تمارس في أقل السلع ثمنا ودخلت في كافة السلع، كزيوت السيارات وقطع الغيار وغيرها.

ويؤكد عدم وجود المختبرات والكوادر الفنية المتخصصة والمواصفات والمقاييس، وهذا ينطبق أيضا على أجهزة التفتيش والرقابة، خصوصا في مداخل ومنافذ الاستيراد، لافتاً إلى الأضرار الاجتماعية السيئة التي تولّدها عمليات التهريب نتيجة عدم مطابقتها للمواصفات القياسية وتهديدها صحة وسلامة المستهلك.

المساهمون