يبدو أن "فوبيا الإرهاب" بدأت تنتقل إلى دول شمال أوروبا، أكثر من أي وقت مضى، خصوصا في دولة مثل الدنمارك التي كانت تعتبر، حتى وقت قريب، من أكثر الدول المسالمة، لكن تغيرات كبيرة في النبرة والمطالب الشرطية بدأت تتصاعد لتجهيز الشرطة لـ"مواجهات مسلحة" مستقبلا.
مدير نقابة الشرطة الوطنية في كوبنهاغن، ميكال موللر، عبّر صراحة عن أن حادثي 14 و15 فبراير/شباط هذا العام، حين قام شاب من أصول مهاجرة بمهاجمة رجال الشرطة في كوبنهاغن، يستدعي "التدرّب على قمع تمرد مسلح في شوارع كوبنهاغن وبقية البلاد".
ويرى موللر أن الشرطة الدنماركية "عليها التعود أكثر على إطلاق النار والتدرب بحرفية عليه".
وفي تقرير صادر عن الشرطة الدنماركية، يوصي القائمون على إصداره بأن "يجري بالفعل التحول إلى منهجية أخرى، ليكون السلاح مذخرا وجاهزا للإطلاق".
التقرير المشار إليه هو حصيلة دراسات قامت بها الشرطة، واستنتاجات سلطات الاستخبارات لحادث فبراير/شباط الماضي، ويخلص في نقاط كثيرة منه إلى التركيز على ما يسمونه "القدرات الشرطية على استخدام السلاح، من خلال المزيد من ساعات التدرب على إطلاق النار".
الشرطة الدنماركية التي واجهت في الحادثة المشار إليها، انتقادات كبيرة بسبب إخفاقها في وقف الشاب عن ارتكاب هجومه قبل ثمانية أشهر، عبّرت في حينه، على لسان مدير النقابة "موللر"، عن غضبها من "التسليح غير القوي، وغياب واقيات الرصاص بالأحجام المطلوبة، حيث "اضطر بعض رجال الشرطة إلى ارتداء قياسات غير مناسبة لهم وغياب قدرات كافية لنشر عناصر كفاية في مدارس التدرّب على إطلاق النار".
وفي العادة، كانت الشرطة الدنماركية، مثل غيرها في الدول الإسكندنافية، تلجأ إلى الحوار وترك المسدسات إلى اللحظات الأخيرة قبل إشهارها في وجه من تظن أنه يشكل خطرا عليها، وعلى المحيط. لكن تقارير العامين الماضي والحالي تؤكد زيادة حالات إطلاق النار.
اقرأ أيضا:آلاف الدنماركيين في مسيرات "مرحباً باللاجئين"
ورغم ذلك، شهدت الأيام اللاحقة لحادثة كوبنهاغن جدلا أمنيا كبيرا حول طريقة تصرف الأجهزة الأمنية، فجر الرابع عشر من فبراير/شباط، حيث ساد "هرج ومرج" وغياب تنسيق حقيقي بين الشرطة والاستخبارات.
وعلى خلفية التقرير، قالت مصادر شرطية لـ"العربي الجديد" في مدينتي آرهوس وكوبنهاغن، حيث توجد تجمعات مهاجرة كبيرة، إن "الشرطة والاستخبارات باتت تأخذ إمكانية حدوث مواجهات مسلحة مستقبلا على محمل الجد".
وفي رد على سؤال عما إذا كان هذا الأمر يمكن أن يفهم كرسالة خاطئة للمجتمع؛ يقول المصدر الأمني: "ليس بالضرورة أن يكون المقصود هو المهاجرين وحدهم في المواجهات المسلحة مستقبلا، فلدينا أحداث سابقة صدرت عن دنماركيين استخدموا فيها السلاح وقتلوا زميلا لنا أثناء عملية سطو مسلح على نقود في وسط العاصمة كوبنهاغن أواخر الثمانينيات، وبالإضافة إلى ذلك نتخوف من موجة تطرف من جهات عدة تسارع إلى تغيير أساليبها وتستخدم السلاح في المجتمع".
كان النقاش حول حمل السلاح واستخدامه في المجتمعات الإسكندنافية قبل سنوات يتجه في مجمله نحو رفض شعبي لمظاهر الشرطة المسلحة، بينما تغيرت الأوضاع في السنوات الأخيرة. ومنذ عام 2012 بعد مذبحة أوسلو على يد الإرهابي النرويجي، أندرس بريفيك، ومنذ مشاركة الدنمارك في التحالف الدولي ضد داعش، وتزايد التهديدات الأمنية ضد شخصيات عامة في كل من النرويج والسويد والدنمارك، باتت قضية تسليح الشرطة أكثر قبولا في أكثر المجتمعات كراهية للسلاح.
بل إن بعض المنظّرين للتسلح واستخدام أسلحة أوتوماتيكية بدل المسدسات، يرتبط أكثر فأكثر بما يطلق عليه "تهديدات إرهابية جدية" مستقبلا، وأخطر ما يرتبط بهذا التوجه هو التلميح إلى أن موجة اللجوء نحو أوروبا قد "تحمل مثل تلك المخاطر".
كما أن هناك أصواتا أخرى تعبّر عن تغير المزاج العام بطلب "الدفاع الوطني"، وهي مجموعات حرس وطني من المدنيين المدربين على السلاح منذ الحرب العالمية الثانية برعاية رسمية، ليكون جزءا من مشهد ما يسمى مكافحة الإرهاب في داخل البلاد، وهو ما يعتبر البعض أنه يحمل مخاطر جمة بسبب عدم قدرة السلطات على التحكم في الخلفيات الفكرية لهؤلاء المدنيين المسلحين.
اقرأ أيضا: تمويل الحرب والإرهاب