"يواجه الإسلام، في الراهن، مجموعة من المظاهر الشاذة، وتعصف به فُهومٌ مغلوطة ومواقف سالبة، وهو ما يتطلب الدفاع عنه، وعن صورته النقية، الأصيلة، الجاذبة، من خلال تحريره مما علق به في العقود الأخيرة من صور طاردة، متّبعين في ذلك منهجاً فكرياً تأويلياً، ينطلق من الواقع الراهن المشخَّـص، على اعتبار أن الواقع هو الذي يطلب المنهج الذي يناسبه، من دون إهمال العناصر الخارجية الممتدة في ذلك الواقع".
تلك كانت مقولة الباحث في فلسفة الإسلام، فهمي جدعان، في ندوة حول كتابه الأخير "تحرير الإسلام ورسائل زمن التحولات" (الشبكة العربية للأبحاث والنشر)، دعت إليها "جمعية النقاد الأردنيين" و"مؤسسة عبد الحميد شومان"، وعقدت الإثنين الماضي، شارك فيها الباحثان زهير توفيق ومجدي ممدوح، وأدارها غسان عبدالخالق، رئيس الجمعية.
استهل جدعان مداخلته في الندوة بممارسة نوع من النقد الذاتي، إذ لفت النظر إلى أنه كان استجاب إلى إغراء عنوان "تحرير الإسلام"، فقدمه على العنوان الفرعي "رسائل زمن التحولات"، حيث كان الأنسب تقديم الثاني على الأول، الذي جار بدوره على بقية الكتاب.
وتتبعت الندوة إيجابيات الكتاب ساعية إلى إضاءتها للجمهور، مبتعدة عن بعض إشكالياته. وهذا ما أكدته مشاركة الباحثين توفيق وممدوح، اللذين لم يقدما، أو يشيرا، إلى أي من النقاط الإشكالية الخلافية التي يطرحها الكتاب. فبينما رأى فيه المؤلف أن "الإسلام غير العربي" أكثر قدرة وكفاءة لحمل رسالة الإسلام إلى العالم من "الإسلام العربي"، على اعتبار أن "المسلين العرب لا يطيقون الاختلاف ويسارعون إلى التضليل والتكفير عند أي واقعة خلافية، وذلك خلافاً للمسلمين الذين يعيشون في فضاءات العالم"؛ لم يتقدم أحد المشاركين لمناقشة هذه الفكرة، التي نهض أحد الحاضرين وفنّدها، قائلاً إن الإسلام في الهند أو في أفريقيا، مثلاً، لا يتمثل روح الإسلام السمحة، على غرار جماعة "بوكو حرام" النشطة في شمال شرقي نيجيريا.
وتولى الباحث زهير توفيق مهمّة تقديم الكتاب الذي جاء في قسمين: "تحرير الإسلام"، و"رسائل زمن التحولات". وقد ضمّ الأول عشرة فصول، هي: آمر التحرير، عقب إخيل، شيء من المنهج، شيزوفرينيا الإسلام العربي، الإغراء السحري، القبيلة والجيل المؤسس، التراث، حواء، عقدة الأفاعي أو جحيم الآخرين؛ وهي مقالات بعضها مكتف بذاته لا يحيل إلى غيره، وبعضها مفاتيح لقراءات ودراسات أوسع وأعمق في القسم الثاني من الكتاب، الذي يضم ثلاثة عشر فصلاً توزعت على العناوين الآتية: تأملات في حال الإسلام اليوم، العدل في حدود ديونطولوجيا عربية، في العدالة والشورى والديمقراطية، نحن والديمقراطية، هل يمكن قيام علمانية إسلامية، الحرية في المدينة، الحرية في الثقافة العربية الحديثة، المقدس والحرية، السلفية حدودها وتحولاتها، في الحداثة والحداثة العربية، في الطاعة والاختلاف، نظريات الدولة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر ضميمة: أفكار موجهة من أجل استراتيجية ثقافية لهذا العصر.
وتناول الباحث مجدي ممدوح موضوعة التأويل ودورها المركزي في فكر جدعان، قائلاً: "يعتبر جدعان أن التأويل يمثل مخرجاً مقبولاً من الأزمة المترتبة على عدم انسجام النص مع متطلبات روح العصر والمجتمع المعاصر، فمع تقدّم المجتمعات يصبح النص، مع تقدم الزمن، غريباً عن روح العصر، وهذا يتطلب جهداً مستمراً في عصرنة النص عبر تقنيات التأويل، وقد مارس الفكر العربي التأويل عبر تاريخه الطويل، واستطاع أن يتجاوز الكثير من التناقضات".
ووفقاً لممدوح، فإن جدعان "أعطى للتأويل أهمية كبيرة في الخروج من مأزق النسوية، وأورد الكثير من التأويلات التي تعيد للمرأة صورتها اللائقة، والتي اعتقد البعض أن المعنى الظاهري ربما ينتقص من قيمتها الإنسانية". وأضاف: "يبدو أن فهمي جدعان، في كتابه الجديد "تحرير الإسلام"، قد أظهر وثوقية أقل حول قدرة التأويل على تجاوز الأزمات حول التوافق بين العقل والنص. ويلجأ جدعان في هذا الكتاب إلى توظيف تقنيات وآليات فلسفية جديدة لردم الهوة بين العقل والنقل، ومن بين هذه الآليات المنطق الجدلي الهيغلي، الذي يدعو جدعان إلى الاستفادة منه من أجل خلق مركبات جديدة تدعم المنظومة الفكرية للمجتمعات المعاصرة".