أكد الدكتور فهمي جدعان، صاحب كتاب " المقدّس والحرية - وأبحاث ومقالات أخرى من أطياف الحداثة ومقاصد التحديث" في المحاضرة الافتتاحية الأولى لأشغال المؤتمر السنوي الخامس للعلوم الاجتماعية، الذي انتظم تحت محوري" سؤال الحرية في الفكر العربي المعاصر" و"المدينة العربية: تحديات التمدين في مجتمعات متحولة" أن
الحديث عن الحرية معقد جداً، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بوضع متشابك مثل أوضاع المجتمعات العربية.
وذهب إلى أن التفكير في الحرية، هو بالدرجة الأولى تفكير في شروط تحققها، سواء من خلال تأصيلها نظرياً وفكرياً، أو في ماهيتها وكينونتها.
فالفضاء العربي كما يشير إلى ذلك جدعان، يرتبط موضوع الحرية عنده بموضوع آخر، وهو الاستبداد، كما يرتبط بمفهوم الدولة والحريات الأخرى وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة والتصدي لكل أشكال الرق الحديث.
ودعا المفكرين العرب إلى طرح هذه القضايا، ومنها سؤال الاستبداد، بما هو سؤال حيوي، ويرتبط بإرث تاريخي، وشكل من أشكال ممارسة السلطة في العالم العربي، تتسم بغياب الديمقراطية والعدل.
وفي هذا الصدد يطرح السؤال التالي: هل يستطيع العادل المستبد أن يكون عادلاً بالفعل؟ يجيب بالنفي، ويطرح بديلاً منه، مذهباً ليبرالياً قادراً على التنصيص على الحرية، بما فيها الحرية الدينية، لا تؤدي بصاحبها إلى القتل أو الخروج عن الجماعة.
منتهياً إلى أنه من الصعب تماماً أن تتحقق مطالب الوعد اللّبرالي العربي.
الحرية لإطلاق أم في حدود، فمفهوم الحرية لا يزال مقيداً عن المحافظ، وهو وإن ارتفع تقييدها عند اللبرالي إلا أن ممارستها اليوم في العالم العربي تعتبر من القضايا الشائكة التي تحول دون بروز تعددية حقيقية، باستثناء بعض الحالات على علاتها، في المغرب العربي، ومنها المغرب والجزائر، عندما جرى التنصيص في الدستور على التعددية اللغوية والدينية، وإن كانت تعددية على الورق، لا ترقى إلى ما يوجد في الواقع من تحديات.
من جهة أخرى، تقصت مداخلة شاكر الحوكي في "مسألة الحرية عند راشد الغنوشي والمنصف المرزوقي، وأكد أن سؤال الحرية ومحاولة الإجابة عنه لا يطرح بنفس الطريقة في كتابات الغنوشي والمرزوقي، ولا يلقى الإجابة نفسها، إذ هناك في رأيه اختلاف جوهري في المحتوى على الرغم من الالتقاء حول الطرح.
وعدد أربعة محاور لظهور هذا الاختلاف، وظهرت على وجه الخصوص أثناء النقاش حول الدستور الجديد والنقاشات حول المرجعيات والأطروحات من قبل مفاهيم الدولة والديمقراطية.
وهذا ما يجعل من التجربة التونسية نسبية في تقديرها للمرحلة التاريخية التي مرت منها، فقد كان النقاش حول الحرية والديمقراطية من ناحية أخرى، متجاوزاً في تونس، لأن النخب التونسية كانت أشبعته نقاشاً وتحليلاً، ولأن خيار الدولة المدنية حسم منذ الفترة البورقيبية، ولم يعد من مكان للعودة إلى الوراء.
في ورقة الباحث سعيد أقيور، ركّز على موضوع شديد الحساسية، والمتعلق بحرية المعتقد في العالم العربي، وهذا السجال انتقل مع مرور الوقت من الجدل الفكري إلى التنزيل الدستوري، وقد عكست الوثيقة الدستورية هذه السجالات، وحاولت أن تجيب عنها، مقارنة بالخصوصيات العرقية والإثنية التي يتكون منها كل بلد عربي على حدة.
فإلى جانب حضور المفاهيم الدينية في النص الدستوري، حضرت، أيضاً، المفاهيم المدنية، من قبيل التعددية الدينية واللغوية وهذا أمر مستجد في الدساتير العربية الحديثة، وبالأخص تلك التي وضعت أو عدلت بعد ثورات الربيع العربي.
في التجربة الدستورية المغربية، لاحظ الباحث، خالد العسري، أن الميسم الجامع بينها، هو إشكال فصل السلط، لكن على الرغم من هذا، لا تزال التجربة الدستورية في المغرب يتجاذبها تياران، حداثي وتقليداني، وهما يعبران على نفسيهما في كل لحظة من لحظات الحراك الاجتماعي والتاريخي في المغرب، مما يجعل التجربة الدستورية في المغرب عموماً، خاضعة لصراع خفي، عنوانه الأبرز: المطالبات الدائمة بفصل السلط، مما يشير إلى أن النظام السياسي المغربي، وصل إلى توافق شكلي مفاده: أن بنية الدولة استبطنت تصوراً تقليدانياً لتدبير دولة "حديثة".