فن التخلي

02 فبراير 2017
+ الخط -
تجمّعنا حول العروس، وضعتُ الخطة مسبقاً، حدّدت بدقة المكان المناسب للوقوف والتقاط باقة الورود، لعليّ أكون التالية كما تقول الرواية، وكان عليّ ألا أكون بعيدة جداً وأن أحتفظ بمسافة لا بأس بها عن العروس.
استعدّيت، واحد، اثنان، ثلاثة، رمت الباقة، التقطتها. نعم التقطتها قفزت في الهواء، وحصلت عليها مسكتها بيدي، وعند ملامسة قدمي الأرض، خطفتها مني إحدى الفتيات، أليس الخطف هو استلاب الشيء ونزعه بسرعةٍ من صاحبه، أخذتها عنوة من يدي، وأنا تخليت عنها بسهولة ويسر، وكأنّي لست التي قفزت في الهواء، ودرست الأبعاد، ووضعت الخطط للحصول عليها!
لم أحزن وقتها، واكتفيت بلُومها قليلا وأخبرتها أنّها لي. ولكن، لا بأس يمكنها الاحتفاظ بها، المهم أنّي من التقطها أولاً، وأنّي قادرة على التقاط غيرها، طالما أنّي فعلت ذلك مرّة ونجحت، فردّت ببساطةٍ أنّه كان عليّ أن أحافظ عليها .
أمضيت ليلتي أبكي، لأني أعرف الحقيقة تماماً، حقيقة عدم قدرتي على الحفاظ على ما أريده وامتلكته، لم أحافظ يوماً على أحلامي، تلك التي خطّطت لها جيداً واستحقيتها، كنت دوماً، وعند أوّل عائق أتنازل عنها، أعتبر التخلّي دوماً حافزا للأفضل، فلولا التخلّي لما سنحصل على جديد، فالمتعة في الطريق نفسه، في البحث نفسه، في التفكير بكلّ الوسائل والطرق المتاحة، في اكتشاف قدراتك وملكاتك في الحصول على ما تريد، ولكن ليس بالضرورة الاحتفاظ به.
لم أعرف يوماً كيف أمتلك شيئاً، وأحوز عليه وأحتويه، وأخصّ نفسي به، قرّرت بوعي، ومنذ زمن، ألا أعيش قلق الترّقب وخوف الاحتمالات، فالتخلّي يريحني من كلّ هذه المشاعر المضطربة، من كلّ هذا النوسان بين السكينة والقلق، مع أنّ تحقيق الحلم من دون امتلاكه أشبه بالدوائر الناقصة والخطوط غير المكتملة، ولا يمكن أن نقول إنّنا حقّقنا شيئاً إلا عند امتلاكنا له.
لذا اخترعت فنّاً أسميته التخلّي، وهو عكس الامتلاك، إذ أستطيع، وبكل سهولة، ومن دون أي حزن، أو ندم، التخلّي عن أيّ حلم أو هدف وصلت إليه واستحقيته. أعتبر التخلّي متعة بحد ذاته، أختبر نفسي كيف أستطيع أن أقلع عن أشياء كثيرة، ألا أعتاد شيئاُ، أستشعر بقوتي دوماً، عندما أتخلّى عن أحد أحلامي، من دون أن يهتز لي جفن.
لم أجبر على ترك بيتي، ولكني تخلّيت عنه بملء إرادتي، لم أغادر مدينتي، بل قرّرت المغادرة، لم أجبر على إنهاء حبي، بل تركته غير آسفة عليه، لم أترك عملي، فأنا من قرّرت أنّني بالتأكيد سأجد فرصة أفضل. ولم ينتهك أحد أفكاري وسرقها، بل أنا من تنازلت عنها غير آبهة، ولم أًجبر على التخلص من ابني، بل اخترت له عدم الوجود في هذه الحياة؛ حيلة ابتدعتها فتاةٌ، لتصبح قادرةً على فعل شيء، حتى لو كان التخلّي في سبيل امتلاك حريتي.
3B8AE38E-4E09-4A3F-89BA-16154CE498C3
3B8AE38E-4E09-4A3F-89BA-16154CE498C3
خولة أبو سعدة (سورية)
خولة أبو سعدة (سورية)