فنّانون لبنانيون: حيّ على خير الشعب

23 أكتوبر 2019
الناس خرجت لترفع صوتها من دون خوف (Getty)
+ الخط -
إبّان الحراك المدني اللبناني، في عام 2015، رفع المتظاهرون شعار "كلّن يعني كلّن". التقطت فرقة "الراحل الكبير" الشّعار، ليصبح عنواناً لواحدة من أغانيها الشهيرة، التي صدرت آنذاك. يعود الشعار، والأغنية، ثانيةً الآن، لترفعهما الجماهير المتظاهرة في لبنان، مطالبةً بحلّ الحكومة وإسقاط النظام هناك، في لحظة فارقة اجتمع فيها اللبنانيون معاً ضدّ الطوائف وزعمائها. 

في هذا السياق، التقت "العربي الجديد" مجموعة من الفنانين، ليحدّثونا عن اللحظة الراهنة هناك، وكيف ينظرون إلى دور الفنان في هذا الحراك.

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يُشير الموسيقي والصحافي خالد صبيح، وهو عضو مؤسّس ومغنٍّ رئيس في فرقة "الراحل الكبير"، إلى أن أغنية "كلّن يعني كلّن" كانت مساهمةً تستلهم الشارع، الذي "اعتدنا ألّا يجتمع في مطالبه بهذا الشكل، فكل مجموعة تنتمي إلى طائفة، وتسعى إلى الدفاع عن زعيمها".

يضيف: "لكن، هذه المرّة، لم يجر الأمر هكذا، فلم يجتمع الناس في الهجوم على طرف واحد دون آخر، لم يتحرّكوا بناءً على أوامر من أصحاب النفوذ، أو من زعيم معيّن يُسيّر الشارع كما يشاء، جاءت التحرّكات بقرار شعبي عفوي، من دون أن يخطّط لها أحد. التظاهرات كانت ضدّ الجميع، والجميع شارك فيها".

يقول صبيح: "لاقت (كلّن يعني كلّن) قلقاً في عام 2015، لأنّها موجّهة ضدّ الجميع، لكن اليوم، اختلف الأمر تماماً، بل بدأ التحرّك بهذا الشعار، الذي يمثّل دافعاً في مواجهة الخوف من أي طائفة وقياداتها".

عن حضور الفنانين في الشارع، يقول: "نحن لسنا هنا بصفتنا فنانين، بل مواطنين، حين أشارك في المظاهرة أشارك بصفتي مواطناً، أصوّر وأتابع وأشارك كل شيء على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه كلّها تمثّل مذكّرات لهذا الحراك، وثّقت فيها كثيراً ممّا حصل ويحصل، مثل تفريق المظاهرات باستخدام القوة المفرطة، نوصل منها رسالة، أيضاً، إلى غير اللبنانيين الذي يريدون فهم ما يحصل في الشارع".

يؤكّد: "لسنا فنانين، نحن مواطنون، فقط لا غير. مثلنا مثل بقية الناس، نشعر بأن الظروف المتردية لم تعد تُحتمل. نحن نعيش في ظل دولة فاشلة منذ أن خُلقنا، وعشنا حرباً أهلية". يضيف: "لكن، لم نشهد خطاباً مترديّاً، وأوضاعاً معيشية سيئة، وكذلك خدمية، مثل هذه. نحن غارقون بالفشل. أي إنسان يعيش في لبنان، يتوقّع أن هذا الذي يحصل هو نتيجة طبيعية جداً، هناك حالة احتقان وصلت لما لا يمكن تصوّره". يقول: "نزلت الناس إلى الشارع، إذن علينا أن نشارك. حيّ على خير الشعب".

يستطرد صبيح: "الفنان ليس كائناً فضائياً، لا يمكنه أن يبقى مجرّد منظّر على الناس، بل هو مرآة لهم، يعكس واقعهم، ويشارك معهم. هذا هو الفنان. أمّا إذا كان الحديث عن طبقة الفنانين رجال الأعمال، فلا يستطيع أحد منهم أن يكون صريحاً ويتخذ مواقف واضحة؛ بكل بساطة لأنه يخاف على حفلاته ورواجه بين الأطراف التي يسعى أن يُرضيها جميعاً".

في هذا السياق، تتّفق الفنانة الفلسطينية اللبنانية أمل كعوش مع خالد صبيح. تقول: "الأمر هذه المرة لا يمكن طرحه فقط من زاوية الفنان. لم تخلُ الحراكات السابقة من مشاركة للفنانين، ولكن هذه المرة شكل الحراك مختلف تماماً عن كل ما سبق. هذه المرة هي حركة شعبية بامتياز، ولم تكن بإيعاز من أي جهة سياسية كانت أو طائفية، ولا حتى حركة دعت إليها مجموعات ناشطة في المجتمع المدني. هي بالفعل حركة الشارع الحقيقية وصوت الناس في وجه الظلم المتمثّل بغلاء المعيشة والضرائب المرتفعة في مقابل خدمات تكاد تكون معدومة. جمال هذه الحراك يكمن في لامركزيته، فالناس في كل المناطق اللبنانية خرجت لتقول كفى، ولم يُحصر الحراك في العاصمة فقط. الناس بالفعل خرجت لترفع صوتها من دون خوف في وجه زعماء الأحزاب والكتل السياسية".

أمّا عن المخاوف التي قد تُثار بسبب استغلال بعض الجهات للأزمة الطائفية والإقليمية في لبنان، تقول: "كأي حراك شعبي كبير، لا بد من وجود جهات تطمح لسلب الحراك مصداقيته وتحاول محاربته من خلال بث مخربين أو الادعاء بوجود أجندات وأياد خارجية تحرك التظاهرات. لكنني متفائلة هذه المرة لأن الشارع واع تماما للخطر المحدق به، ولأن الناس خرجت عن صمتها بنفسها ولم تخرج تلبية لطلب زعيم حزبي طائفي. الناس خرجت بمختلف أعمارها وانتماءاتها وخلفياتها وهذه قوة بحد ذاتها".

تضيف: "أنا كفلسطينية يعنيني طبعا ما يحدث اليوم وأنا مشاركة في هذا الحراك. نحن موجودون في لبنان منذ عام النكبة. ومنذ أكثر من سبعين عاما نواجه ونتصدى للقوانين المجحفة الموضوعة بحقنا من قبل الحكومات المتعاقبة. الحراك يرفع مطالب حقوقية، هي مطلب حقوق الإنسان الأساسية. هذا الأمر متصل بحقوقنا المدنية كفلسطينيين في لبنان. لذلك أطمح من خلال هذه الحراك إلى أن يكون هناك ولو بصيص أمل نحو تغيير السياسات الحكومية تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان".

تتابع كعوش: "نحن كالمواطن اللبناني نعيش تحت وطأة الظروف المعيشية الصعبة، ندفع الضرائب، ونتحمّل كل نتائج الفساد التي تحدث على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية. مهما كان التوصيف السياسي لوجودنا في لبنان، ورغم أنني أمقت التسميات والتصنيفات والحدود والتقسيمات، لكن نحن شركاء في هذا البلد".

تقول: "أنا ولدت هنا كما ولد والدي، ولدي ذكريات وصلات في هذا البلد كأي مواطن لبناني وأرفض أن نبقى نعيش في الخوف من ذكريات الحرب الأهلية. الفرصة اليوم سانحة لبناء ذاكرة جديدة لهذا البلد المُتعَب. ربما كان كلامي رومانسياً بعض الشيء، لكن ربما في ظل هذه الثورة الحاصلة تصبح هناك مساحة أكبر للحلم! فاذا كانت الطائفية والانقسامات ستذوب إثر هذا الحراك، أرجو أن ينعكس ذلك إيجاباً على العلاقات اللبنانية السياسية مع موضوع اللاجئين الفلسطينيين، لأن ذلك يعمل على تقريب المسافات مع المحيط اللبناني ككل وتكسير الصورة النمطية للفلسطيني التي رسمتها الحرب الأهلية ويرسمها الخوف. الأمر ذاته ينطبق على اللاجئين السوريين. في الآن نفسه، لا بد من الإشارة إلى أن المشهد الثقافي الفني في بيروت قد اغتنى بالفعل في لبنان بسبب وجود الفنانين السوريين في لبنان".

تعيش كعوش في مدينة صيدا، وكثير من نشاطاتها الفنية الغنائية تُقيمها في بيروت. كيف تنظر كعوش إلى المدن وشعور الناس تجاهها؟ تجيب: "أعتقد أن الصورة اليوم هي أن بيروت للناس. كما صيدا، طرابلس، النبطية، عاليه وغيرها. المدن عادت لناسها. وعندما تصبح المدينة للناس، يصبح الإبداع أكبر. ربما نقدر من خلال الفن التعبير عن القهر الحاصل، لكننا كنا قد وصلنا إلى حد الإحباط إثر كل ما يحصل في المنطقة بشكل عام من ظلم وانتهاكات لحقوق الإنسان. وطبعا نحن في لبنان تأثرنا إلى حد كبير بما جرى في سورية، إضافة إلى أثر فشل الحراك المدني الذي حصل منذ ثلاث سنوات في بيروت. لكن ما يحدث اليوم، ولأنه يحدث بشكل عفوي جماهيري، يحمل معه الأمل بغد أفضل، وهذا يبعث على الحماسة للتعبير فعلا. يقول توفيق زيّاد إن الشعب بمجموعه هو الفنان الأكبر والشاعر الأكبر وهو الملهم الأول للفنانين والشعراء. اليوم جُل بعينك حيثما شئت في لبنان. نحن لا نرى سوى الإلهام".

من الفنانين المشاركين في الحراك التشكيلي سمعان خوّام، الذي يحمل معه بخّاخ الألوان ويكتب الشعارات على الجدران كما شاهدنا في أكثر من فيديو. التقته "العربي الجديد" أيضاً. يقول: "منذ 25 عاماً نواجه الطبقة الفاسدة نفسها. نحن مواطنون مسؤولون قبل أن نكون فنانين. لا يحق للفنان أن يصمت ويصمت فنه معه، هذا ما يحدث، وحدث سابقاً". يضيف: "الفن محرّض قبل كل شيء، ليست لديّ الرفاهية لممارسة الفن لأجل الفن".

يوضّح خوّام: "اليوم، ومن بعد فشل العديد من التحركات (من 2005 حتى اليوم) بمواجهة السلطة، ظنت الأخيرة أنها أصبحت قادرة على ممارسة فنون الفساد من دون محاسبة، ولأنها سلطة غبية أوصلتنا ممارساتها للإفلاس، وليس فقط من هو في الحكم اليوم مسؤول، الكل مسؤول، بل منذ عام 1993 حتى اليوم".

عن المخاوف من استثمار السلطة للورقة الطائفية، يقول خوّام: "المخاوف موجودة دائماً، نحن في مواجهة مع مافيا تمرست وراء القمع. لكن، لأول مرة ينتفض الشعب على الزعيم، هذه كانت المفاجأة التي انتظرناها. انتفضت البيئة الحاضنة على زعيمها".

"نحن نرفض أن نكون موجودين في الشارع كفنانين الآن". هذا ما تقوله المغنية والممثلة ساندي شمعون، في حديثها إلى "العربي الجديد". تفسّر: "الانتفاضة عمرها أيام فقط، المواجهة كبيرة، لا أستطيع أن أفكّر في أي شيء يمت إلى الفن بصلة. كل ما نفكّر فيه هو مطالبنا". توضّح أنه رغم محاولات التحريض الطائفية، إلا أن ذلك لم يعد يؤثر كما في السابق على الناس، الهتافات في الشارع تؤكد مناصرتها للاجئين.

دلالات
المساهمون