بالنسبة لبلد صغير، مثل فنلندا، كان مسار التاريخ والاقتصاد يتحدد من خلال تيارات خارجية، كانت ترغم فنلندا على مراقبة "رياح مواتية"، في كثير من الأحيان، من أجل درء المخاطر.
ولكن أن تنتظر "رياحاً مواتية" هو أمر، بحد ذاته، غير كاف، فالقادة الكبار بحاجة إلى "إنشاء" الرياح الخاصة بهم، وعدم انتظار ما قد لا يأتي، فكان ذلك بداية الطريق الذي سلكته فنلندا، الذي لا عودة عنه، نحو الإبداع. فالإبداع، من وجهة نظر الدولة الفنلندية، القدرة على التنسيق بين الإبداع الفردي والجماعي بغية إنتاج سلع وخدمات ذات طابع ابتكاري، حيث يتطلب النجاح، في بيئة تنافسية عالية، معرفة ما يفعله المنافسون، ومن ثم، التحرك إلى ما هو أبعد من ذلك. لهذا السبب، يشارك النظام الإبداعي الفنلندي، بنشاط، في البحث عن أفكار مبتكرة، ضمن مجالات اقتصادية جديدة، قابلة للنمو والاستمرار.
في الواقع، فإن النظم الاقتصادية، في فنلندا، هي نظم متأصلة في جذور عميقة من التقاليد الوطنية العريقة، والخصائص الاجتماعية ذات قيمة كبيرة، التي كان لها دور أساسي في تمكين البلاد من الانتقال الاقتصادي السلس، وفي صياغة "النموذج الفنلندي" الراهن. في هذا الصدد، تستثمر فنلندا في مجالات الخبرة المتخصصة النابعة من خصائص مجتمعها القوي، من نظام تعليمي مجاني متطور، وطموح تكنولوجي، ووعي بيئي وصحي عالي المستوى، ودولة رفاه قوية، وثقة في أعمال القطاع العام، والتزام بالعدالة الاجتماعية، وتقدير لقضايا السلامة والأداء الوظيفي؛ كل ذلك من أجل الحفاظ على تميُّز اقتصادها على المستوى العالمي.
لقد مرت على فنلندا أحداث هامة أثّرت على تعبئة النخب القطاعية، في الفترة بين ستينيات وثمانينيات القرن الماضي، دفعت الحكومة إلى إنشاء مهام محددة هدفها الإشراف على تنفيذ تنمية اقتصادية تعتمد، أساساً، على التكنولوجيا. وفي مطلع التسعينيات، لعبت النقاشات واسعة النطاق، التي دارت بين مختلف القطاعات الاقتصادية، دوراً محورياً في إحداث تغيير شامل في النهج الاقتصادي للبلاد، فأنشأت المؤسسات، التي تتبنى سياسات الدولة الجديدة، لتحل محل نظام الحكم التقليدي تدريجياً. شكلت هذه المؤسسات آلية حيوية لتنسيق عملية انتقال نظام الحكم، الذي كانت تُهيمن عليه أجهزة الدولة والقائم على جهاز مصرفي متشدد، إلى نظام موجّه نحو الابتكار، يكون للدولة دور بارز في تطوير شركات أكثر تنافسية من السابق، ما أدى إلى بروز شركات وطنية عالمية مثل "نوكيا"، و"نستي أويل"، و"كسكو".
علاوة على ذلك، تعتبر فنلندا دولة صغيرة، لا يتجاوز عدد سكانها خمسة ملايين نسمة، تجمعها شبكات اجتماعية ضيقة، نسبياً، وروابط مشتركة بين القطاعات الاقتصادية المختلفة. ساهم هذا الترابط المجتمعي، والتعاون القائم على شبكة من الشركات والجامعات ومعاهد البحوث والمؤسسات العامة، في إرساء أسس اقتصاد المعرفة في بلد صغير يعرف فيه صُنّاع القرار، في مختلف قطاعات الاقتصاد، بعضهم البعض بشكل شخصي. إضافة إلى ذلك، تمتلك فنلندا مجتمعاً فتياً، لم يرزح تحت الحكم الأجنبي في الماضي القريب، ما يشكل سبباً إضافياً في تكوين مجتمع مرن ومنفتح للمؤثرات الخارجية، إذ لا يزال هناك إرث مشترك بين السكان، يدعم قيام دولة تقف بقوة أمام التهديدات الخارجية، تحت أي غطاء كانت، فهي واحدة من المشاريع الوطنية الداعمة لإنشاء مؤسسات وطنية قوية، قادرة على تحقيق رفاهية الشعب.
ونظراً لمعدل النمو السريع للاقتصاد الفنلندي، والتحوّل الهيكلي الكبير الذي طرأ عليه بقيادة قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فإن غالباً ما يتم الاستشهاد به كحالة نموذجية لاقتصاد عالمي قائم على المعلومات. ولعل ما يُثبِّت هذه الصورة الإيجابية في الوجدان العالمي هو احتلال فنلندا، منذ أواخر التسعينيات، موقعاً بارزاً عالمياً ضمن تصنيفات القدرة التنافسية التي يتم الإعلان عنها في كل من معهد التنمية الإدارية (IMD)، والمنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس).
في الواقع، تمثّل شركة "نوكيا"، الشركة الفنلندية الرائدة في صناعة الهواتف النقالة، صورة حية لنجاح التجربة الاقتصادية، ومفتاحاً من مفاتيح تحولها الاقتصادي، إذ إن هذا التحول هو حصيلة عمليات مترابطة بين كل من "نوكيا" والاقتصاد الفنلندي.
ولكن أن تنتظر "رياحاً مواتية" هو أمر، بحد ذاته، غير كاف، فالقادة الكبار بحاجة إلى "إنشاء" الرياح الخاصة بهم، وعدم انتظار ما قد لا يأتي، فكان ذلك بداية الطريق الذي سلكته فنلندا، الذي لا عودة عنه، نحو الإبداع. فالإبداع، من وجهة نظر الدولة الفنلندية، القدرة على التنسيق بين الإبداع الفردي والجماعي بغية إنتاج سلع وخدمات ذات طابع ابتكاري، حيث يتطلب النجاح، في بيئة تنافسية عالية، معرفة ما يفعله المنافسون، ومن ثم، التحرك إلى ما هو أبعد من ذلك. لهذا السبب، يشارك النظام الإبداعي الفنلندي، بنشاط، في البحث عن أفكار مبتكرة، ضمن مجالات اقتصادية جديدة، قابلة للنمو والاستمرار.
في الواقع، فإن النظم الاقتصادية، في فنلندا، هي نظم متأصلة في جذور عميقة من التقاليد الوطنية العريقة، والخصائص الاجتماعية ذات قيمة كبيرة، التي كان لها دور أساسي في تمكين البلاد من الانتقال الاقتصادي السلس، وفي صياغة "النموذج الفنلندي" الراهن. في هذا الصدد، تستثمر فنلندا في مجالات الخبرة المتخصصة النابعة من خصائص مجتمعها القوي، من نظام تعليمي مجاني متطور، وطموح تكنولوجي، ووعي بيئي وصحي عالي المستوى، ودولة رفاه قوية، وثقة في أعمال القطاع العام، والتزام بالعدالة الاجتماعية، وتقدير لقضايا السلامة والأداء الوظيفي؛ كل ذلك من أجل الحفاظ على تميُّز اقتصادها على المستوى العالمي.
لقد مرت على فنلندا أحداث هامة أثّرت على تعبئة النخب القطاعية، في الفترة بين ستينيات وثمانينيات القرن الماضي، دفعت الحكومة إلى إنشاء مهام محددة هدفها الإشراف على تنفيذ تنمية اقتصادية تعتمد، أساساً، على التكنولوجيا. وفي مطلع التسعينيات، لعبت النقاشات واسعة النطاق، التي دارت بين مختلف القطاعات الاقتصادية، دوراً محورياً في إحداث تغيير شامل في النهج الاقتصادي للبلاد، فأنشأت المؤسسات، التي تتبنى سياسات الدولة الجديدة، لتحل محل نظام الحكم التقليدي تدريجياً. شكلت هذه المؤسسات آلية حيوية لتنسيق عملية انتقال نظام الحكم، الذي كانت تُهيمن عليه أجهزة الدولة والقائم على جهاز مصرفي متشدد، إلى نظام موجّه نحو الابتكار، يكون للدولة دور بارز في تطوير شركات أكثر تنافسية من السابق، ما أدى إلى بروز شركات وطنية عالمية مثل "نوكيا"، و"نستي أويل"، و"كسكو".
علاوة على ذلك، تعتبر فنلندا دولة صغيرة، لا يتجاوز عدد سكانها خمسة ملايين نسمة، تجمعها شبكات اجتماعية ضيقة، نسبياً، وروابط مشتركة بين القطاعات الاقتصادية المختلفة. ساهم هذا الترابط المجتمعي، والتعاون القائم على شبكة من الشركات والجامعات ومعاهد البحوث والمؤسسات العامة، في إرساء أسس اقتصاد المعرفة في بلد صغير يعرف فيه صُنّاع القرار، في مختلف قطاعات الاقتصاد، بعضهم البعض بشكل شخصي. إضافة إلى ذلك، تمتلك فنلندا مجتمعاً فتياً، لم يرزح تحت الحكم الأجنبي في الماضي القريب، ما يشكل سبباً إضافياً في تكوين مجتمع مرن ومنفتح للمؤثرات الخارجية، إذ لا يزال هناك إرث مشترك بين السكان، يدعم قيام دولة تقف بقوة أمام التهديدات الخارجية، تحت أي غطاء كانت، فهي واحدة من المشاريع الوطنية الداعمة لإنشاء مؤسسات وطنية قوية، قادرة على تحقيق رفاهية الشعب.
ونظراً لمعدل النمو السريع للاقتصاد الفنلندي، والتحوّل الهيكلي الكبير الذي طرأ عليه بقيادة قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فإن غالباً ما يتم الاستشهاد به كحالة نموذجية لاقتصاد عالمي قائم على المعلومات. ولعل ما يُثبِّت هذه الصورة الإيجابية في الوجدان العالمي هو احتلال فنلندا، منذ أواخر التسعينيات، موقعاً بارزاً عالمياً ضمن تصنيفات القدرة التنافسية التي يتم الإعلان عنها في كل من معهد التنمية الإدارية (IMD)، والمنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس).
في الواقع، تمثّل شركة "نوكيا"، الشركة الفنلندية الرائدة في صناعة الهواتف النقالة، صورة حية لنجاح التجربة الاقتصادية، ومفتاحاً من مفاتيح تحولها الاقتصادي، إذ إن هذا التحول هو حصيلة عمليات مترابطة بين كل من "نوكيا" والاقتصاد الفنلندي.