فنزويلا في نيويورك: ذكريات غزو العراق و"الحرب" الأميركية الروسية

03 مارس 2019
إليوت أبرامز مؤيداً مشروع قرار الولايات المتحدة(أتيلغان أوزديل/الأناضول)
+ الخط -

خرج مجلس الأمن الدولي من دون اتفاق واضح بشأن الملف الفنزويلي، بعد استخدام كل من الولايات المتحدة وروسيا حق النقض (الفيتو)، كلّ في وجه مشروع قرار الآخر، مساء الخميس. وكان القرار الأميركي عبارة عن "الدعوة إلى تنظيم انتخابات رئاسية في فنزويلا، وإيصال المساعدات الإنسانية بلا عراقيل"، أما المشروع الروسي، فتمحور حول "استصدار قرار يندّد بالتهديدات باستخدام القوة ضد فنزويلا". وكان مجلس الأمن الدولي قد شهد تحركات عديدة واجتماعات رفيعة المستوى، فحضر وزير الخارجية الفنزويلي، خورخي أرياسا، أكثر من اجتماع في نيويورك، مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وممثلين عن دول أخرى، كما أكد وجود قنوات حوار مع الحكومة الأميركية، في الوقت الذي وجّه انتقادات لاذعة لها. بدورها، أبدت الولايات المتحدة اهتماماً كبيراً بالوضع الفنزويلي، لدرجة حضور وزير الخارجية، مايك بومبيو، أحد الاجتماعات الخاصة بفنزويلا. كما حضر مسؤول الملف الفنزويلي في الولايات المتحدة، إليوت أبرامز.

ولخّص سفير جنوب أفريقيا لدى الأمم المتحدة، جيري ماثيو ماجيلا، إشكاليات القرار الأميركي بقوله إن "القرار الأميركي يشكك في الانتخابات الفنزويلية، وهو الأمر الذي لا يتوافق مع إعلان اللجنة الوطنية المراقبة للانتخابات ونصه على حماية أعضاء المعارضة".

من جهته، رأى المؤرخ المختص بالشأن الفنزويلي، أليخاندرو فيلاكسو، وهو أستاذ في جماعة نيويورك، لـ"العربي الجديد"، أن "الولايات المتحدة وجدت في التطورات الأخيرة في فنزويلا، فرصة من أجل بسط نفوذها على الأجندة في المنطقة بأكملها، وليس فقط فنزويلا. كما ترغب في تحجيم النفوذ الروسي وإجبار الصين على العودة إلى الوراء". وأضاف أن "فنزويلا هي الخاسر الأكبر في هذا الصراع". ولفت إلى أن "صراع الولايات المتحدة أكبر من فنزويلا، وهو من أجل إعادة السيطرة على المنطقة والسياسات الاقتصادية والدولية هناك"، منوّهاً إلى أن "الولايات المتحدة أعلنت عن نيتها الاعتراف بخوان غوايدو رئيساً شرعياً، قبل أن يعلن هو ذلك، وفي نفس اليوم (في 23 يناير/كانون الثاني الماضي) نصب نفسه رئيساً موقتاً لفنزويلا. وبعد دقائق من إعلانه، أعلن نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، تأييد بلاده لغوايدو، في مسرحية عبثية".



وقال فيلاسكو إن "كثراً يعتقدون أن النفط هو عامل أساسي في الأزمة، فلدى فنزويلا أضخم حقول النفط في العالم، وهي أقرب للولايات المتحدة من أي مصدّر آخر. وقد صرّح سيناتور فلوريدا ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، قائلين بفخر إن وصول غوايدو للرئاسة سيعود بفائدة كبيرة على شركات النفط الأميركية. ولكن لا يجب أن ننسى أن تدفق النفط من فنزويلا إلى الولايات المتحدة لم يتوقف في عهد هوغو تشافيز، حتى في أكثر فترات التوتّر. وما زالت شركات مثل شيفرون وهاليبرتن تعمل إلى الآن. وقبل إعلان العقوبات، كان 80 في المائة من دخل شركة النفط الوطنية يأتي من مبيعات للولايات المتحدة. وطبعاً ليست الديمقراطية بالتأكيد هي ما يدفع الولايات المتحدة إلى التحرّك، فتاريخها في القارّة ثابت في إحباط الديمقراطيّات ودعم الأنظمة الدكتاتورية". وأكد فيلاسكو أن "محاولات الولايات المتحدة تغيير النظام في فنزويلا تهدف إلى استعادة القيادة في (ساحتها الخلفية)، وهذه هي العبارة التي كان وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، قد استخدمها في عام 2013".

هذا الانسداد في الدبلوماسية الدولية ومشاريع القرارات الأميركية والروسية المضادة يذكّر بالقضية السورية في مجلس الأمن، وإن اختلفت الكثير من التفاصيل. في هذا الصدد، ذكر مصدر دبلوماسي غربي رفيع المستوى في الأمم المتحدة، لـ"العربي الجديد"، أنه "على الرغم من الاختلافات الكثيرة بين الحالتين السورية والفنزويلية، إلا أن التشابه يكمن في عجز المجلس عن اتخاذ أي خطوات أو تبنّي قرارات مساعدة. وحول الغاية الأميركية من طرح مشروع القرار للتصويت، رأى المصدر أنه "يمكن للولايات المتحدة التي حصلت على العدد الكافي من الأصوات أن تلوّح بورقة حق النقض، أي أن المشروع لم يمر بسبب هذا البند. يريد الطرف الأميركي أن يستخدم حق النقض الروسي والصيني ذريعة للادعاء بأن هناك إجماعاً دولياً حول قراره، حتى لو لم يتم تبنيه بسبب الصيني والروسي. لكن الحديث عن إجماع دولي يبقى نسبياً، لأن عدد الدول الأعضاء في المجلس هو 15 فقط. كما أن نفوذ الولايات المتحدة لا يستهان به، خصوصاً على الدول الصغيرة".

وأضاف أن "التصريحات الأميركية والتصعيد تذكّرنا أكثر بما حدث قبل الهجوم على العراق (2003). في حينه لم تحصل الولايات المتحدة على ما رغبت به في مجلس الأمن، ولكنها استغلته لأغراض أخرى في محاولة لتبرير غزوها. لا أدري إن كانت ستذهب إلى هذا الحد الآن، ولكن نلاحظ أنها تهدد فنزويلا، كما تفرض حصاراً اقتصادياً عليها منذ مدة". ولفت إلى أن "الولايات المتحدة تريد العودة إلى بسط نفوذها على أميركا اللاتينية، والبوابة هي واحدة من أغنى دول العالم بالنفط والموارد الطبيعية. مهما يكن، فإن الأميركيين في مأزق، لأن المعارضة في فنزويلا في مأزق كذلك. رمت المعارضة الفنزويلية برئاسة خوان غوايدو نفسها في أحضان الولايات المتحدة أسرع مما يجب أو ربما بعمل أميركي. لا أدري بصراحة على أي أساس يراهنون على انفصال الجيش عن مادورو، لكن الجيش بقي مؤيداً له، وبهذا هم الآن في طريق مسدود يصعب عليهم الخروج منه، خصوصاً أن محاولات إدخال المساعدات لم تنجح". وتابع أنه "على الرغم من استياء الفنزويليين من الوضع الاقتصادي ومن مادورو، إلا أن المعارضة الفنزويلية لم تتمكن من تشكيل بديل واضح أو الحصول على تأييد شعبي عارم لها في الشارع الفنزويلي". كما أبدى السفير المكسيكي لدى الأمم المتحدة، خوان رامون راميري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، معارضة بلاده لـ"أي محاولات تدخّل في الشؤون الداخلية لفنزويلا"، مؤكداً "ضرورة أن يأتي الطرفان إلى طاولة المحادثات من دون شروط مسبقة".