فنان صربي ينسخ يوميات ملاديتش ليعيد كتابة التاريخ

24 اغسطس 2020
400 صفحة من يوميات ملاديتش نسخها الفنان فلاديمير ميلادينوفيتش (فرانس برس)
+ الخط -

على مدى أربع سنوات كانت نهارات فلاديمير ميلادينوفيتش تبدأ على الدوام بفنجان قهوة وبيوميات أحد أشهر مجرمي الحرب في البلقان... راتكو ملاديتش  الذي قضت المحكمة الدولية الخاصة بـيوغوسلافيا السابقة بسجنه مدى الحياة لمسؤوليته عن مجزرة سريبرينيتسا.

فقد نسخ هذا الفنان كلمة بكلمة بخط اليد 400 صفحة من هذه اليوميات التي بدأ ملاديتش كتابتها عام 1992، على أوراق بيضاء كبيرة باتت تغطي جدران صالة "أوغستر" الفنية في بلغراد.

وقد كتبت اليوميات بلغة عسكرية محضة لكنها ليست عبارة عن ملاحظات مدونة بشكل عشوائي كما يتوقع من رجل غالباً ما وصف بأنه "تجسيد للشر". بل هي ملاحظات مقتضبة مكتوبة بعناية تتناول السياسة والمسائل العسكرية مع تعليقات وملاحظات أنيقة.

ويوضح فلاديمير ميلادينوفيتش لوكالة فرانس برس "في نهاية المطاف يمكن القول إن اللغة عادية لا تكشف الكثير، إلا أنها في الوقت عينه تقول الكثير من الأمور".

ويقول إن نسخ هذه اليوميات "كان مسعى يهدف إلى مواجهة الماضي الذي ما زلنا مضطرين إلى تناوله اليوم بعد 25 عاماً على الحرب".

ففي حين يأخذ القضاء مجراه، لا تزال جروح النزاعات التي مزقت يوغوسولافيا السابقة غير ملتئمة. فبعد حكم المحكمة الدولية  على ملاديتش لمسؤوليته عن المجزرة التي وقعت في نهاية نزاع البوسنة (1992-1995) إلا أن استئناف الحكم مقرر في 25 أغسطس/ آب.

ماض مضطرب

لكن إرث الزعيم العسكري السابق لصرب البوسنة البالغ 77 عاماً، موضع جدل. فلا يزال الكثير من الصرب يرون فيه بطلاً ويأخذون على القضاء الدولي بأنه اختزل نزاعات التسعينيات بمواجهة بين الخير والشر.

ولم تنأ الحكومة الصربية التي تتعاون على مضض مع المحكمة في لاهاي، بنفسها عن ملاديتش يوماً، ولم تعترف بمجازر سريبرينيتسا كذلك.

وكانت قوات ملاديتش قد ارتكبت في يوليو/ تموز 1995 مجزرة في حق ثمانية آلاف رجل وصبي مسلم في سريبرينيتسا.

وعندما أدانت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة ملاديتش، دعا الرئيس الصربي ألكسندر فوكيتش "إلى التطلع إلى المستقبل".

واختار ميلادينوفيتش طريقاً آخر من خلال الاطلاع يومياً على محفوظات، داخلاً في كل تفاصيل ماضي بلاده المضطرب.

وفي أعماله السابقة، سبق للفنان أن نسخ كتابة وثائق ويوميات مثل قائمة قطع عثر عليها في مقابر جماعية مرتبطة بالنزاع في كوسوفو (1998-1999).

أما معرضه الأخير وهو بعنوان "الدفتر" فليس سوى التجسيد الأخير لهذه اليوميات التي لها تاريخها الخاص. وهذه اليوميات مؤلفة من 18 دفتراً اكتشفها محققو المحكمة الدولية قبل عشر سنوات وراء جدار مزيف في منزل زوجة ملاديتش.

في تلك الفترة، كان ملاديتش لا يزال فاراً، وقد أوقف في 2011 بعدما بقي متوارياً عن الأنظار مدة 16 عاماً. واليوميات مكتوبة بخط اليد باللغة الصربية. وقد أصدرت نسخة رقمية منها وترجمت بعد ذلك إلى الإنكليزية والفرنسية لفائدة المحكمة الدولية.

وفي إطار هذا المشروع، أعاد ميلادينوفيتش ترجمة هذه النصوص إلى الصربية انطلاقاً من الإنكليزية.

نفي ومحو

في أحد فصول هذه اليوميات، مسح للعدد المحدد للصرب في مدن بوسنية مختلفة، وهو إحصاء يدفع إلى التفكير بالتطهير العرقي الذي تلا عندما أقام ملاديتش كياناً بغالبية صربية في مناطق كان يسكنها من قبل أيضاً كروات ومسلمون.

وكتب ملاديتش ناقلاً حديثاً مع مومسيلو ركايسنيك أحد القادة السياسيين لصرب البوسنة الذي أدانه القضاء الدولي أيضاً، "لدينا دولة في متناول اليد ينبغي فقط أن نتلقف الفرصة".

ويصعب معرفة مواقف ملاديتش الشخصية. وهو يكتب على صفحة تحت عنوان "مساهمتي" قائمة بأشياء ضرورية لصرب البوسنة. وترد في القائمة كلمات "وحدة" و"يد عاملة وضباط" و"أموال لشن الحرب" و"حلفاء".

وأثار المعرض في قاعة "اوغسبرغ" اهتماماً أكبر في الخارج الأمر الذي لا يستغربه ميلادينوفيتش. ويقول إنه يسعى إلى القيام بعكس ما يريد المجتمع القيام به، أي النسيان والنفي ومحو مواضيع بهذه الأهمية من الماضي.

(فرانس برس)

المساهمون