تختصر حياة المواطن الفلسطيني، سعدات صبري غريب، من بلدة بيت اجزا شمال غربي مدينة القدس المحتلة، قصة معاناة الفلسطينيين في الأراضي التي تحتلها إسرائيل. إذ يعيش غريب (33 عاماً) هو وعائلته في منزل من طابق واحد، أشبه بقفص حديدي صغير، تحيط به منازل مستوطنين يهود من كل الاتجاهات، محولين حياته إلى "جحيم يومي".
وبينما يجلس في باحة منزله المتواضع، يقول المواطن الفلسطيني: "منذ عام 2007 ونحن نعيش في سجن صغير، فالإسرائيليون أحاطونا بأسلاك شائكة من كل الاتجاهات، وندخل منزلنا عبر بوابة، وتتم مراقبتنا على مدار الساعة بكاميرات، كما يسعون إلى ترحيلنا من المنزل للاستيلاء عليه".
والبوابة الحديدية وضعها الجيش الإسرائيلي عند المدخل المؤدي إلى المنزل الفلسطيني، وكان يغلق ويفتح تلك البوابة، المزوّدة بكاميرات، إلكترونياً، إلى أن حصلت الأسرة عام 2009 على حكم من المحكمة العليا في إسرائيل بإبقاء البوابة مفتوحة على مدار الساعة.
ولا يبعد منزل الفلسطيني غريب عن بلدته بيت اجزا، حيث يعيش نحو 800 فلسطيني، سوى عشرات الأمتار، بينما يفصله عن منازل مستوطنة "جعفات حدشاه" أسلاك شائكة، يبلغ ارتفاعها نحو ثمانية أمتار تقريباً.
قصة غريب مع الاستيطان الإسرائيلي بدأت عام 1978، "حين ساوم عدد من المستوطنين الأب الحج صبري غريب لبيع أرضه بمليوني دولار أميركي، وهو مبلغ خيالي"، بحسب الابن. ويتابع "المستوطنون صادروا أراضي الأسرة على مراحل، كان آخرها في عام 2006، رغم صدور أحكام قضائية من المحكمة العليا في إسرائيل بملكية الأسرة للأرض".
غريب يعيش مع وزوجته وابنيه ووالدته في منزلهم الذي شيّد عام 1977، على مساحة 130 متراً مربعاً، وباحة لا تتعدى المائة متر، بينما كان يملك قبل إقامة مستوطنة "جعفات حدشاه"، نحو 110 دونمات (الدونم يعادل ألف متر مربع)، تم بناء المستوطنة على 40 دونما منها، فيما صادر جدار الفصل الإسرائيلي ما تبقّى من أرض غريب.
وبدعوى العمل على منع تسلل فلسطينيين إلى إسرائيل لتنفيذ هجمات خلال انتفاضة المسجد الأقصى التي اندلعت عام 2000، بدأت إسرائيل بعد عامين ببناء هذا الجدار، لفصلها عن الضفة الغربية، ملتهمة نحو 2000 دونم من أراضي بلدة بيت اجزا، بما يعادل 50 في المائة من أراضيها، بحسب إحصاء رسمي فلسطيني.
وجود كاميرات وسائل الإعلام أمر غير مستساغ للمستوطنين الذين انهال بعضهم بالشتائم على الفلسطينيين والدين الإسلامي، ورشقوا أفراد أسرة غريب والصحافيين بالحجارة. لكنها، بحسب غريب، "هجمات يومية معتادة... فنحن نواجه معاناة وجحيماً يومياً من جانب المستوطنين، إلا أنني أرفض التنازل عن منزلي والخروج منه، رغم الإغراءات المالية التي لا تزال تعرض عليَّ، وبينها شيك غير محدد المبلغ كي أدوّن فيه الثمن الذي أريده للأرض، رغم أن ثمنها هي والبيت لا يتجاوز خمسين ألف دولار".
وفيما يرشق مستوطنون المنزل بالحجارة، تقول سكينة غريب، والدة سعدات: "هذا ما نعيشه دوما، كل يوم أستيقظ وأرى الأرض التي مات زوجي يدافع عنها، وقد سكنها أغراب مستوطنون يدنسونها... لكن سيأتي يوم ويعود الحق إلى أصحابه".
وفي باحة منزل غريب يلهو الأطفال الفلسطينيون، ويردّون شتائم المستوطنين. ويقول الطفل أحمد محمد صبري (10 سنوات)، ابن شقيق سعدات: "هذا البيت بيت جدي وعمي لن نخرج منه، هم من سرقوا أرضنا، فعليهم الرحيل، هكذا قال لنا جدي". يقاطعه نجل عمه، الطفل منتصر صبري (11 عاما)، بقوله: "كل يوم يتعرض لنا المستوطنون من خلف الأسلاك الشائكة، لا يريدوننا أن نلهو هنا بحجة إزعاجهم، لا نكترث لهم، ونواصل اللعب".
وتفتقر عائلة غريب وبلدته إلى ملاعب وحدائق، بينما شوارع المستوطنة الملاصقة للبلدة تتمتع ببنية تحتية وحدائق وشوارع مرصوفة وإنارة وخدمات. وعلى عكس وضع المستوطنة، يقول سعدات: "تمنعنا إسرائيل من إجراء أي ترميم للمنزل ومن البناء، حتى إنها تمنعنا من زراعة شجرة زيتون"، وهي الشجرة التي تتميز بها فلسطين.
ورغم ما سرده غريب عما يعانيه هو وأسرته يوميا من المستوطنين، إلا أنه يختم حديثه بقوله: "شاهدتهم كيف يرشقوننا بالحجارة.. لكن حتى لو أطلقوا النار أو حتى الصواريخ علينا، فنحن باقون رغم أنوفهم.. هذا الصمود ورثته عن والدي الذي توفي في نيسان/أبريل 2012، وهو يوصي بالصمود".
وفي فبراير/شباط 2011، زارت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة آنذاك، نافي بيلاي، مع رئيس الوزراء الفلسطيني حينها سلام فياض، هذا المنزل، حيث استمعا من الأب صبري غريب عن معاناة الأسرة، ووصفت بيلاي هذا الوضع بـ "غير الإنساني"، واعدة بالتدخل. لكن رغم هذه الزيارة الأممية رفيعة المستوى، إلا أن شيئا لم يتغير، إذ تنفي إسرائيل أي استهداف لأسرة غريب، مرددة أن ما تتخذه من إجراءات أمنية إنما يستهدف من تسميهم "مخربين يرشقون الحجارة باتجاه المستوطنين".