فلسطينيو سورية... لجوء ثالث بعد غزة

11 يونيو 2019
يبدو أنّه باقٍ بغزة... وماذا عن الصغار؟ (محمد الحجار)
+ الخط -
في ما يُمكن وصفه بلجوء ثانٍ، هرب فلسطينيون كثر من الذين لجأوا إلى سورية من الحرب الدائرة هناك، وتوجّهوا إلى قطاع غزة. لكنّ الظروف أجبرتهم على البحث عن لجوء ثالث

في المخيّمات السوريّة للاجئين الفلسطينيين وفي مناطق محدّدة خارجها، استقرّ كثيرون عقب نكبة 1948، بعدما هُجّروا من الوطن إلى دول الجوار. لكنّ بعضاً من هؤلاء أو ذريّتهم أُجبروا على الانتقال من سورية إلى قطاع غزة ما بين عامَي 2011 و2013، قبل أن تدفعهم الظروف صوب اللجوء إلى أوروبا.

لم تفِ السلطات المتعاقبة في غزة بوعودها تجاه عائلات فلسطينيي سورية، لجهة تأمين فرص عمل لها أو مساعدات إنسانية بصورة مستمرة، بالتالي وبهدف الهروب من الحصار الإسرائيلي المطبق على قطاع غزة والظروف المعيشية المتردية، هاجر 60 في المائة من تلك العائلات إلى خارجه. هذا ما يؤكده عضو لجنة متابعة شؤون اللاجئين من سورية إلى غزة، عمر عودة، مشيراً إلى أنّ "360 عائلة فلسطينيّة سوريّة دخلت إلى قطاع غزة في أعقاب الأحداث في سورية، وقد تشجّعت أكثر بعد تصريحات مسؤولين من حركة حماس والسلطة الفلسطينية".

تعيش في غزة 160 عائلة من فلسطينيي سورية (محمد الحجار) 


يقول عودة لـ"العربي الجديد" إنّ "مسؤولين، أفضّل عدم ذكر أسمائهم، في رام الله وغزة، أطلقوا وعوداً كثيرة لتلك العائلات، تقضي بالتكفّل بمعيشتها في خلال أشهر قليلة وتوفير وظائف لأفرادها في وقت لاحق. لكنّ تلك العائلات على أرض الواقع راحت تعاني الفقر والجوع، في حين سُجن أفراد منها نتيجة ديون متراكمة عليهم. وثمّة من تعرّض للمرض من دون أن يتمكّن من تأمين علاج". واليوم، بحسب عودة، "تعيش في غزة 160 عائلة من فلسطينيي سورية بعدما غادرت 200 أخرى إلى أوروبا، بحثاً عن حياة أفضل"، علماً أنّ
"العائلات المتبقية بمعظمها تشكو من حالة اقتصادية سيئة".

في يناير/كانون الثاني 2019، استطاعت عائلة فايز يوسف (55 عاماً) الحصول على حقّ اللجوء إلى السويد، "بعدما قضينا ستّة أعوام من الفقر في غزة، من دون أن نتمكّن من تأمين معظم احتياجاتنا الأساسية، فيما كنّا نعتمد على المساعدات الإنسانية بنسبة 70 في المائة".

يكافحون ليتمكّنوا من الهجرة (محمد الحجار) 


يضيف يوسف لـ"العربي الجديد": "لم أشعر بأنّني في فلسطين التي تربّيت على حبّها وتقديس أرضها"، شارحاً أنّه ولد في مخيّم اليرموك لعائلة تعود أصولها إلى مدينة حيفا وقد هُجّرَت منها في عام 1948. ويتابع يوسف: "كانت رحلتنا إلى قطاع غزة بمثابة لجوء ثانٍ لنا، بعد اللجوء الأوّل من فلسطين إلى سورية. وأخيراً، كان لجوؤنا الثالث إلى أوروبا هذه المرّة، من أجل الحفاظ على ما تبقّى من كرامة لنا. نحن لم نعد نرغب في الذلّ والحصار في غزة، بالتالي انتقلنا إلى تركيا في بداية عام 2018 وفي منتصفها وصلنا إلى السويد، حيث قرّرنا الاستقرار حتى نهاية أيامنا".

أمّا سامر الحرّ (30 عاماً)، فقد نجح من جهته في الوصول إلى النرويج، في مارس/آذار 2019. ويخبر "العربي الجديد": "قضيت مع زوجتي وطفلتنا شهرَين في هجرة سرية ما بين تركيا واليونان قبل أن نصل إلى النرويج. هناك، سلّمت نفسي إلى الشرطة النرويجية وقد أعلمتها بأنّني فقدت شقيقَيّ في خلال الأحداث السورية، تحديداً في منتصف عام 2014".

وأصول الحرّ تعود إلى مدينة صفد، بحسب ما يقول، شارحاً أنّ "جدي تهجّر عقب النكبة إلى سورية وسكن في مخيّم اليرموك. أمّا أنا فترعرعت في مدينة حلب، قبل أن أنتقل إلى غزة في ديسمبر/كانون الأول 2012. وهناك انتظرت أن يلاقيني شقيقاي مؤمن ورضا، غير أنّهما قضيا في الأحداث". يضيف أنّه "مع تدهور الظروف الاقتصادية، رحت أتنقّل بين مهنة وأخرى... فكنت عامل نظافة وعامل بناء وعاملا في مقهى، وقد وصلت بي الحال إلى التسوّل وقد أخفيت وجهي". ويتابع الحرّ: "أنا حاربت لجمع المال حتى أتمكّن من الهجرة، واليوم بعد وصولي إلى النرويج أنتظر منحي الإقامة الدائمة"، مشيراً إلى أنّ "أهل غزّة طيّبون وأصحاب نخوة، لكنّ الظروف الاقتصادية والاحتلال صعّبا علينا الحياة بينهم".

في انتظار اللجوء الثالث (محمد الحجار) 


في غزة اليوم، ما زال كثير من فلسطينيي سورية يكافحون ليتمكّنوا من الهجرة، بعدما فقدوا أملهم بالعيش حياة آمنة في القطاع المحاصر. أمين بشارات (45 عاماً) من هؤلاء، هو الذي يعيش اليوم مع أسرته المكوّنة من ستّة أفراد في مخيّم الشاطئ، في شقة مستأجرة، ويعتمد في عيشه على بعض المساعدات. يقول بشارات لـ"العربي الجديد" إنّ "أصول عائلتنا تعود إلى مدينة نابلس، لكنّ عائلة جدي الأكبر عاشت في عكا. وعقب النكبة، هجّرنا إلى لبنان ثمّ إلى سورية، تحديداً مخيّم اليرموك. ومنذ عام 2005، عشت مع زوجتي في مدينة حلب، أمّا اليوم فأنا فقير وضعيف في غزة وآمل في الهجرة". ويؤكد: "أنا لا أريد سوى مجتمع أعمل فيه لتأمين قوت يومي وملبس مناسب لأطفالي. لم أعد أرغب في عيشة المخيّمات".



وبشارات الذي يعيش في قطاع غزة منذ هرب من الأحداث السورية في مايو/أيار من عام 2013، تقدّم قبل نحو عامَين مع مواطنين له بطلب أمام مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في غزة موقعاً بأسماء المئات منهم، بهدف الهجرة إلى خارج القطاع مع شرح كامل لظروفهم فيه. على الرغم من رسائل التعاطف، فإنّهم لم يتلقّوا أيّ رد.
المساهمون