فلسطينيون يهود

12 ديسمبر 2014

سامريون يحتفلون بعيد العرش أعلى جبل جرزيم في نابلس(أكتوبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

فشلت، قبل سنوات، في تمويل فيلمي الوثائقي عن الفلسطينيين اليهود من وزارة الثقافة الفلسطينية التي لم تُبد اهتماماً بالمشروع. تناول السيناريو طائفة السامريين الذين ربما هم أصغر أقلية دينية في العالم، ويعيش نصفهم في جبل جرزيم في نابلس، ويحملون الجنسية الفلسطينية، والنصف الآخر في إسرائيل يحملون الجنسية الإسرائيلية، ويعتقدون أنهم أصل اليهودية، ولا يعترفون بيهودية إسرائيل، ولا بالدولة نفسها. وقد حرص الرئيس ياسر عرفات على أن يمثلوا في المجلس التشريعي الفلسطيني. إضافة إلى هؤلاء، هناك جماعة "ناتوري كارتا" التي يُعرف أفرادها بأنهم فلسطينيون يهود، ولا يعترفون بدولة إسرائيل. ويحرّمون قيام دولة لليهود شرعاً، ويعترفون بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً. وقد عيّن عرفات في أول حكومة فلسطينية، بعد اتفاق أوسلو، زعيمهم الحاخام الأكبر موشيه هيرش، وزيراً للشؤون اليهودية.

في إطار المشروع، تواصلت مع أفراد فلسطينيين يهود، لا تمثل يهوديتهم هوية خاصة بهم، بقدر التزامهم بالهوية الفلسطينية هوية وطنية، ومن هؤلاء الموسيقي إلياس ديفيدسون، المولود في القدس، والذي عاش مهاجراً في آيسلندا، حيث حصل على جنسيتها، وأصرّ على السلطات هناك أن تكتب أصوله الفلسطينية في أوراقه الثبوتية. ومن هؤلاء المخرج والممثل والناشط الراحل، جوليانو خميس، مدير "مسرح الحرية" الذي أسسته والدته آرنا، لتعليم المسرح لشباب مخيم جنين. ولا أنسى الراحل عضو حركة فتح وممثلها في الاشتراكية الدولية وعضو اللجنة السياسية في المجلس الوطني الفلسطيني، إيلان هاليفي الذي توفي قبل نحو عامين، وهو الذي قال لي، في اتصال هاتفي، عندما حدثته عن الفيلم: لم يتأخر الوقت وإن كان من الواجب تناول هذا الموضوع منذ زمن.

وليس أسطع من مثال المناضل الفلسطيني، وعضو المجلس الثوري لحركة فتح، يوري ديفيس، الذي عمل في صفوف فتح منذ عقود، ويعيش في رام الله، ويعمل في صفوف السلطة الفلسطينية.

بدأت فكرة الفيلم عندما قابلت الحاجة "أم العبد" في بيروت، واكتشفت أن اسمها الحقيقي سارة كوهين، وهي من يهود القدس، تزوجت فلسطينياً من يافا في العام 1946، وحين حدثت النكبة هُجرت وزوجها إلى لبنان، وسكنوا في مخيم تل الزعتر، إلى سقوطه في السبعينيات.

أتذكر، اليوم، هذا السناريو المدفون، والحديث يتصاعد عن يهودية دولة إسرائيل. كنت أطمح في الفيلم إلى طرح إشكالية الهوية في دولة إسرائيل، فإذا كانت اليهودية هي الهوية القومية للدولة، وهناك من لا يعتبرونها هوية قومية، فماذا ستفعل بهم إسرائيل؟ ولو كان من حق دولة إسرائيل، ذات الغالبية اليهودية كأمر واقع، أن تتخذ من يهودية الغالبية سمة قومية، ألا يمكننا أن نتخيل دولة، مثل فرنسا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة الأميركية التي تعيش فيها أقلية يهودية نافذة وقوية، أن تقر في دستورها أنها دولة مسيحية مثلاً؟ فأين سيكون ولاء الأميركيين اليهود في هذه الحالة، هل سيعتبرون أنفسهم أجانب أم أميركيين؟ هل سيقبل يهود أميركا بمسيحية الولايات المتحدة الأميركية، أم سيعتبرونها معاداة للاسامية؟

إن دسترة يهودية الدولة ومطالبة العالم والفلسطينيين الاعتراف بها اتجاه يمثل امتداداً مرضياً لعقلية الغيتو التي لم يتخلص منها اليهود الذين يدعون إلى هذا المشروع الذي لا يلحق الأذى بالفلسطينيين فقط، ويجعلهم مواطنين درجة أدنى، ولا يلحق الأذى بالشعوب العربية التي تعيش صعوداً للأصوليات الإسلامية وحسب، بل يلحق الأذى، وبشكل واضح، باليهود أنفسهم في إسرائيل وفي العالم.

كانت تلك هي أفكار الفيلم، ولا تزال، على الرغم من أن بعض شخصياته رحلت عن عالمنا، فقد اغتيل جوليانو خميس في جنين، ورحلت سارة كوهين وإيلان هاليفي، ولا أدري في أي أرض صار ديفدسون الموسيقي الفلسطيني اليهودي. 

8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.