تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثاني والعشرون من نيسان/ أبريل، ذكرى ميلاد الزعيم السوفييتي فلاديمير لينين (1870 - 1924).
على الرغم من مرور أكثر من قرن على الثورة البلشفية عام 1917، إلا أن الجدل لا يزال دائراً في المجتمع الروسي حول دور زعيمها فلاديمير لينين (1870 - 1924) في تاريخ البلاد، إذ يعتبره العديد من المؤرّخين مؤسّساً لأيديولوجيا القمع في عهد خليفته، جوزيف ستالين، مقابل تمسّك الدولة بالإبقاء على ضريحه بالساحة الحمراء وسط العاصمة الروسية، والحنين الشعبي إلى الحقبة السوفييتية وما تميّزت به من توزيع عادل نسبياً للموارد، وقوّة موسكو على الساحة الدولية.
في هذا السياق، أظهر استطلاع أجراه "صندوق الرأي العام" الروسي، ونُشرت نتائجه في الذكرى الـ150 لميلاد لينين التي تحلّ اليوم الأربعاء، أن 56% من المستطلعة آراؤهم يعتبرون أن لينين أدًى دوراً إيجابياً في تاريخ البلاد، مقابل قناعة 20% فقط بأنّ دوره كان سلبياً، كما يظهر على موقع الصندوق الإلكتروني.
من بين الشواهد التي ذكرها مستحسنو لينين، قيامه بالثورة وهدم النظام الرأسمالي، والانتقال إلى النظام الاشتراكي وبناء الشيوعية، وتحسين مستوى معيشة الناس، بينما أشار معارضوه إلى سقوط عدد كبير من الضحايا وإرهاب الدولة وغيرها.
وبحسب نتائج الاستطلاع ذاته، فإن نحو 76% من الروس يعارضون إزالة اسم لينين من الشوارع والميادين بالمدن والقرى الروسية، مقابل ترحيب 13% فقط بمثّل هذه المبادرة، فيما ترتفع نسبة المعارضين لإزالة تماثيله من الميادين والحدائق إلى 83%.
في هذا الإطار، يَعتبر الأستاذ في كلية العلوم الإنسانية بـ"المدرسة العليا للاقتصاد" بموسكو، المؤرّخ أوليغ بودنيتسكي، أن دور لينين في التاريخ الروسي كان سلبياً بامتياز، كونه كان من أنصار استخدام العنف لبناء "مجتمع المستقبل"، مرجعاً تمسّك السلطات الحالية بالإبقاء على ضريحه بالساحة الحمراء إلى استرشادهم بحنين فئات عديدة من السكّان للاتحاد السوفييتي، والتي تضرّرت من تفكّكه ولا تزال تعتبره "دولة العدالة الاجتماعية".
يقول بودنيتسكي في حديث إلى "العربي الجديد": "من وجهة نظر اليوم، لا أرى أيّ دور إيجابي للينين في تاريخ بلادنا، بل كان مؤسّساً لأيديولوجيا إرهاب الدولة، ونبذ الفكر المعارض، واستخدام العنف من أجل بناء مجتمع المستقبل، ملحقاً بذلك ضرراً كارثياً بمسيرة البلاد، إذ أدّت دكتاتورية البروليتاريا إلى عدد هائل من الضحايا، وتراجع مستوى معيشة السكان وحرمانهم من أيّة حقوق مدنية".
وحول دوافع السلطات الروسية الحالية للامتناع عن استكمال "نزع اللينينية" وإزاحة ضريحه من جوار الكرملين، يضيف: "بقاء الضريح بالساحة الحمراء هو أثر للماضي ومظهر وثني يكشف عدم قابلية المجتمع للتغيّر السريع، رغم الإقرار بدور لينين السلبي على مستوى الدولة منذ حقبة ميخائيل غورباتشوف؛ آخر زعماء الاتحاد السوفييتي".
ويخلص بودنيتسكي إلى أن الانقسام القائم بين الروس في تقييم دور لينين يدفع بالسلطة الروسية الحالية إلى الإبقاء على ضريحه في مكانه بالساحة الحمراء، لكن دون الاحتفاء به.
أما المؤرّخ سيرغي بوندارينكو الذي يعمل في المنظمة الحقوقية "ميموريال" في موسكو، فيرى أن لينين كان شخصية تاريخية فريدة من نوعها. ويقول في حديث إلى "العربي الجديد" إنه "من الواضح أن لينين لعب دوراً كبيراً في التاريخ، ومن اللافت أنه جمع بين شخصيتيْ مفكّر مؤثر وقائد لثورة البلاشفة في تشرين الأول/ أكتوبر 1917، وتولّيه زمام السلطة في البلاد لنحو خمس سنوات".
وحول صعوبة تقييم شخصية لينين بشكل موضوعي حتى الآن، يضيف: "بات لينين التاريخي تحت ظلال شخصيته الدعائية التي ضخّمتها القيادة السوفييتية. أما لينين السياسي، فابتلعه ستالين الذي امتدّ حكمُه لثلاثة عقود. لذلك، لم تعد شخصية لينين تثير اهتمام حتى الماركسيين، وبمجرّد نقل جثمانه من الضريح في الساحة الحمراء يوماً ما، سيتحوّل إلى مجاز في كتب التاريخ لا شخصية تاريخية".
يُذكر أن فلاديمير أوليانوف وُلد في مدينة سيمبيرسك (أوليانوفسك حاليا) المطلّة على نهر فولغا في 22 نيسان/ أبريل 1870، وتأثر باكراً بأفكار المنظّر الألماني كارل ماركس. ومع زيادة نشاطه السياسي، اتخذ اسمَه المستعار "لينين"، ليدخل به تاريخ روسيا والعالم كأحد أبرز قادة حركة تمرّد أسفرت عن إقامة سلطة السوفييت وسيطرة البلاشفة على مقاليد الحكم في البلاد، والذين سعوا إلى تحقيق "ثورة اشتراكية عالمية"، مستندة إلى أيديولوجيا ترفض إمكانية إصلاح الرأسمالية.
وفي عام 1922، اعتزل لينين الحياة السياسية بعد إصابته في محاولة اغتيال من قبل امرأة تُدعى روزا كابلان وتدهور حالته، ليرحل أخيراً في ضواحي موسكو عام 1924.