09 نوفمبر 2024
فلاديمير بوتين
يعيش الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عالمه الخاص، عالم السوفييت الغابر. يسعى إلى رفده بعناصر عصرية، ليوحي بأنه تجاوز مرحلة اندحار الاتحاد السوفييتي. يعمل على تفعيل الدور الروسي، بلغة اقتصادية. اللغة الوحيدة التي يفهمها "العالم الحرّ". يبقى ذلك صعباً على رجل اختبر مرحلة جدار برلين، قبل انهياره، وسكن خلفه سنوات، في الشرق الألماني. من هنا يأتي "غرامه" بكل ما يتصل بالشعب الجرماني. لا يريد بوتين أن يُعامل كفرد من أفراد عالمٍ تحكمه الولايات المتحدة، بل قائد يُوَاجَه من الندّ للندّ، أقلّه مع الأميركيين. سعى، في مؤتمر ميونيخ 2007 ومنتدى فالداي 2014، إلى رسم خريطة زعامتية جديدة، ليُعلن أن زمن القياصرة عاد. ضرب في جورجيا مرة في 2008، ويضرب ثانيةً، في الأيام الحالية، عبر تسريع إجراءات ضمّ المقاطعة الجورجية، أبخازيا. ضرب مرة في أوكرانيا، حين قضى على الثورة البرتقالية منذ سنوات قليلة، وها هو يضرب ثانيةً في دونيتسك ولوغانسك. تركته زوجته بعد سنوات الزواج الطويلة، ليحتفل بعيد مولده الشهر الماضي وحيداً، في غابات سيبيريا. لا يُمكن وصف ما يقوله، أو يفعله، على أنه فعل "رجل دولة غربي"، بل تبقى شخصية بوتين مزيجاً من صفات رؤساء سابقين للسوفييت، كمكر ليونيد بريجينيف، ودهاء جوزيف ستالين، وقوة رجل الاستخبارات، لافرينتي بيريا.
لم يكن العام الحالي مجرّد عام للنسيان، بل هو عام بوتين بالذات، أقلّه حتى الآن. نظيره الأميركي، باراك أوباما، يتداعى، وهمّه منصبٌّ على مقاتلة جمهوريي بلاده. الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، ليس في أفضل حالاته، بعد أن قاد اليسار مباشرةً إلى أبواب الجحيم. رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، منهمك بتعداد المنشقّين عن حزبه المحافظ. الصينيون، حلفاء مرحليون، واليابانيون لا يرغبون بأكثر من جزر الكوريل، المتنازع عليها مع الروس. وحدها ألمانيا قادرةٌ على مواجهته في الخارج، في ظلّ تنامي سطوة أنجيلا ميركل. لا يهتم بوتين كثيراً، وأوحى في قمة "العشرين" في أستراليا، بعدم اكتراثه بأي عقوبات وبأي "محاولات إذلال أميركية لروسيا"، إلا أن على "القيصر" إعادة النظر ملياً.
قومياً، يُمكن القول إن بوتين أعاد إلى الروس الشعور الحقيقي بقوميتهم. لكن الأمور تقف عند هذا الحدّ فقط. الروبل ينهار شيئاً فشيئاً، والسوق الروسي بدأ يتلمّس عمق الأزمة. نفوذ المافيا الروسية آخذ في الاتساع، بعد عودة الروح إليها. أما تدخّل المصرف المركزي الروسي لتعويم الروبل، فيُمكن أن يكون تدخلاً سليماً، لو كان استثنائياً ولمرة واحدة، لكن تدخّله سيُصبح أمراً "اعتيادياً"، في ظلّ مراوحة الأمور مكانها في أوكرانيا سياسياً، وتدهورها بشكل غير مسبوق ميدانياً، منذ توقيع اتفاق مينسك في سبتمبر/أيلول الماضي. ويعني مجرّد تدخّل المصرف المركزي أن موسكو لم تعد على ما يرام. يدرك بوتين ذلك تماماً، فقرر العمل على خطين متوازيين. داخلياً، سعى إلى إبراز قوة روسيا العسكرية، وسط خطاباتٍ قوميةٍ شعبوية. أما خارجياً، فيعمل من دون كلل على تأمين الحلفاء، وتحديداً الصين، كما سيقوم برحلة غير استجمامية إلى مصر، مطلع العام المقبل، من أجل ترسيخ الاتفاقات الجديدة، لمجابهة العقوبات الأممية. ووسط ذلك كله، ينتظر أن يبصر مولوده الجديد "الاتحاد الأوراسي" النور، في 1 يناير/كانون الثاني 2015. ولا ينسى في هذه الحمأة التموضع من أجل مزيد من الصور.
كان بوتين هادئاً في المراحل السالفة. تحديداً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. عاد إلى سان بطرسبرغ من برلين. بات ظلّاً لأول رئيس لروسيا ما بعد السوفييت، بوريس يلتسين. كان هادئاً، أما الآن فيعلم أن الوقت يداهمه، وتحليق طائراته فوق دول البلطيق والشمال الأوروبي، دليل على أن الدب الروسي لن يغرق في سباته. ليس في هذا الشتاء أقله، عكس ما قال في أستراليا.
لم يكن العام الحالي مجرّد عام للنسيان، بل هو عام بوتين بالذات، أقلّه حتى الآن. نظيره الأميركي، باراك أوباما، يتداعى، وهمّه منصبٌّ على مقاتلة جمهوريي بلاده. الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، ليس في أفضل حالاته، بعد أن قاد اليسار مباشرةً إلى أبواب الجحيم. رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، منهمك بتعداد المنشقّين عن حزبه المحافظ. الصينيون، حلفاء مرحليون، واليابانيون لا يرغبون بأكثر من جزر الكوريل، المتنازع عليها مع الروس. وحدها ألمانيا قادرةٌ على مواجهته في الخارج، في ظلّ تنامي سطوة أنجيلا ميركل. لا يهتم بوتين كثيراً، وأوحى في قمة "العشرين" في أستراليا، بعدم اكتراثه بأي عقوبات وبأي "محاولات إذلال أميركية لروسيا"، إلا أن على "القيصر" إعادة النظر ملياً.
قومياً، يُمكن القول إن بوتين أعاد إلى الروس الشعور الحقيقي بقوميتهم. لكن الأمور تقف عند هذا الحدّ فقط. الروبل ينهار شيئاً فشيئاً، والسوق الروسي بدأ يتلمّس عمق الأزمة. نفوذ المافيا الروسية آخذ في الاتساع، بعد عودة الروح إليها. أما تدخّل المصرف المركزي الروسي لتعويم الروبل، فيُمكن أن يكون تدخلاً سليماً، لو كان استثنائياً ولمرة واحدة، لكن تدخّله سيُصبح أمراً "اعتيادياً"، في ظلّ مراوحة الأمور مكانها في أوكرانيا سياسياً، وتدهورها بشكل غير مسبوق ميدانياً، منذ توقيع اتفاق مينسك في سبتمبر/أيلول الماضي. ويعني مجرّد تدخّل المصرف المركزي أن موسكو لم تعد على ما يرام. يدرك بوتين ذلك تماماً، فقرر العمل على خطين متوازيين. داخلياً، سعى إلى إبراز قوة روسيا العسكرية، وسط خطاباتٍ قوميةٍ شعبوية. أما خارجياً، فيعمل من دون كلل على تأمين الحلفاء، وتحديداً الصين، كما سيقوم برحلة غير استجمامية إلى مصر، مطلع العام المقبل، من أجل ترسيخ الاتفاقات الجديدة، لمجابهة العقوبات الأممية. ووسط ذلك كله، ينتظر أن يبصر مولوده الجديد "الاتحاد الأوراسي" النور، في 1 يناير/كانون الثاني 2015. ولا ينسى في هذه الحمأة التموضع من أجل مزيد من الصور.
كان بوتين هادئاً في المراحل السالفة. تحديداً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. عاد إلى سان بطرسبرغ من برلين. بات ظلّاً لأول رئيس لروسيا ما بعد السوفييت، بوريس يلتسين. كان هادئاً، أما الآن فيعلم أن الوقت يداهمه، وتحليق طائراته فوق دول البلطيق والشمال الأوروبي، دليل على أن الدب الروسي لن يغرق في سباته. ليس في هذا الشتاء أقله، عكس ما قال في أستراليا.