فك حصار صنعاء والحديدة: تجاوب سعودي لفظي مع الضغوط

24 نوفمبر 2017
تظاهرة في صنعاء تطالب برفع الحصار (محمد حمود/Getty)
+ الخط -


لم يصمد التحالف، بقيادة السعودية، أمام ردود فعل المواقف الدولية والمنظمات الإغاثية، على الحصار الذي فرضه على منافذ اليمن، وما أعقب ذلك من تفاقم للأزمة الإنسانية. إلا أن التجاوب حتى اليوم، جاء محدوداً نزولاً عند مطالب المنظمات الدولية بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية، عبر أكبر منفذين جوي وبحري في اليمن، فيما يبقى الحصار أمام الشحنات التجارية، في بلد يعتمد على الاستيراد في المواد الأساسية بما فيها الغذاء والوقود.

وحتى مساء أمس الخميس، كان إعلان التحالف إعادة فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، أمام الرحلات الأممية والمواد الإغاثية، أقرب إلى حبر على ورق، إذ أعلن المتحدث الرسمي باسم الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد في اليمن، مازن غانم، أن التحالف رفض أمس إعطاء "تصاريح لرحلات الأمم المتحدة ورحلات المنظمات الإنسانية لأطباء بلا حدود وبرنامج الغذاء العالمي ورحلة المساعدة التابعة لليونيسف، التي تحمل لقاحات لشلل الاطفال"، إلى مطار صنعاء الدولي.
كما أفادت مصادر محلية في محافظة الحديدة لـ"العربي الجديد" بأن المرفأ لم يستقبل أي سفن إغاثية أو تجارية، بعد ساعات من إعلان التحالف فتحه، على الرغم من منح الآلية الرقابية التابعة للأمم المتحدة أخيراً تصاريح لسفن تحمل مواد إغاثية بالوصول إلى الميناء، ولم تستبعد أن يكون تأخرها مرتبطاً بإجراءات مؤقتة، الأمر الذي لم يصدر حوله توضيح رسمي من الأمم المتحدة أو التحالف حتى مساء أمس.

وكان لافتاً رفض التحالف منح التصريح لطائرات الأمم المتحدة بالوصول إلى مطار صنعاء، في وقتٍ كان فيه الأخير قد استقبل عملياً، يوم الأربعاء الماضي، طائرتين، الأولى طائرة روسية نقلت أفراداً من طاقم سفارتها في صنعاء، والأخرى تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر، قامت بإخلاء خمسة من موظفيها، بتصريح من التحالف، الذي أعلن في وقتٍ لاحق من اليوم نفسه (الأربعاء)، أن المطار سُيعاد فتحه أمام الرحلات الأممية اعتباراً من يوم أمس الخميس.
وأياً كانت العراقيل التي تؤخر إعادة فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، بشكل منتظم، فإن إعلان التحالف جاء استجابة لضغوط دولية وحملة انتقادات واسعة قادتها الأمم المتحدة والمنظمات العاملة في المجال الإنساني وصولاً إلى المواقف الرسمية للدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتان طالبتا في بيانات منفصلة بإعادة فتح المنافذ أمام المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية.

وكان واضحاً أن القرار جاء استجابة للضغوط الدولية، من خلال إعادة "الفتح" جزئياً، أمام المساعدات والطائرات الأممية، وهو ما يعني بقاء الحصار أمام الشحنات التجارية في المرفأ الذي تصل إليه أغلب الواردات التي تغطي محافظات الكثافة السكانية في اليمن، ومن المؤكد أن المساعدات الإنسانية الي تقدّمها الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية لا تحل الأزمة بل جزءاً منها.

من جهة أخرى، جاء إعلان التحالف عن إعادة فتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء (أبرز منفذين استهدفهما الإغلاق مطلع الشهر الحالي)، بعد يوم من تحذير الخارجية الأميركية (يوم الثلاثاء الماضي)، لرعاياها من السفر إلى السعودية، فيما ذكرت وكالة "رويترز" أن وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، طلب من السعودية خلال اتصال هاتفي مع ولي العهد في البلاد، محمد بن سلمان، استمر نحو 45 دقيقة، مطلع الأسبوع الحالي، تخفيف الحصار على اليمن.
من جهتها رحبت بريطانيا، في تصريح لسفيرها في اليمن، سايمون شيركليف، بما وصفته بـ"التقدّم وفتح ميناء الحديدة للشحنات الإنسانية، وعودة رحلات الأمم المتحدة لمطار صنعاء"، لكنها أكدت أن "الخطوة المقبلة" هي "استعادة الشحنات التجارية للمنافذ الشمالية للحصول على الطعام إلى اليمن بالمستوى المطلوب".


ومنذ أكثر من أسبوعين، دخل اليمن مستوى جديداً من الأزمة الإنسانية الكارثية، عقب إعلان التحالف إغلاق كافة منافذ البلاد، في أعقاب إطلاق جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) صاروخاً من اليمن باتجاه الرياض، واتهمت الأخيرة إيران بتهريبه إلى اليمن، واتخذت خطوات "غاضبة" بإغلاق كافة المنافذ، بما فيها الواقعة تحت سيطرة قوات التحالف الذي تقوده إلى جانب الإمارات. ولاحقاً تراجع التحالف خطوة إلى الوراء بإعادة فتح الموانئ والمطارات في مناطق سيطرة الشرعية.
وبإعلان التحالف عن السماح بعودة الرحلات الأممية إلى مطار صنعاء والسفن الإغاثية إلى ميناء الحديدة، تبقى خطوة فتح الأخير أمام السفن التجارية، بما فيها تلك التي تحمل الواردات من المواد الأساسية، وإذا ما تم السماح لها، فإن ذلك لا يعني انتهاء الحصار، بل عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل التصعيد الأخير مطلع الشهر الحالي.

ومنذ أكثر من عام، أغلق التحالف مطار صنعاء الدولي، أمام الرحلات التجارية والتي كانت تنقل مسافرين أغلبهم من المرضى، الذين هم في أمسّ الحاجة إلى العلاج خارج البلاد، وكانت الطائرات تخضع للتفتيش في أحد المطارات السعودية، قبل توجّهها إلى صنعاء، وهو ما يجعل الحديث عن تهريب كمبرر لإغلاق المطار، أمراً من شبه المستحيل، فيما تخضع السفن الآتية إلى ميناء الحديدة (الوحيد الواقع تحت سيطرة الحوثيين)، للتفتيش بآلية تابعة للأمم المتحدة، يطالب التحالف بتشديدها.

من جهة أخرى، وعلى الرغم من أن ما جرى أقرب إلى تخفيف الحصار وليس رفعه، إلا أن الإعلان بحد ذاته، بدا تراجعاً سعودياً خطوة إلى الوراء أمام الضغوط الدولية، وانتقادات المنظمات الإنسانية، إذ عاد التحالف وتحدث عن أنه سيعلن قريباً عن "خطة عمليات إنسانية شاملة تهدف لمساعدة وإغاثة الشعب اليمني وتسهيل وصول المواد الغذائية لجميع المحافظات اليمنية". وتبقى تطورات الأيام والأسابيع المقبلة هي الكفيل في إثبات وجود مراجعة من عدمه.

المساهمون