فقراء بغداد .. مصير مجهول في "الجيش الرديف"

03 يوليو 2014
متطوعون شيعة في بغداد(أحمد الرباعي / فرانس برس Getty)
+ الخط -

لافتات نعي ومجالس عزاء تنتشر بسرعة البرق في أزقة المناطق الشيعية الفقيرة في بغداد بعد إعلان رئيس الوزراء، نوري المالكي، تشكيل ما سماه بـ"الجيش الرديف" لمواجهة مسلحي العشائر. عشرات الأمهات يبحثن عن أبنائهن ممن ليس لديهم خبرة قتالية، لكنهم دفعوا الى خوض غمار حرب المالكي نيابة عنه.  

"أم سجاد" من مدينة الصدر شرقي بغداد، والدة أحد هؤلاء القتلى، تحكي عن ابنها، ذي الثلاثة والعشرين ربيعاً، الذي قتل في منطقة (العظيم) شمالي محافظة ديالى قبل أكثر من أسبوع، "ابني قتل هناك مع عشرات من مقاتلي الجيش بعد أن هاجم مسلحون البلدة"، وتضيف أم سجاد التي تعد نفسها محظوظة لأنها حصلت على جثة ابنها من دائرة الطب العدلي في بغداد بعد أن علمت بمقتله عن طريق ضابط يقيم في منطقتها، في حين تنتظر عشرات الأمهات الحصول على جثث أبنائهن أو حتى أية معلومة عنهم من دون جدوى في ظل تضارب الأنباء التي تفيد بعضها بمقتلهم أو وقوعهم في أسر الثوار.


حالة أم سجاد تشاركها فيها عوائل عدة تجهل مصير أبنائها الذين غادروا مع الجيش الرديف باتجاه المناطق السنية الساخنة لتنقطع أخبارهم بعدها.

تقول "أم واثق" التي تسكن منطقة الشعلة غربي بغداد: إن ابنها التحق منذ أسبوعين بما عرف بالجيش الرديف بعد أن عانى سنوات طويلة من البطالة، حيث أعلنت وزارة الدفاع حينها أنها ستمنح راتباً شهريّاً لكل متطوع قدره 625 ألف دينار (أي ما يزيد على 515 دولاراً أمريكيّاً) لكل متطوع، لكن أم واثق فقدت الاتصال بابنها منذ أيام ولا تعلم مصيره حتى الآن.
"سمعت أنه قتل في اشتباكات في منطقة الإسحاقي شمالي بغداد التي خرجت عن سيطرة حكومة المالكي" وتضيف أم واثق التي تسعى منذ أن سمعت الخبر لمعرفة مصير ابنها من دون جدوى، لكنها سمعت -كما تقول- من بعض الجنود المنسحبين إلى بغداد أن معظم جثث قتلى تلك المعارك تم إلقاؤها في نهر دجلة أو دفنها في مدافن جماعية كي لا يؤثر ذلك على معنويات الجيش التي يصفها بعضٌ بالمنهارة، لكنها ما زالت تحتفظ بخيط رفيع من الأمل في العثور على ولدها حيّاً.
طبيب -رفض ذكر اسمه- يعمل في مستشفى الكاظمية التعليمي شمال غربي بغداد قال لــ"العربي الجديد" نتلقى بصورة شبه يومية جثث قتلى الجيش والمتطوعين قادمة من مناطق النزاع وأطراف بغداد".

وأضاف، أن مستشفيات العاصمة تغص بالجرحى الذين أصيب بعضهم بحالات إعاقة دائمة
وقال "صدرت تعليمات أمنية صارمة من وزارتي الدفاع والداخلية بمنع الإعلان عن الأعداد الحقيقية للقتلى والمصابين محذرين من يخالف هذه التعليمات بالتعرض للاعتقال، وربما ما هو أكثر من ذلك".


قصة ما عرف بـ"الجيش الرديف" ظهرت بعد إعلان سقوط مدينة الموصل في يد مسلحي العشائر 10 يونيو/ حزيران المنصرم، حينها أعلن نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، أن جيشه تعرض لمؤامرة كبيرة من أطراف داخلية وخارجية، وأنه بصدد تشكيل جيش من المتطوعين لاستعادة المدن التي سقطت بيد المسلحين. أثار قرار المالكي جدلاً كبيراً في المجتمع العراقي؛ إذ اعتبرته قوى سياسية معارضة للحكومة محاولة للتأجيج الطائفي عبر زج أكبر قدر من شباب المناطق الشيعية في معارك خاسرة.

من جانبه قال سليم الجبوري الناطق باسم كتلة متحدون البرلمانية، إن "إعادة هيكلية القوات الأمنية أفضل من تعبئة المواطنين لحمل السلاح ومواجهة التنظيمات الإرهابية بشكل عشوائي".

وأبدى الجبوري دهشته من دعوة المالكي لحشد المواطنين المدنيين العزل في حرب ضد "الإرهاب" بينما يترك القوات الأمنية واختيار القادة الأكفاء.

حديث الجبوري يتوافق مع أسئلة عدد من المراقبين عن الهدف الحقيقي من إنشاء "الجيش الرديف" في بلد يغص بالمليشيات التي تجاوز عددها 27 مليشيا تقيم استعراضاتها جهاراً نهاراً في العراق تحت سمع وبصر وسائل الإعلام كلها.

يذهب فريق من المراقبين إلى أن الهدف من إنشاء مثل هذه التشكيلات العسكرية، هو وضع لبنة لبناء جيش عقائدي، كما يؤكد المحلل السياسي، حسام الجنابي، الذي يرى أن الجيش الحالي الذي يضم بعض الضباط السنة والأكراد رغم غلبة العنصر الشيعي عليه لم يعد عامل حسم في المعارك الجارية التي تقترب من أسوار بغداد، وأن الحاجة الى إنشاء جيش مغلق طائفياً تتعاظم في أوساط المتنفذين داخل الطائفة الشيعية، خاصة بعد فتوى المرجع الشيعي، علي السيستاني، بما سماه (الجهاد الكفائي) لمواجهة المسلحين الذين يتقدمون باتجاه العاصمة.


"يضاف إلى ذلك تخوف المالكي والمحيطين به من حجم الفساد المستشري بين قادة الجيش الحالي وجنوده" كما يقول الباحث السياسي خالد الدليمي، الذي يؤكد بأن ما يتداوله الشارع العراقي حول شراء المناصب وحتى الرتب داخل الجيش صحيح وأن كثيراً من هذه الصفقات كانت تتم بعلم القائد العام للجيش ورئيس الحكومة، نوري المالكي، سعياً منه لتثبيت أركان حكمه التي تتعرض لاهتزازات قوية منذ سنوات، لكن السؤال المهم كما يقول الدليمي هو، هل سيختلف "الجيش الرديف" المنتظر عن الجيش الحكومي، والقائمون عليه هم ذاتهم من يمسكون مفاصل القرار في المؤسسة العسكرية الحالية؟ ويعود الى الإجابة "بالطبع لا".

وفي الوقت نفسه تتعاظم المخاوف في الشارع العراقي من فوضى سلاح مرتقبة بعد سعي الحكومة الى تسليح المتطوعين الشيعة والزج بهم في معارك داخل بغداد وخارجها، حيث يتهم كثير من المواطنين الحكومة بتسليح مناطق موالية للحكومة على حساب مناطق أخرى معارضة لها، كما يقول "م.خ" من سكان منطقة العامرية غربي بغداد والذي رفض ذكر اسمه خوفاً على سلامته الشخصية.
وأضاف، أن الحكومة جمعت السلاح من المناطق السنية سابقاً لتوزعه أخيراً في مناطق شيعية بذريعة الاستعداد لمواجهة داعش، وهو ما قد يشكل خطراً كبيراً على مناطق بغداد السنية في حال اندلعت حرب طائفية لا قدر الله.
 واختتم حديثه "في ظل الحشد الطائفي والعسكري الجاريين في العراق تبقى المناطق الشيعية الأكثر فقراً، هي المستهدفة بخطاب الحكومة التحشيدي، ويبقى أبناؤها يدفعون الثمن في ساحات المعارك حتى إشعار آخر".