فقدان المنزل ضريبة تدفعها اللاجئات السوريات

01 يناير 2015
بحن يتناوبن على ساعات النوم مع الرجال لضيق المكان(الأناضول)
+ الخط -

في الحروب التي تستمر لفترات طويلة، وتمتد تشعباتها وتطول، غالبا ما يكون هناك العنصر الأكثر خسارة، أو الحلقة الأضعف. وكانت المرأة هي الخاسر الأكبر في الحالة السورية. حيث خسرت الزوج والابن ومنزل العائلة في الوطن، ليستمر مسلسل معاناتها في بلاد أجبرتها رحى الحرب، التي طحنت كل شيء أمامها، على اللجوء إليها دون تحديد موعد للعودة.


خيمة اللجوء تضيق بساكنيها

ومع وصول عدد اللاجئين السوريين داخل المخيمات في تركيا إلى أكثر من 200.000 شخص، بات سقف خيمة اللجوء عاجزاً عن احتواء جميع سكانه، ووجدت نساء سورية أنفسهن أمام أزمة سكن داخل المخيمات. ففي مخيم كركميش القريب من مدينة غازي عنتاب، والذي يأوي 6000 لاجئ، ويحتوي على 500 خيمة (أي بمعدل خيمة واحدة لكل 12 شخصا)، بات مشهد إقامة عائلتين، أو أكثر، في خيمة واحدة "عادياً" ومألوفاً. وفي هذا الظرف المعيشي غير الطبيعي تتجدد معاناة النساء السوريات مرة أخرى. حيث أصبحن يتناوبن على ساعات النوم مع الرجال بسبب ضيق المكان، وذلك حسب ما روته ابتسام (46 سنة) من قرية بيانون في ريف حلب، والتي تعيش مع زوجها وأبنائها الأربعة بالإضافة إلى عائلة شقيق زوجها في خيمة واحدة. وتتحدث ابتسام عن صعوبة العيش داخل خيمة مزدحمة قائلة: "نعيش في فوضى خانقة، مع غياب تام للخصوصية فيما يتعلق بالنوم واللباس وغيرها من الأمور الخاصة، فنحن عائلتان داخل خيمة واحدة. ومثلاً أنا مجبرة على ارتداء حجابي طوال الوقت، وساعات نومي وراحتي في الخيمة محدودة بسبب ازدحام المكان".

أيضاً في مخيم هاتاي الذي يضم حوالى 9000 لاجئ، لا يختلف الوضع كثيرا عنه في نظيره كركميش، حيث تنتشر الخيام المزدحمة باللاجئين والتي لا يفصل بينها سوى أقل من نصف متر. وتزدحم الخيام المخصصة للأرامل والعازبات بالكثير من الأطفال والنساء؛ مما اضطر البعض إلى استغلال المساحة الفاصلة بين الخيام لتوسيع الخيمة من خلال نصب الأعمدة الخشبية المغطاة بالبطانيات أو النايلون المقوّى.


رحلة البحث عن مأوى تلهب أسعار العقارات

وبسبب ازدحام المخيمات وما يترتب على ذلك من منغصات، اتجهت الكثير من النساء صوب المدن التركية، وبالأخص غازي عنتاب التي تضم حاليا 350 ألف لاجئ، حاملات معهن أحلاماً ورغبات في العيش الكريم والمسكن المريح، لكن هذه الأحلام سرعان ما اصطدمت بارتفاع أسعار العقارات بشكل جنوني، فمن أجل الحصول على بيت معقول، يتطلب ذلك 500 دولار تقريبا إجارا شهريا، ومثله يُدفع كتأمين للمنزل، ومثله أيضا عمولة للوسيط. وبالنظر إلى الدخل اليومي للسوريات العاملات الذي لا يتجاوز الـ25 ليرة تركية، أي ما يعادل 10 دولارات تقريبا، تصبح فكرة الحصول على منزل كارثية.

تستذكر الأرملة أم علاء (45 سنة) من مدينة دير الزور، وهي أم لثلاثة أطفال، كيف أمضت ساعات من المشي يوميا ولمدة 5 أيام في شوارع غازي عنتاب بحثاً عن منزل بسعر يتناسب مع إمكانياتها، حتى وصل بها الحال إلى استئجار قبو مخصص للتخزين في حي دوزتبه الشعبي. وعن رحلتها الشاقة تقول أم علاء: "بعد بحث طويل بلا جدوى، اضطررت إلى استئجار قبو كان بالأصل مستودعا، بمبلغ 200 ليرة شهريا، مع العلم أن كلفة استئجاره لا تتجاوز الخمسين ليرة. المكان غير مجهز بمطبخ وحمام، ولكنه أفضل من المبيت في الحدائق".

وتتعثر رحلة البحث عن مسكن بالنسبة للطالبات بالشروط التعجيزية للمالك، كدفع إيجار عدة أشهر سلفا، ورفض التأجير لغير المتزوجين بحجة البيئة المحافظة للأتراك. لينا (20 سنة) من مدينة حلب، تحاول إيجاد غرفة قريبة من الجامعة بعد قبولها في كلية الهندسة الغذائية في جامعة غازي عنتاب، لكن دون جدوى. فمعظم المكاتب العقارية يستغلون حاجة السوريات للسكن لفرض شروطهم المبالغ فيها، علما أن نفس المنزل يتم تأجيره للأتراك بسعر أقل بكثير.

ولمواجهة أزمة السكن، لا سيما للطالبات، برزت فكرة السكن الجماعي للتخفيف من عبء تكاليف الإيجارات. ولكن الأمر لم يخل من بعض العقبات التي تتعلق بصغر حجم البيوت، والتي تعرف باسم (استديو)، بالإضافة إلى مشكلة عدم التكيف فيما بينهن. وعن تجربة السكن الجماعي، تحدثنا ولاء (21 سنة) قائلة: "السكن مع 3 فتيات أو أكثر في منزل صغير أمر مزعج، فهناك من تريد الدراسة، وأخرى تريد النوم، وثالثة مشاهدة التلفاز، وبالتالي ليس هناك أي قدرة على التصرف بحرية تامة. وكوننا في الغالب من بيئات مختلفة، ينعكس هذا الأمر على علاقتنا ببعضنا ومدى تأقلمنا على عاداتنا المختلفة".

ومع افتتاح الجامعات، ازدادت حدة الأزمة أكثر. فغالبية طلاب غازي عنتاب من أبناء القرى، وبعودتهم إلى المدينة تتضاءل الآمال في إيجاد منزل بسعر مقبول، الأمر الذي يتعاظم معه جشع المكاتب العقارية التي ترفع الأسعار، بسبب ازدياد الإقبال على استئجار المنازل من قبل الطلاب الأتراك.

تمتلئ مخيلة نساء سورية بصور لمنازل دافئة عشنَ فيها لسنوات طوال، مع ذكريات جميلة يمر شريطها في البال كلما ضاقت بهن تلك الخيام والجدران. لكن الأمل بعودتهن إلى ديارهن يبقى حاضراً في الذاكرة.

المساهمون