تزامناً مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وفي تطور كاشف لحالة القمع التي تحياها مصر في ظل النظام الحالي، أعلن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن نقل برامجه الإقليمية والدولية خارج مصر، بعد عشرين عاماً من العمل داخل الأراضي المصرية.
وأرجع المركز قراره إلى التهديدات المتواصلة التي تتعرّض لها منظمات حقوق الإنسان العاملة في مصر، في ظل إعلان الحرب على المجتمع المدني، وخاصةً بعد المهلة التي أعلنت عنها وزارة التضامن الاجتماعي لما سمّته بـ"الكيانات غير المسجلة"، وتصاعد الضغوط الأمنية الهادفة إلى إغلاق المجال العام أمام كل صوت نقدي مستقل، سواء كان فرداً أو جماعة أو مؤسسة، إسلامياً أو علمانياً، والانهيار المتزايد في ركائز حكم القانون والدستور، وفي وضعية حقوق الإنسان في البلاد بدرجة غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث.
الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي ومتزايد على الخطط الحالية والمستقبلية لبرامج المركز، وقد سبق وأدى إلى إيقاف نشاط كبرى المنظمات الحقوقية غير الحكومية الدولية في مصر منذ عدة أشهر.
وقال بيان المركز، الصادر أمس: "يأمل المركز ألا يضطر مستقبلاً أيضاً إلى نقل برامجه الخاصة بمصر، والتي تشمل برنامج تعليم ونشر ثقافة حقوق الإنسان، والبرنامج الخاصة بالإعلام، وذلك حال استمر المناخ المعادي لمنظمات حقوق الإنسان المستقلة. المركز مسجل في مصر وفقاً للقانون المصري، وهي الدولة الوحيدة ـ من بين الدول العربية وغير العربية المسجل فيها المركز ـ التي تواجه فيها منظمات حقوق الإنسان مثل هذه الضغوط والتهديدات".
وأوضح المركز أن تونس ستكون مقراً لبرامجه الإقليمية والدولية، حيث تمتع المركز بتسجيل قانوني في أعقاب الثورة التونسية، التي كانت أهم إنجازاتها في الأسابيع الأولى للثورة، إصدار قانون ديمقراطي للجمعيات الأهلية يتّسق مع المعايير الدولية.
تضييق حكومي
وخلال العامين الماضيين، اضطر المركز ـ في اللحظات الأخيرة ـ إلى نقل بعض أنشطته الإقليمية إلى دول عربية أخرى، نظراً لمنع السلطات المصرية دخول بعض الحقوقيين العرب وإساءة معاملتهم في مطار القاهرة، وإعادتهم لبلادهم بشكل تعسفي دون إبداء أسباب، أو لتعذّر حصول بعضهم على تأشيرة الدخول لمصر، أو التباطؤ الشديد غير المبرر في إصدارها.
وطال هذا التعسف أيضاً مسؤولين في الأمم المتحدة، وجدوا صعوبة وتباطؤاً غير مبرر لعدة أشهر، في الحصول على تأشيرة الدخول لمصر لمتابعة مهامهم الرسمية.
كما يشكو بعض الأكاديميين غير المصريين من شعورهم بعدم الأمان عند اضطلاعهم ببعض المهام البحثية في مصر، والتي يتم على أثرها توقيفهم في مطار القاهرة لفترة أطول من المعتاد، وتوجيه أسئلة غير معتادة إليهم، وتفتيش حقائبهم في غيابهم، دون استئذان أو إخطار. كما يراود الشك بعضهم بأنهم مُتابَعون أمنياً، بسبب آرائهم المستقلة في مقالاتهم وأبحاثهم النقدية المنشورة.
تقدير دولي
يذكر أن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان يتمتع بوضع استشاري خاص لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، كما يحظى بوضع المراقب لدى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وهو أيضاً عضو في عدة شبكات ومنظمات دولية غير حكومية. وقد حصد المركز جائزة الجمهورية الفرنسية لحقوق الإنسان، وجائزة مكتبة الإسكندرية لحرية التعبير.
والمركز يحظى بتسجيل قانوني في عدة دول، بينها مصر وسويسرا، حيث يوجد مكتب للمركز يتابع نشاطه مع هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، كما يعتزم المركز إنشاء أكثر من مكتب في دول أخرى في الأشهر المقبلة.
وقام بتأسيس مركز القاهرة، عام 1993، كل من: بهي الدين حسن ود. محمد السيد سعيد.
ونظّم المركز العديد من المؤتمرات الإقليمية والدولية خلال العقدين الماضيين، وذلك في 10 مدن في 9 دول عربية وأفريقية وأوروبية، هي الرباط والدار البيضاء وتونس وبيروت والخرطوم وكمبالا وباريس وكوبنهاجن وبروكسل وجنيف.
كما جرى عرض ومناقشة تقاريره السنوية عن حالة حقوق الإنسان في العالم العربي في عدة جامعات ومراكز بحثية بالولايات المتحدة الأميركية (في واشنطن وهارفارد ونيويورك ولوس أنجلوس). كما أسهم المركز، على مدار السنوات العشرين، في تنسيق المواقف المشتركة بين منظمات حقوق الإنسان في العالم العربي، وطرح مهام مستقبلية مشتركة، منذ مؤتمره الأول بالدار البيضاء 1998.
كما أسهم في إعداد قيادات جديدة لمنظمات حقوق الإنسان في العالم العربي منذ دورته التدريبية الإقليمية الأولى 1996.
وفي الفترة من 8 ـ 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، استضاف المغرب أحدث أنشطة المركز، وهو "المنتدى الدولي الأول لحركة حقوق الإنسان في العالم العربي"، والذي جاء تحت عنوان: "إشكاليات التحوّل الديمقراطي في إطار الربيع العربي وأولويات الإصلاح والتغيير"، الذي عقده المركز بالتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب.
كما عقد المركز في مراكش في 29 من الشهر نفسه، ندوة أخرى في إطار المنتدى العالمي الثاني لحقوق الإنسان، حول مستخلصات المنتدى.
ويعتبر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أكبر ناشر لمطبوعات حقوق الإنسان في العالم العربي بعدد مطبوعات يتجاوز 350 مطبوعة، رغم أنه ليس داراً محترفة في صناعة النشر.
بالإضافة إلى إعادة طبع بعض إصداراته في المغرب وإندونيسيا ومصر (الهيئة العامة للكتاب وبالإنجليزية في الجامعة الأميركية)، وحصل أحد كتبه، "حكمة المصريين"، والذي حرره د. محمد السيد سعيد، على جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب.
وتصدر عن المركز المجلة الفصلية المتخصصة في دراسات حقوق الإنسان "رواق عربي"، والتي صدر منها 67 عدداً منذ عام 1996.
وكانت إشكالية "الإسلام السياسي وحقوق الإنسان"، إحدى أهم القضايا التي تناولتها كتب وإصدارات مركز القاهرة، وتركز عليها مؤتمراته على مدى العقدين الماضيين، بمشاركة نخبة من الحقوقيين والأكاديميين في العالم العربي وخارجه. وقد كانت هذه الإشكالية محور أحدث أنشطة المركز ذات الطابع الدولي، حيث استضافت جامعة لندن في سبتمبر الماضي مائدة مستديرة نظمها المركز بمشاركة أكاديميين وحقوقيين من العالم العربي وآسيا وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
يذكر أن المجتمع الدولي يحتفل بيوم حقوق الإنسان كل عام في 10 ديسمبر/ كانون الأول، وذلك في ذكرى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948.