في عام 2011 بدأت ظاهرة الشيخ أحمد الأسير في مدينة صيدا جنوبي لبنان. كانت تعبّر عن مزاج سنيّ لبنانيّ يناصر الثورة السورية ويعترض على إطباق حزب الله سيطرته على مفاصل الدولة اللبنانية، ثم اشتراكه في قمع الثورة السورية.
في عام 2012 بدأت علاقة الفنان فضل شاكر بالأسير، تتطوّر إثر تعزية الأسير بوفاة والدة شاكر. والأخير أحد أبرز المطربين العرب، ذو صوت قويّ، ولكن رقيق، وأحد القلائل الرومانسيين في زمن الأغنية الشبابية السريعة وغير المحترفة.
من رومانسيته وصيداويته وحبّه للناس وغضبه من الصور والفيديوهات الصادمة التي بدأت تتسرّب معبّرة عن حجم القتل والتنكيل السوري والإيراني بالثوار السوريين، من كلّ هذه الخلطة، خرج شاكر من لباس المطرب وارتدى ثوب التشدّد.
في أولى مقابلاته التلفزيونية في ربيع عام 2012، ويبيّنها الفيديو المرفق بالنصّ، أطلّ فضل شاكر بلحية كانت في بداية تطوّرها ورحلتها إلى التشابه مع لحى بعض المتشددين. وفي المقابلة الأولى مع تلفزيون "المستقبل" تحدّث عن قتل مناصرين للنظام الأسدي شاباً من آل الناتوت، في صيدا.
من الظلم أيضاً بدأت رحلة شاكر. من ممارسات صيداوية ولبنانية عموماً، يقوم بها مناصرو "حزب الله" والنظام السوري، في يومياتهم، وليس فقط من دعم الثورة السورية. وأعلن في المقابلة الأولى أنّ "الجمهور اللي مع النظام السوري لا يهمّني ولا أريده أن يحبّني وأتنازل عن حبّه لي". وقال إنّه يجهّز أناشيد وليس أغنيات "دفاعاّ عن المظلومين والمقهورين في العالم".
وقال: "هذه الدنيا لا تعنيني وفنّي لا يعنيني. أريد رضا الله، وأخجل أن أقارن فنّي بالقضية التي أدافع عنها اليوم". ودعا فنانات كنّ صديقاته إلى لبس الحجاب، ومنهنّ شيرين عبد الوهاب.
هكذا انتقل من الظلم السياسي والاجتماعي، إلى دعم شيخ متطرّف هو الأسير، ثم إلى التشدّد الديني والدعوة إلى عدم التدخين وإلى الحجاب، وبعد كلّ هذا وصل إلى التطرّف العسكري في الدفاع عن القضية التي يناصرها. وذلك حين سخر من قتلى الجيش اللبناني وجرحاه، من دون أن يسمّي الجيش.
وفي هذا إعلان انحيازه إلى من يحاربون الجيش، وقراره بأن يتحوّل من ناشط بين الفنّ والسياسة إلى طريد ومطلوب. وصولا إلى صدور قرار عن المحكمة يطلب له الإعدام.
فقد ذهب بعيداً فضل شاكر في شتم قيادات لبنانية. واتّهم استخبارات الجيش اللبناني بأنّها "شيعية".
وقال عن الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله إنّه "حسن نصر الشيطان". وتابع: "أيّ إنسان تابع لحركة الزعران وحسن نصر الشيطان صار هدفاً لي، وأخذت فتوى شرعية من علمائنا، وأعطيت وعداً لشيخي الأسير بأن أهدأ قليلاً، ولكننا سنأخذ حقّنا بأيدينا، لأنّه لا يوجد دولة ولا قضاء في هذه الدولة". وكان يقصد حركة "أمل" بـ"حركة الزعران" وحسن نصر الله بـ"حسن نصر الشيطان". وهدّد رئيس بلدية حارة صيدا بالقتل. وقال الكثير الكثير.
اليوم عاد فضل شاكر إلى صورته الأولى التي كانت في عام 2012. كما في مقابلته الأولى، عاد على شاشة LBCI حليقاً يلبس بذلة رسمية بدل الثياب الرياضية التي واظب على ارتدائها خلال "سنوات الضياع".
ثلاث سنوات كانت كافية ليعود فضل شاكر إلى شفرة الحلاقة والبذلة. ليترك ملابس الميدان والشوارع التي شارف على أرصفتها أن يصير قاتلا، ويعود إلى الصالون، حيث استقبل مراسل LBCI.
عبّر فضل شاكر، في انتقاله من عالم الغناء والفنّ والترفيه والتسلية، إلى عالم التطرّف والغضب والعسكرة، عبّر عن لحظة انفلات العصبيات في المشرق العربي كلّه. عن لحظة خلع خلالها الجميع ثياب الصالونات ونزلوا إلى الميدان، حيث قَتَلوا وقُتِلوا. فقدوا إيمانهم بالدولة، كلّهم، تماماً مثله، وقرّروا أنّه آن الأوان ليأخذوا حقوقهم بأيديهم. تماماً مثل فضل شاكر.
في المقابلة مع LBCI بدل السلاح الذي كان يظهر وهو يحمله مرّات عديدة عاد وأبرز آلة العود وراءه خلال المقابلة التلفزيونة. وتمنّى العودة إلى حياته الطبيعية "بين أهلي وأصحابي". وقال: "مشيتُ في هذه الطريق لأستخدم صوتي كي أخدم الدين بالأناشيد. فأنا تأثّرت بما يجري كما تأثّرت حين استشهد الرئيس رفيق الحريري".
وتملّص من أحداث "عبرا" التي سخر خلالها من قتلى الجيش، قائلاً: "حين بدأت أحداث عبرا كنتُ نائما، ولم أشارك في معركة عبرا. فلا أطلقت النار ولا شاركت في المعركة، والجيش يعرف".
وأكّد أنّ علاقته كانت سيئة بالشيخ الأسير في الفترة الأخيرة. وأعلن أنّه كان قد تعاون مع عدد من الأجهزة الأمنية، ليخرج من صيدا قبل معركة عبرا. وعاد يخاطب القضاء والجيش، بعدما كان اعتبر أنّه "يجب أن نأخذ حقّنا بأيدينا".
وختاماً تمنّى تحرير مخطوفي الجيش اللبناني في جرود عرسال، قائلا بالحرف: "أنا لستُ مع القتل والخطف". وهنا كانت الجملة المفتاح. فالرجل – المطرب الذي توعّد بالقتل مرّات كثيرة، أعلن أنّه عاد ضدّ القتل.
ثلاث سنوات استغرقها كي ينتقل من ربيع 2012 إلى ربيع 2015. أو ربّما من الربيع العربي إلى ربيع التسويات. والمفارقة أنّ المراسل الذي قابلة في شارع صيداوي، بكاميرا otv اللبنانية، حيث هدّد بالقتل يميناً ويساراً، هو نفسه الذي عاد وقابله بكاميرا LBCI بعد ثلاث سنوات، في مخبئه الصيداوي، حيث تلا فعل الندامة.
وكما عبّر عن انفلات المشرق من عقله بين عامي 2011 و2012، ربّما، أو نأمل، أن يعبّر عن انتهاء سنوات المراهقة العسكرية وعودة العقل، وعودة الناس من الميادين إلى الصالونات، ومن المهرجانات السياسية إلى المهرجانات الغنائية في عام 2015.