11 نوفمبر 2024
فشل منطقي لمفاوضات سد النهضة
تبدأ، اليوم الإثنين، الجولة الأخيرة في المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن قضية سد النهضة الإثيوبي. وهي الجولة السادسة في حزمة المفاوضات التي تجري في واشنطن، بمشاركة أميركية أقرب إلى الاستضافة، وبحضور ممثل عن البنك الدولي. ويمكن توقّع نتائج هذه الجولة بسهولة وثقة، فبعد فشل خمس جولات سابقة جرت خلال الشهرين الماضيين، لا يمكن بحال التوصل إلى اتفاق في هذه الجولة الأخيرة، خصوصاً مع استمرار التباعد في المواقف التفاوضية بين مصر وإثيوبيا. ويؤكد هذا التوقع أن الدولتين لم تنتظرا جولة اليوم، وسارعتا إلى إصدار بيانات رسمية يشي مضمونها بأن المفاوضات قد فشلت بالفعل، وتبادلتا الاتهام بالمسؤولية عن ذلك الفشل. وتحوّل المشهد سريعاً إلى حالة تراشق إعلامي ودبلوماسي، ووصلت حدة التصريحات بين الدولتين إلى اتهام كل منهما الأخرى بالتعنت، وتعمّد عدم التوصل إلى اتفاق. جاءت شرارة التوتر الأولى من إثيوبيا، بصدور بيانٍ من وزارة الخارجية الإثيوبية اتهمت فيه القاهرة بإفشال المفاوضات. وبعد ساعات، جاء رد وزارة الخارجية المصرية مباشراً وأكثر حدّة، ببيانٍ اتهمت فيه أديس أبابا بالتعنت والتمترس وراء موقف جامد، يرفض كل الحلول والاقتراحات التي تقدمت بها مصر. والسعي إلى استكمال السد وملئه وتشغيله منفردة، أياً كان ما سيحدثه ذلك من إضرار بالغ بمصر. ولا دلالة مهمة هنا لتحديد أي الطرفين بدأ باتهام الآخر، فالثقة بينهما شبه منعدمة. وخاض كل منهما حزمة المفاوضات أخيرا، فقط لتجنب المسؤولية عن الإخفاق، ولإظهار حسن النية، من دون تغيير حقيقي في المواقف والمنطلقات على الجانبين.
في أجواء شديدة التوتر والاحتقان كهذه، لا يمكن بحال انتظار نتائج إيجابية لجولة مفاوضات أخيرة، كان يفترض أن تكون إجرائيةً وتخصص لصياغة بنود اتفاق قانوني، يؤطّر الاتفاقات الفنية التي تم التوصل إليها في الجولات الخمس السابقة، وهو ما لم يحدث. كانت فكرة خوض مفاوضات جديدة في واشنطن قد تبلورت، بعد أن أعلنت مصر، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فشل المفاوضات السابقة مع إثيوبيا. ولجأت القاهرة إلى الاستنجاد بالولايات المتحدة الأميركية، طمعاً في ممارسة البيت الأبيض ضغطاً على إثيوبيا يكفل إنجاز اتفاق يراعي مصالح مصر. وتم بالفعل ترتيب تلك الحزمة من المفاوضات برعاية (بالأحرى استضافة) أميركية، ولم يكن لواشنطن أي دور فعلي في المفاوضات، ولم تقم بأي محاولة تقريب وجهات النظر. وكذلك الأمر بالنسبة للبنك الدولي الذي يحضر المفاوضات بصفة "مراقب"، من دون توضيح أو تحديد لمضمون أو حدود دور البنك، بعد أن يقوم "بالمراقبة".
وهنا ينبغي تذكّر أن موافقة إثيوبيا على الذهاب إلى واشنطن كانت مشروطة بأن تكون المفاوضات سياسية لا فنية.. مع تأكيد أن دور واشنطن ليس "وسيطاً"، ففقدت المفاوضات جدواها من قبل أن تبدأ. ولمّا كانت هذه نوايا إثيوبيا المعلنة مسبقاً بشكل رسمي قبل بدء المفاوضات من شهرين. وليس من المحتمل في المطلق أن تنقلب تلك المعطيات اليوم أو غداً. فلا واشنطن ستتدخل أو تضغط على أي طرف، وإلا لفعلت ذلك في أيٍّ من الجولات السابقة. ولا البنك الدولي مُخوّل (بل غير معني أصلاً) بالتدخل. ولا إثيوبيا ستقدّم أي تنازلات حقيقية أو تغيرات مهمة في مواقفها.
إذن لم يطرأ أي جديد على معطيات التفاوض، ولم يحقق انضمام الطرفين الجديدين (واشنطن والبنك الدولي) سوى زيادة عددية في المقاعد المحيطة بمائدة المباحثات، من دون أي قيمة مضافة لمضمون العملية التفاوضية أو آلياتها. ومن السذاجة السياسية انتظار تقدّم غير منطقي أو تمني مفاجأة في جولة أخيرة بعد خمس جولات فشلت بجدارة.
وهنا ينبغي تذكّر أن موافقة إثيوبيا على الذهاب إلى واشنطن كانت مشروطة بأن تكون المفاوضات سياسية لا فنية.. مع تأكيد أن دور واشنطن ليس "وسيطاً"، ففقدت المفاوضات جدواها من قبل أن تبدأ. ولمّا كانت هذه نوايا إثيوبيا المعلنة مسبقاً بشكل رسمي قبل بدء المفاوضات من شهرين. وليس من المحتمل في المطلق أن تنقلب تلك المعطيات اليوم أو غداً. فلا واشنطن ستتدخل أو تضغط على أي طرف، وإلا لفعلت ذلك في أيٍّ من الجولات السابقة. ولا البنك الدولي مُخوّل (بل غير معني أصلاً) بالتدخل. ولا إثيوبيا ستقدّم أي تنازلات حقيقية أو تغيرات مهمة في مواقفها.
إذن لم يطرأ أي جديد على معطيات التفاوض، ولم يحقق انضمام الطرفين الجديدين (واشنطن والبنك الدولي) سوى زيادة عددية في المقاعد المحيطة بمائدة المباحثات، من دون أي قيمة مضافة لمضمون العملية التفاوضية أو آلياتها. ومن السذاجة السياسية انتظار تقدّم غير منطقي أو تمني مفاجأة في جولة أخيرة بعد خمس جولات فشلت بجدارة.