عاد ملف المهاجرين مجدداً إلى الواجهة في أوروبا، خصوصاً مع الفشل في منع تدفقهم عبر البحر المتوسط. إيطاليا التي تستقبل سواحلها النسبة الأكبر تهدد الشمال الأوروبي بفتح الحدود أمام هؤلاء
تبرز قضية الهجرة مجدداً لتسلط الضوء على الخلاف الأوروبي في خصوصها. التراشق الإيطالي - النمساوي وصل إلى قمته هذا الصيف بتهديد فيينا بنشر جيشها لمنع تدفق المهاجرين. بعض الدول الأوروبية الأخرى، ومنها دول في الشمال، تدعو روما لاتخاذ خطوات أخرى و"وقف نقل مراكب المهاجرين من البحر المتوسط إلى السواحل الإيطالية بل إعادتهم إلى الشاطئ الجنوبي". بالإضافة إلى ذلك، ينعكس الخوف من المهاجرين في أقاليم إيطاليا الشمالية هذا الصيف باستغلال يميني لحصد مزيد من الشعبية، كما هو الحال في النمسا حيث تتعالى أصوات لجذب أصوات الناخبين قبل 3 أشهر من الانتخابات العامة محذرة من "تدفق البنغاليين نحو أوروبا".
أرقام جديدة
غير بعيد عن الجدل الأوروبي المتواصل منذ عام 2014، يشبّه البعض هذا المأزق بـ"حلقات مسلسل طويلة غير منتهية"، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية. عام 2015 قدّرت منظمات الهجرة تدفق نحو مليون إنسان إلى أوروبا. العام الماضي انخفض العدد إلى 360 ألفاً، وهو ما يردّه البعض إلى الاتفاق التركي الأوروبي لمنع إبحار اللاجئين نحو اليونان وإعادة من يصلون والإغلاق الكامل لطريق البلقان.
المخاوف الأوروبية الجديدة تتعلق أيضاً بنوعية المهاجرين الآتين أخيراً، وكذلك ما يجري على الشواطئ الليبية من ممارسات "بشعة". فالحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها بالنسبة لمختصي مسارات الهجرة هي الموت الذي يترافق مع الإبحار بمراكب التهريب، مع مقتل نحو 2400 إنسان في 6 أشهر فقط، وهم من كشفت عنهم تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. يأتي ذلك إلى جانب ما تكشفه أهوال الاستغلال البشع في الطريق نحو شواطئ التهريب في شمال أفريقيا بأثمان بشرية يكشف عن بعضها، وأخرى يخشى من كونها غير مكتشفة بعد.
يبدو أن هذا المسلسل مستمر إلى ما لا نهاية، بالرغم من كلّ الكلام عن وجوب إيجاد حلول جذرية في دول المنشأ، والدفع نحو حلّ سياسي أمني في ليبيا، بصفتها باباً رئيساً للتهريب. فقد عبّر نائب رئيس المفوضية، السياسي الهولندي فرانس تيمرمانس، عن استمرار هذه الأزمة بالقول "مسألة الهجرة لن تختفي اليوم أو غداً ولا العام المقبل ولا في العقد أو العقدين المقبلين، هي ظاهرة عالمية ستبقى قائمة لأجيال".
اقــرأ أيضاً
منذ بداية العام الحالي 2017، وحتى منتصف يوليو/ تموز الماضي، شهدت الشواطئ الأوروبية استقبال نحو 103 آلاف مهاجر بحراً من شواطئ جنوب المتوسط. وكان نصيب إيطاليا العدد الأكبر، بنحو 90 ألفاً، بينما تزايدت أعداد الواصلين إلى إسبانيا بواقع 6524 مهاجراً. ولم تكن قبرص بعيدة عن استقبال المئات أيضاً، إلى جانب استمرار وصول القوارب إلى الجزر اليونانية بالرغم من الاتفاق مع أنقرة.
وفي حين طغت أعداد السوريين على الواصلين إلى الشواطئ الأوروبية خلال مواسم الهجرة الأخيرة، فإنّ القلق الأوروبي الحالي هو بسبب التدفق الأفريقي الكبير بنسب تفوق 60 في المائة. وتتربع نيجيريا بنحو 15 في المائة قائمة دول المنشأ الأفريقي وساحل العاج بـ10 في المائة والمغرب وإريتريا بـ5 في المائة لكلّ منهما. مع ذلك، فإنّ أرقام الأمم المتحدة تلك، التي تبرز انخفاض نسبة السوريين إلى نحو 6 في المائة من مهاجري القوارب، تقلق الأوروبيين وتدفعهم إلى التركيز على بنغلادش كدولة منشأ جديدة.
البنغاليون يصلون
في البحث عن هذا القلق الأوروبي في أوساط اجتماعية قومية، تتحدث "العربي الجديد" إلى الخبير في سياسة الهجرة الأوروبية ستيفان نوربي، من منظمة ضغط دنماركية قريبة من اليمين تسعى لوقف الهجرة. بالنسبة إليه، فإنّ "المخاوف حقيقية من البنغاليين خصوصاً، ليس لأنّنا نحمل شيئاً ضدهم، بل لأنّ هناك الملايين منهم يعملون في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، يرسلون نقوداً إلى أهلهم وهذا حقهم، لكنّ سوء أوضاع كثيرة في دول عديدة وانخفاض الطلب على اليد العاملة وإنهاء عقود عمل من بنغلادش في السعودية وسنغافورة بفعل أزمات اقتصادية وانخفاض أسعار النفط، كلّها تدفع بالملايين من البنغاليين للبحث عن هجرة اقتصادية إلى أوروبا... وهذا يعني بالنسبة لمجتمعاتنا أنّنا لسنا في مواجهة مهاجرين بل سيتعين علينا تفريغ جيوب دافعي الضرائب لاستقبال هؤلاء بتكاليف اقتصادية ضخمة لا يكون هناك عائد من ورائها إذا ما راجعنا أرقام من يلتحقون بسوق العمل في دولنا ونشوء مجتمعات الضواحي والعيش على المساعدات. لذلك، فإنّ سياسة استقبال البنغاليين ستفتح الباب أمام الملايين من الدول الآسيوية الفقيرة الأخرى، وهو أمر لا يمكن تحمله أوروبياً".
ما تذكره أرقام منظمة الهجرة الدولية حول المهاجرين البنغال هو ما يقلق نوربي وفئات اجتماعية وسياسية أوروبية مختلفة. فوفقاً للأرقام الرسمية، فإنّ 20 مليون بنغالي انتقلوا إلى الهند خلال العقد الماضي بحثاً عن الهجرة، بالإضافة إلى معاناة أقلية الروهينغا في ميانمار التي أدت إلى ضغط إضافي بالملايين.
خلال الأشهر الماضية شكل البنغاليون 10 في المائة من مهاجري القوارب نحو السواحل الأوروبية. وبحسب ما تذكر منظمة الهجرة الدولية، فإنّ سوق تهريب البنغاليين نحو ليبيا ومنها إلى إيطاليا تزدهر. وتكشف منظمة الهجرة الدولية أنّ مهرّبي البشر في ليبيا جاهزون لنقل البنغاليين إلى مخابئ غير إنسانية "فيها ممارسات بشعة وخداع وعبودية"، وفقاً لما يذكره أشرف الإسلام، من سفارة بنغلادش في طرابلس. أما كلفة نقل المهاجر البنغالي عبر المتوسط فتبلغ نحو 5 آلاف دولار أميركي. أما تكاليف الرحلة كاملة من بنغلادش إلى إيطاليا فتبلغ نحو 10 آلاف دولار.
انعكاسات مقلقة
عبّر وزير الهجرة واللجوء البلجيكي ثيو فرانكين، بوضوح عن عمق الأزمة الأوروبية في ما يتعلق بـ"جنون مساهمة البعثة الأوروبية في المتوسط بإنقاذ وسحب مراكب المهاجرين غير الشرعيين نحو الشواطئ". فلو كان الأمر في يد هذا السياسي، وهو من الحزب الشعبوي الفلمنكي، فإنّ ما يجب أن تقوم به البعثات البحرية الأوروبية في البحر المتوسط هو التقاط المهاجرين وإنقاذ مراكبهم وإعادتهم إلى الشواطئ الجنوبية. تصريحات فرانكين مع إشارات أخرى من دول أوروبية غير راضية عن زيادة التدفق، دفعت منظمات حقوقية والصليب الأحمر في عدد من الدول إلى انتقاد لاذع لتركيز الأوروبيين على منع اقتراب القوارب من الشواطئ "وترك الناس يغرقون ويموتون كحلّ وقائي"، بحسب ما خرج به أمين عام منظمة عون اللاجئين في كوبنهاغن أندرس كام، من خلال رسالة مفتوحة وجهها إلى قادة الاتحاد الأوروبي. لكنّ فرانكين أوضح موقفه: "بالتأكيد يجب إنقاذ الناس، لكن لا يجب جلبهم إلى أوروبا، فتلك سياسة خاطئة وتجذب المزيد من المهاجرين".
ليست حالة التراشق بين الأوروبيين جديدة، ففي عام 2015 برز نزاع إيطالي - فرنسي شبيه بما هو عليه في يوليو/ تموز 2017 بين روما من جهة وعدد من الدول الأوروبية.
خلال نصف عام، منذ يناير/ كانون الثاني وحتى 13 يوليو/ تموز، وصل إلى السواحل الإيطالية نحو 90 ألفاً ممن تطلق عليهم تسمية "كلانديستيني" كتعبير عن "المهاجرين غير الشرعيين" في إيطاليا. هؤلاء المهاجرون الذين ينتشرون في معسكرات مؤقتة وفي الشوارع الإيطالية بعدد يفوق 200 ألف، يثيرون مخاوف كثيرة. فبين سياسة أوروبية ترغب بوقف تدفق هؤلاء من شواطئ شمال أفريقيا، خصوصاً الشواطئ الليبية، واتهامات إيطالية لدول الاتحاد الأوروبي بـ"التخلي" عن مساعدتها ومساعدة اليونان في الأزمة، يتدفق أسبوعياً الآلاف من مهاجري القوارب.
إلى جانب السجال بين روما وفيينا ودول اسكندنافيا، القلقة من معطيات الهجرة واللجوء إلى البر الأوروبي، يبرز داخل إيطاليا استغلال واضح لهذه الأزمة. فالسياسيون في روما يجدون أنفسهم تحت ضغط كبير بسبب تعالي الأصوات الداخلية المطالبة بوقف الهجرة تماماً، وقد هددوا الدول الأوروبية الأخرى بأنّها "إذا لم تتحرك نحو سياسة توزيع فعالة للاجئين، فإن إيطاليا ستفتح أبوابها شمالاً لتوزيعهم نحو الدول الأوروبية".
التهديد الإيطالي يتمثل في إصدار تاشيرات مؤقتة للمنتظرين على أراضيها، تمنحهم حرية الخروج نحو أوروبا. وهو ما أثار خوف وزراء خارجية أوروبيين آخرين كوزير خارجية الدنمارك أندرس صامويلسن. خطوة كتلك من الجانب الإيطالي ستغرق الدول الأوروبية بعشرات آلاف المهاجرين. من دون تقديم بدائل وحلول، يذهب صامويلسن إلى تحذير روما من أنّ "هذا الحل لن يسهّل وضع إيطاليا بل سيزيد من التحديات. تلك خطوة سترسل إشارة سيئة للآخرين الذين يخططون للمجيء إلى إيطاليا، وهو ما سيزيد الثقوب في سياسة الهجرة الأوروبية".
وبينما تفيد التقارير المتخصصة في إيطاليا بأنّ كلّ طالب لجوء يضع قدمه على الأرض الإيطالية يكلف الاقتصاد الإيطالي يومياً 35 يورو في المتوسط، فقد أبرزت عمليات لوحدات مكافحة المافيا أوقفت خلالها 68 شخصاً في مايو/ أيار الماضي، أنّ المافيا دخلت على الخط وجعلت من مسألة طلب اللجوء صناعة تدرّ المال عليها. فبحسب ما رشح من عمليات التوقيف تلك، فإنّ ملايين اليوروهات التي خصصها الاتحاد الأوروبي لإيواء وإطعام المهاجرين باتت تستغلها المافيا باعتبارها أعمالاً تجارية من خلال الالتفاف على القانون والنفاذ حتى إلى إدارة مخيمات طالبي اللجوء. وبينت التحقيقات كيف يجري تجويع طالبي اللجوء بتخفيض ما يقدم من طعام وإسكانهم في ظروف غير إنسانية لمصلحة جيوب المافيا.
استغلال يميني
تذهب السلطات الإيطالية في تقاريرها الرسمية إلى تقدير نسبة المهاجرين الاقتصاديين بـ80 في المائة من الآتين عبر البحر المتوسط. ويكلف استقبال المهاجرين البلديات والمقاطعات الإيطالية سنوياً نحو 5 مليارات يورو. وهو ما يؤدي إلى حالة من التذمر بين مواطني عدد من المدن الإيطالية ترفض استقبال مهاجرين بالرغم من الضغوط المركزية. ففي المدن التي تشاهد فيها تكدسات لمهاجري القوارب تحدث مشاحنات وعمليات استغلال يميني.
في الشمال، حيث يهيمن حزب "رابطة الشمال" ذو التوجه القومي اليميني، بات الرفض والتذمر علنياً. يطالب الحزب رؤساء البلديات بـ"طرد المهاجرين من تلك المدن".
وفي فلورنسا، الأغنى في الشمال الإيطالي، وبالرغم من اتفاق بين الحكومة والمدن والبلديات والمقاطعات، رفض المجلس البلدي استقبال وإسكان 500 مهاجر. في هذا الإطار، يقول العضو في "رابطة الشمال" فرانشيسكو بالديني، لـ"العربي الجديد": "تلك السفن التي تأتي من السويد وألمانيا لتنقذ مهاجرين يسعون وراء الثراء فلتأخذهم إلى دولها. هم يتركونهم في شوارعنا لتشعر أنّك في نيجيريا وبنغلادش ومصر، الأمر بالنسبة إلينا لم يعد يحتمل". يتهم بالديني منظمات الإنقاذ الأوروبية بأنّها "منظمات تهريب منظم تحت يافطة إنسانية".
تبرز قضية الهجرة مجدداً لتسلط الضوء على الخلاف الأوروبي في خصوصها. التراشق الإيطالي - النمساوي وصل إلى قمته هذا الصيف بتهديد فيينا بنشر جيشها لمنع تدفق المهاجرين. بعض الدول الأوروبية الأخرى، ومنها دول في الشمال، تدعو روما لاتخاذ خطوات أخرى و"وقف نقل مراكب المهاجرين من البحر المتوسط إلى السواحل الإيطالية بل إعادتهم إلى الشاطئ الجنوبي". بالإضافة إلى ذلك، ينعكس الخوف من المهاجرين في أقاليم إيطاليا الشمالية هذا الصيف باستغلال يميني لحصد مزيد من الشعبية، كما هو الحال في النمسا حيث تتعالى أصوات لجذب أصوات الناخبين قبل 3 أشهر من الانتخابات العامة محذرة من "تدفق البنغاليين نحو أوروبا".
أرقام جديدة
غير بعيد عن الجدل الأوروبي المتواصل منذ عام 2014، يشبّه البعض هذا المأزق بـ"حلقات مسلسل طويلة غير منتهية"، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية. عام 2015 قدّرت منظمات الهجرة تدفق نحو مليون إنسان إلى أوروبا. العام الماضي انخفض العدد إلى 360 ألفاً، وهو ما يردّه البعض إلى الاتفاق التركي الأوروبي لمنع إبحار اللاجئين نحو اليونان وإعادة من يصلون والإغلاق الكامل لطريق البلقان.
المخاوف الأوروبية الجديدة تتعلق أيضاً بنوعية المهاجرين الآتين أخيراً، وكذلك ما يجري على الشواطئ الليبية من ممارسات "بشعة". فالحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها بالنسبة لمختصي مسارات الهجرة هي الموت الذي يترافق مع الإبحار بمراكب التهريب، مع مقتل نحو 2400 إنسان في 6 أشهر فقط، وهم من كشفت عنهم تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. يأتي ذلك إلى جانب ما تكشفه أهوال الاستغلال البشع في الطريق نحو شواطئ التهريب في شمال أفريقيا بأثمان بشرية يكشف عن بعضها، وأخرى يخشى من كونها غير مكتشفة بعد.
يبدو أن هذا المسلسل مستمر إلى ما لا نهاية، بالرغم من كلّ الكلام عن وجوب إيجاد حلول جذرية في دول المنشأ، والدفع نحو حلّ سياسي أمني في ليبيا، بصفتها باباً رئيساً للتهريب. فقد عبّر نائب رئيس المفوضية، السياسي الهولندي فرانس تيمرمانس، عن استمرار هذه الأزمة بالقول "مسألة الهجرة لن تختفي اليوم أو غداً ولا العام المقبل ولا في العقد أو العقدين المقبلين، هي ظاهرة عالمية ستبقى قائمة لأجيال".
وفي حين طغت أعداد السوريين على الواصلين إلى الشواطئ الأوروبية خلال مواسم الهجرة الأخيرة، فإنّ القلق الأوروبي الحالي هو بسبب التدفق الأفريقي الكبير بنسب تفوق 60 في المائة. وتتربع نيجيريا بنحو 15 في المائة قائمة دول المنشأ الأفريقي وساحل العاج بـ10 في المائة والمغرب وإريتريا بـ5 في المائة لكلّ منهما. مع ذلك، فإنّ أرقام الأمم المتحدة تلك، التي تبرز انخفاض نسبة السوريين إلى نحو 6 في المائة من مهاجري القوارب، تقلق الأوروبيين وتدفعهم إلى التركيز على بنغلادش كدولة منشأ جديدة.
البنغاليون يصلون
في البحث عن هذا القلق الأوروبي في أوساط اجتماعية قومية، تتحدث "العربي الجديد" إلى الخبير في سياسة الهجرة الأوروبية ستيفان نوربي، من منظمة ضغط دنماركية قريبة من اليمين تسعى لوقف الهجرة. بالنسبة إليه، فإنّ "المخاوف حقيقية من البنغاليين خصوصاً، ليس لأنّنا نحمل شيئاً ضدهم، بل لأنّ هناك الملايين منهم يعملون في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، يرسلون نقوداً إلى أهلهم وهذا حقهم، لكنّ سوء أوضاع كثيرة في دول عديدة وانخفاض الطلب على اليد العاملة وإنهاء عقود عمل من بنغلادش في السعودية وسنغافورة بفعل أزمات اقتصادية وانخفاض أسعار النفط، كلّها تدفع بالملايين من البنغاليين للبحث عن هجرة اقتصادية إلى أوروبا... وهذا يعني بالنسبة لمجتمعاتنا أنّنا لسنا في مواجهة مهاجرين بل سيتعين علينا تفريغ جيوب دافعي الضرائب لاستقبال هؤلاء بتكاليف اقتصادية ضخمة لا يكون هناك عائد من ورائها إذا ما راجعنا أرقام من يلتحقون بسوق العمل في دولنا ونشوء مجتمعات الضواحي والعيش على المساعدات. لذلك، فإنّ سياسة استقبال البنغاليين ستفتح الباب أمام الملايين من الدول الآسيوية الفقيرة الأخرى، وهو أمر لا يمكن تحمله أوروبياً".
ما تذكره أرقام منظمة الهجرة الدولية حول المهاجرين البنغال هو ما يقلق نوربي وفئات اجتماعية وسياسية أوروبية مختلفة. فوفقاً للأرقام الرسمية، فإنّ 20 مليون بنغالي انتقلوا إلى الهند خلال العقد الماضي بحثاً عن الهجرة، بالإضافة إلى معاناة أقلية الروهينغا في ميانمار التي أدت إلى ضغط إضافي بالملايين.
خلال الأشهر الماضية شكل البنغاليون 10 في المائة من مهاجري القوارب نحو السواحل الأوروبية. وبحسب ما تذكر منظمة الهجرة الدولية، فإنّ سوق تهريب البنغاليين نحو ليبيا ومنها إلى إيطاليا تزدهر. وتكشف منظمة الهجرة الدولية أنّ مهرّبي البشر في ليبيا جاهزون لنقل البنغاليين إلى مخابئ غير إنسانية "فيها ممارسات بشعة وخداع وعبودية"، وفقاً لما يذكره أشرف الإسلام، من سفارة بنغلادش في طرابلس. أما كلفة نقل المهاجر البنغالي عبر المتوسط فتبلغ نحو 5 آلاف دولار أميركي. أما تكاليف الرحلة كاملة من بنغلادش إلى إيطاليا فتبلغ نحو 10 آلاف دولار.
انعكاسات مقلقة
عبّر وزير الهجرة واللجوء البلجيكي ثيو فرانكين، بوضوح عن عمق الأزمة الأوروبية في ما يتعلق بـ"جنون مساهمة البعثة الأوروبية في المتوسط بإنقاذ وسحب مراكب المهاجرين غير الشرعيين نحو الشواطئ". فلو كان الأمر في يد هذا السياسي، وهو من الحزب الشعبوي الفلمنكي، فإنّ ما يجب أن تقوم به البعثات البحرية الأوروبية في البحر المتوسط هو التقاط المهاجرين وإنقاذ مراكبهم وإعادتهم إلى الشواطئ الجنوبية. تصريحات فرانكين مع إشارات أخرى من دول أوروبية غير راضية عن زيادة التدفق، دفعت منظمات حقوقية والصليب الأحمر في عدد من الدول إلى انتقاد لاذع لتركيز الأوروبيين على منع اقتراب القوارب من الشواطئ "وترك الناس يغرقون ويموتون كحلّ وقائي"، بحسب ما خرج به أمين عام منظمة عون اللاجئين في كوبنهاغن أندرس كام، من خلال رسالة مفتوحة وجهها إلى قادة الاتحاد الأوروبي. لكنّ فرانكين أوضح موقفه: "بالتأكيد يجب إنقاذ الناس، لكن لا يجب جلبهم إلى أوروبا، فتلك سياسة خاطئة وتجذب المزيد من المهاجرين".
ليست حالة التراشق بين الأوروبيين جديدة، ففي عام 2015 برز نزاع إيطالي - فرنسي شبيه بما هو عليه في يوليو/ تموز 2017 بين روما من جهة وعدد من الدول الأوروبية.
خلال نصف عام، منذ يناير/ كانون الثاني وحتى 13 يوليو/ تموز، وصل إلى السواحل الإيطالية نحو 90 ألفاً ممن تطلق عليهم تسمية "كلانديستيني" كتعبير عن "المهاجرين غير الشرعيين" في إيطاليا. هؤلاء المهاجرون الذين ينتشرون في معسكرات مؤقتة وفي الشوارع الإيطالية بعدد يفوق 200 ألف، يثيرون مخاوف كثيرة. فبين سياسة أوروبية ترغب بوقف تدفق هؤلاء من شواطئ شمال أفريقيا، خصوصاً الشواطئ الليبية، واتهامات إيطالية لدول الاتحاد الأوروبي بـ"التخلي" عن مساعدتها ومساعدة اليونان في الأزمة، يتدفق أسبوعياً الآلاف من مهاجري القوارب.
إلى جانب السجال بين روما وفيينا ودول اسكندنافيا، القلقة من معطيات الهجرة واللجوء إلى البر الأوروبي، يبرز داخل إيطاليا استغلال واضح لهذه الأزمة. فالسياسيون في روما يجدون أنفسهم تحت ضغط كبير بسبب تعالي الأصوات الداخلية المطالبة بوقف الهجرة تماماً، وقد هددوا الدول الأوروبية الأخرى بأنّها "إذا لم تتحرك نحو سياسة توزيع فعالة للاجئين، فإن إيطاليا ستفتح أبوابها شمالاً لتوزيعهم نحو الدول الأوروبية".
التهديد الإيطالي يتمثل في إصدار تاشيرات مؤقتة للمنتظرين على أراضيها، تمنحهم حرية الخروج نحو أوروبا. وهو ما أثار خوف وزراء خارجية أوروبيين آخرين كوزير خارجية الدنمارك أندرس صامويلسن. خطوة كتلك من الجانب الإيطالي ستغرق الدول الأوروبية بعشرات آلاف المهاجرين. من دون تقديم بدائل وحلول، يذهب صامويلسن إلى تحذير روما من أنّ "هذا الحل لن يسهّل وضع إيطاليا بل سيزيد من التحديات. تلك خطوة سترسل إشارة سيئة للآخرين الذين يخططون للمجيء إلى إيطاليا، وهو ما سيزيد الثقوب في سياسة الهجرة الأوروبية".
وبينما تفيد التقارير المتخصصة في إيطاليا بأنّ كلّ طالب لجوء يضع قدمه على الأرض الإيطالية يكلف الاقتصاد الإيطالي يومياً 35 يورو في المتوسط، فقد أبرزت عمليات لوحدات مكافحة المافيا أوقفت خلالها 68 شخصاً في مايو/ أيار الماضي، أنّ المافيا دخلت على الخط وجعلت من مسألة طلب اللجوء صناعة تدرّ المال عليها. فبحسب ما رشح من عمليات التوقيف تلك، فإنّ ملايين اليوروهات التي خصصها الاتحاد الأوروبي لإيواء وإطعام المهاجرين باتت تستغلها المافيا باعتبارها أعمالاً تجارية من خلال الالتفاف على القانون والنفاذ حتى إلى إدارة مخيمات طالبي اللجوء. وبينت التحقيقات كيف يجري تجويع طالبي اللجوء بتخفيض ما يقدم من طعام وإسكانهم في ظروف غير إنسانية لمصلحة جيوب المافيا.
استغلال يميني
تذهب السلطات الإيطالية في تقاريرها الرسمية إلى تقدير نسبة المهاجرين الاقتصاديين بـ80 في المائة من الآتين عبر البحر المتوسط. ويكلف استقبال المهاجرين البلديات والمقاطعات الإيطالية سنوياً نحو 5 مليارات يورو. وهو ما يؤدي إلى حالة من التذمر بين مواطني عدد من المدن الإيطالية ترفض استقبال مهاجرين بالرغم من الضغوط المركزية. ففي المدن التي تشاهد فيها تكدسات لمهاجري القوارب تحدث مشاحنات وعمليات استغلال يميني.
في الشمال، حيث يهيمن حزب "رابطة الشمال" ذو التوجه القومي اليميني، بات الرفض والتذمر علنياً. يطالب الحزب رؤساء البلديات بـ"طرد المهاجرين من تلك المدن".
وفي فلورنسا، الأغنى في الشمال الإيطالي، وبالرغم من اتفاق بين الحكومة والمدن والبلديات والمقاطعات، رفض المجلس البلدي استقبال وإسكان 500 مهاجر. في هذا الإطار، يقول العضو في "رابطة الشمال" فرانشيسكو بالديني، لـ"العربي الجديد": "تلك السفن التي تأتي من السويد وألمانيا لتنقذ مهاجرين يسعون وراء الثراء فلتأخذهم إلى دولها. هم يتركونهم في شوارعنا لتشعر أنّك في نيجيريا وبنغلادش ومصر، الأمر بالنسبة إلينا لم يعد يحتمل". يتهم بالديني منظمات الإنقاذ الأوروبية بأنّها "منظمات تهريب منظم تحت يافطة إنسانية".