وجد شبان سوريون عالماً افتقدوه بعد إصابتهم في الحرب السورية من خلال تأسيس فريق تطوعي يساعد أقراناً لهم سلبتهم القنابل والقذائف أطرافهم. أسسوا "رُسل" ليكون عوناً في زرع التفاؤل والحثّ على الاستمرار بالحياة
هم مجموعة من الشبان استطاعوا التغلب على إصاباتهم وجعلوا من أوجاعهم دافعاً لمساعدة أقرانهم ممن سلبتهم قنابل طائرات النظام السوري وروسيا وقذائف المدفعية أطرافهم، مؤسسين فريقهم التطوعي الذي حمل اسم "رُسل"، ليثبتوا أن القدرة على العطاء والعمل تتخطّى حدود الجسد، وأن هذه القدرة يقودها الإقدام والإصرار على مواصلة الحياة بالدرجة الأولى.
محمد صبحية، أحد أعضاء الفريق، وجد فيه عالماً افتقده بعد الإصابة. يقول لـ"العربي الجديد": "كنت أفتقد العمل ومساعدة آخرين مثلي أقعدتهم إصاباتهم على كراسيهم المتحركة، وفقدوا عملهم بسبب إعاقتهم الدائمة، لذلك قررنا تأسيس فريق رُسل التطوعي، وأعضاء هذا الفريق هم من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية. هدفنا زرع الثقة والتفاؤل وحثّ من هم مثلنا على العمل والاستمرار بالحياة وتحقيق الغاية والهدف رغم كل الصعاب، وذلك من خلال المشاريع التي نعمل عليها، والعمل الذي نقوم به في الوقت الحالي، وذلك من خلال تأمين مساعدات للمحتاجين ممن يعانون من ذات الإصابات التي نعاني منها، وهي تضرر النخاع الشوكي الذي حرمنا من السير والوقوف على القدمين، عبر حملات التبرع التي ندعو إليها على مواقع التواصل الاجتماعي".
يضيف صبحية: "أقول لجميع من يئس من حياته بسبب إعاقته، ليست الإعاقة أن تكون بلا قدم أو ساق أو أن تكون على كرسي متحرك، إن الإعاقة أن تكون بلا همة وإرادة وغاية وهدف. بالهمة نتفوق على كلّ مصاعب الحياة، علينا التفاؤل والعمل وترقب ما هو أفضل بشكل دائم".
وللفريق تأثير كبير على حياة صبحية، إذ يقول: "أثر فريق رُسل في حياتي بعدة نواحي، فقد أثبت لي أنه لا يوجد في الحياة شيء اسمه مستحيل رغم إصابتي وعدم قدرتي على السير، فبالإصرار وبالتفاؤل نجعل الأحلام واقعاً". وكما للفريق تأثير على الفرد أيضاً للفرد تأثير على الفريق، كما يؤكد صبحية "فيجب على كلّ فرد من الفريق أن يحاول تطوير نفسه ليكون أفضل ما يمكن، الأمر الذي يؤدّي إلى تطوير الفريق كاملاً ومن ثمّ تطوير المجتمع"، مؤكداً أهمية امتلاك مهارات العمل الجماعي.
وعند سؤاله عن مبادرة لتكرار تجربة فريق رُسل ونقلها إلى الداخل السوري يوضح صبحية: "نحن نؤسس الآن فريق رُسل في الداخل السوري؛ ليكون هذا الفريق عوناً لإخواننا المصابين من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، والقائمين على هذا الفريق في الداخل السوري أيضاً هم من ذوي الإعاقات الحركية".
من جهته، يتحدّث مؤسس الفريق، موفق هارون، المقيم في مدينة الريحانية بإقليم هاتاي جنوب تركيا حيث يوجد باقي أعضاء الفريق عن فكرة التأسيس ويقول لـ"العربي الجديد": "فكرة تأسيس فريق رُسل التطوعي جاءت من أحد الجرحى الذين تأثروا من الحرب السورية، واقترح أن نقوم بتأسيس كيان يهتم بذوي الإعاقة الحركية، ويكون القائمون على هذا الكيان من ذوي الإعاقات أنفسهم لأنهم أكثر من يشعر بمعاناة المرضى والمصابين... نحن مجموعة من الأشخاص الجالسين على الكراسي المتحركة وضعنا خطة لتأسيس الفريق وسير عمله، وقمنا بتوزيع المهام بيننا".
أصيب هارون عام 2013 بقذيفة هاون خلال وجوده في الغوطة الشرقية بريف دمشق تسببت بعدة كسور في جسده وإصابة النخاع الشوكي. يقول: "أفقدتني الإصابة القدرة على الحركة. خرجت من حصار الغوطة بعد سنتين من إصابتي إلى تركيا، وقمت بدورة رياضية مكثفة لتأهيلي والتأقلم مع الكرسي المتحرك. دورة التأهيل الجسدي أعادت لي الأمل بالحياة وساعدتني على تخطي الكثير من العوائق التي كانت تواجهني خلال حياتي اليومية".
من جهته، يتحدث محمد طه لـ"العربي الجديد" عن نظرة الناس إلى ذوي الإعاقة الحركية فيقول: "كل شخص ينظر إلينا بشكل خاص به، هناك من يعتبر أن حياتنا انتهت ومن ينظر إليك بعين الشفقة لحالتك... من يتوقع أن حياتنا انتهت نثبت له أننا صنعنا حياة تناسب ظروفنا، الانزعاج ليس من هذه النظرات إنما الانزعاج ممن يحكم علينا وهو لم يقدم لنا الفرصة لإثبات قدراتنا".
وكان فريق رُسل التطوعي قد أطلق حملة في وقت سابق تحت عنوان "كن معنا"، لتوزيع سلال إغاثية، مستهدفاً بحملته الأشخاص ذوي الإعاقة من المكفوفين والمصابين بالشلل، ونفذت الحملة في الشمال السوري، وكان الهدف منها التخفيف من معاناة هذه الفئة.
ويعمل فريق رسل التطوعي على مساعدة مصابي النخاع الشوكي في الشمال السوري، وخاصة في مناطق ريف حلب الشمالي في مدينة الباب، عن طريق إطلاق حملات تبرع. ونظّم الفريق أربع حملات منذ تأسيسه قبل أشهر عدة، وعمل خلال شهر رمضان على توزيع أكثر من 100 سلة غذائية إضافة إلى مواد طبية في كل من جرابلس والباب وأعزاز في منطقة درع الفرات وعفرين في منطقة غصن الزيتون.