فرنسا 2017: عربٌ في الواجهة

05 يناير 2018
(سليماني مع وزير التربية وزوجة الرئيس، تصوير: كريستوف موران)
+ الخط -

لعلّ المهتمين بـالحصاد الثقافي السنوي، يتجهون، بسرعة، إمّا إلى الكتب والمؤلفات التي صدرت، أو الجوائز الأدبية التي مُنحت، ولكن كثيرين يُغفلون، أيضاً، تعيين كتّاب في مناصب سياسية وإدراية أساسية. في هذا الإطار، يمكن اعتبار أحد أحداث السنة تعيين الرئيس الفرنسي الجديد، إيمانويل ماكرون، لـ فرانسواز نيسين، وزيرة للثقافة الجديدة. ويتوسّم الكثيرون من المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي خيراً من المسؤولة السابقة عن دار "آكت سود" للنشر بفضل اطلاعها الجيّد على مختلف الملفات التي تهم جوانب الثقافة والأدب والكتاب.

لكن، تظل الجوائز الأدبية من بين أكثر الأحداث التي تلفت الأضواء إليها، وعلى رأسها جائزة "غونكور"، والتي آلت في 2017، إلى الكاتب الفرنسي إريك فوييار عن روايته "لوردر دو جور" (آكت سود)، بذلك يخلف فوييار الكاتبة المغربية الفرنسية ليلى سليماني. يذكر أن قيمة جائزة غونكور رمزية إذ إنها تساوي 10 يورو، لكنها تقدّم لدار النشر دفعاً تجارياً كبيراً، إذ إن الكتاب الفائز بهذا التكريم يبيع قرابة 300 ألف نسخة في المعدل، ويتجاوز أحياناً المليون نسخة.

من أحداث العام أيضاً "معرض الكتاب السنوي" الذي تقيمه وزارة الثقافة الفرنسية، والذي وصل إلى نسخته الخامسة والثلاثين وحظي هذه السنة، بمشاركة مئات الناشرين من مختلف دول العالم، وكان المغرب ضيف شرف هذه النسخة.

وفي إطار ما يسمّى بـ "الدخول الأدبي"، أثمرت هذه السنة 581 رواية جديدة، وكانت محلّ تنافس على عشرات من الجوائز الأدبية. والمثير أن نحو عشرة أعمال أدبية منها اتخذت من الجزائر ثيمة لها، وتناولت خاصة تاريخ العلاقات الفرنسية الجزائرية المحتقن، ومنها نذكر: "ثراؤنا" لـ كوثر عظيمي، و"زبور" لـ كمال داود، و"ذئب بالنسبة للإنسان" لـ بريجيت جيرود، و"قلوب بطيئة" لـ تسعديت إيماش، و"مناخ فرنسا" لـ ماري ريشو، و"طفل البيضة" لـ أمين الزاوي، و"فن الخسارة" لـ أليس زنيتر، التي كادت تخطف جائزة الغونكور، وفازت، في المقابل، بـ"غونكور التلاميذ"، وقد عرفت روايتها نجاحاً كبيراً، خصوصاً في بلجيكا، وهي رواية تتناول فصولا مؤلمة من تاريخ الجزائر، خاصة قضية الحركيين، الذين انحازوا للاستعمار الفرنسي ضد أبناء وطنهم، وعاشوا مآسٍ عميقة لم تتوقف لحدّ الآن.

على مستوى آخر، رحلت هذه السنة المحللة النفسانية آن دوفورمانتيل، عن 53 سنة، بعد أن نجحت في إنقاذ ابن صديقتها من الغرق، وأيضاً الروائية آن غولون، عن 95 سنة، والروائية جاكلين مونسينيي، 86 سنة. كما خسر الأدب الفرنسي، في وفاة جان دورميسون، كاتباً غزيراً، وأكاديمياً، بحيث أن غيابه في "الأكاديمية الفرنسية" رفع عدد المقاعد الشاغرة إلى ستة، بعد أن غيّب الموت في ظرف سنتين كلاً من ألان ديكو، وفيليب بوسانت، وميشيل ديون، في 2016 وسيمون فيل وماكس غالو اللذين رحلا هذا العام. كما غادرنا المؤرخ والباحث والروائي الفرنسي اللبناني جيرار خوري، عن 79 سنة، ومن أهم مؤلفاته: "ذاكرة الفجر: حوليات لبنانية"، 1987، و"وصاية كولونيالية"، 2006.

يمكن تسجيل طفرة في الإقبال على مؤلفات كثير من هؤلاء الراحلين، خصوصاً دورميسون لدرجة أن بعض العناوين نفدت، ومنها كتاب سلسلة "لابلياد" الذي كُرّس له قبل رحيله بسنتين. هذا الأمر أثار تعليقات من بينها ما صرّح به المفكر ميشيل أونفري حين قال: "إن دورميسون يباع ولكن لا يقرأه كثيرون، إذ يصعب أن تعثر على من يتذكر شيئاً. فقد كان حاضراً بشكل طاغٍ في وسائل الإعلام، خلال عقود طويلة"، لكنه يستدرك: "أنا، شخصياً، لم أقرأ له، ولكن رحيله سيكون دافعاً لقراءته"، وهو ما يعني "أن الأشياء خارج-أدبية ستفسح المجال للقارئ لمواجهة النص، بعيداً عن ابتسامات وإجابات الراحل الماكرة، ولا شيء غير النص".

عربياً، ونستخدم تعبير "عربياً" بصفة إجرائية، ليس إلاّ، فالكُتّاب، من أصول عربية، يفضّلون أن يُنظر إليهم باعتبارهم فرنسيين، وإلى أدبهم وأساليبهم باعتبارها إضافة إلى اللغة والأساليب الفرنسية، وكم من كاتب منهم احتج على توصيف "الكاتب الفرنكوفوني"، واعتبر الأمر إهانة، وإرثاً كولونيالياً.

ولا يمكن في هذه العجالة أن نفي بحق كل الكُتاب والمؤلفين. ونكتفي ببعض الأمثلة، فالكتّاب، من أصول عربية، في ازدياد ملحوظ. نستعرض مثلاً جديدَ صفية عز الدين؛ الروائية والمخرجة السينمائية الفرنسية المغربية، بإصدار رواية "والدتها"، والتي تقول إنها "أول مؤلفاتي التي أكتبها ببطني أكثر مما كتبتها برأسي". كمال داود، أصدر هذه السنة رواية "زبور"، التي أراد منها الكاتب حصد جائزة مهمة، ولكن خاب أمله، كما العام الماضي.

ومن الأخبار الأدبية التي تهم البلاد العربية فوز رواية "وحدها شجرة الرمان" عن دار "أكت سود" للروائي العراقي سنان أنطون، بـ"جائزة العالم العربي". وقد انطلقت الجائزة عام 2013 بدعم من "مؤسسة جون لوك لاغاردير" الفرنسية و"معهد العالم العربي" بهدف تكريس العلاقات الثقافية والأدبية بين الثقافتين الفرنسية والعربية.

كما أن الروائي المغربي الفرنسي الطاهر بن جلون ظهر هذا العام بشكل مختلف، فبعيداً عن الرواية قدّم مَعرضاً تشكيلياً في "معهد العالم العربي" في باريس. وفي نفس السنة، أصدرت دار "غاليمار" كتاباً ضخماً يضم مجموعة من رواياته منها ("حرودة"، "موحا المجنون موحا الحكيم"، "ابن الرمل"، إلخ). نفس الدار أصدرت، بالشراكة مع "معهد العالم العربي"، كتاباً فنياً، يتضمن حواراً أجراه إيريك ديلبونت، مع الكاتب، بعنوان: "أحاول رسم نور العالم"، وهو نفس عنوان المعرض. بذلك تنضاف تجربة بن جلون، غير المثيرة للإعجاب في مواقفها السياسية من القضايا العربية، إلى تجارب عربية أخرى راوحت بين الكتابة والتشكيل كما حدث مع أدونيس.

وأخيراً، وليس آخراً، لا يمكننا تجاهل تعيين الرئيس الفرنسي ماكرون للكاتبة المغربية الفرنسية ليلى سليماني ممثلة شخصية له حول الفرنكوفونية، وقد كانت حاضرة معه في زياراته الأفريقية مؤخراً.

وتجدر الإشارة إلى أن سليماني، أصدرت هذا العام ثلاثة كتب دفعة واحدة؛ الأول بعنوان "كلمات شرف" وهو عبارة عن رواية مصوّرة بالاشتراك مع الرسامة ليتيسيا كورين، والثاني تَعتَبِرُ فيه سيمون فيل، الوزيرة الراحلة التي ساهمت في شرعنة الإجهاض في فرنسا، "بطلتَها" (عنوان الكتاب "بطلتي") كما أصدرت، سنة 2017، كتاباً عن الحياة الجنسية في المغرب بعنوان "جنس وأكاذيب" سوف تصدر ترجمته العربية قريباً.

المساهمون