فرنسا مصدر الجهاديين الأوروبيين

11 ابريل 2015
تأخّر فرنسي في التصدي لظاهرة الهجرة الجهادية (فرانس برس)
+ الخط -

باتت فرنسا "المُصدِّر" الرئيسي للجهاديين الأوروبيين إلى مناطق القتال في سورية والعراق، كما كشف تقرير للجنة تحقيق فرنسية رُفع إلى مجلس الشيوخ الفرنسي.

التقرير الذي يدرس ظاهرة الجهاديين الفرنسيين الذين يهاجرون للقتال في العراق وسورية، رفعته إلى مجلس الشيوخ لجنة تحقيق مكوّنة من ثلاثة أعضاء في المجلس، ترأستها النائب ناتالي غوليي من حزب الوسط، وأندريه ريشار من حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، وجون بيار سيور من الحزب "الاشتراكي".

وأكد التقرير، الذي نشره مجلس الشيوخ، أن فرنسا هي "المُصدِّر" الرئيسي للجهاديين الأوروبيين، إذ إن عددهم بلغ حسب أرقام الاستخبارات الفرنسية 1432 جهادياً فرنسياً، وصل 413 منهم إلى جبهات القتال. واستنتج التقرير بأن أعداد الجهاديين الفرنسيين تضاعفت ثلاث مرات في غضون عام واحد، إذ قفزت من 555 شخصاً في يناير/كانون الثاني 2014، إلى 1432 في بداية مارس/آذار من العام الحالي، ما يعني أن وتيرة استقطاب الفرنسيين إلى الجهاد في ارتفاع كبير على الرغم من تدابير السلطات الفرنسية للحد من هذه الظاهرة.

ويسجل التقرير أن "هذه الوتيرة تعني ظهور 15 مرشحاً للجهاد كل أسبوع، وأن الأعداد تتزايد تزامناً مع العمليات الكبيرة ذات الوقع الإعلامي القوي التُي تنفّذ في مناطق القتال في سورية والعراق، مثل ما حدث العام الماضي بعد بث شريط فيديو قطع رأس الرهينة الأميركي بيتر كاسيغ".

واهتم التقرير بالجهاديين العائدين إلى فرنسا، إذ كشف إن 122 منهم تم تقديمهم للمحاكمة، و96 حُكم عليهم بالسجن النافذ بتهمة الإرهاب، في حين وُضع 26 رهن المراقبة القضائية.

ومن خلال التحقيقات مع العائدين، ثبت أن الجهاديين الفرنسيين يخضعون عند وصولهم إلى المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإسلامية المتطرفة، إلى دورة تدريبية سريعة ومكثّفة على استعمال السلاح والمتفجرات واختطاف الرهائن. وسجل التقرير أن "خوف تنظيم داعش من محاولات الاختراق التي قد تقوم بها أجهزة الاستخبارات الأجنبية، جعله يعمد إلى الزجّ بالجهاديين الفرنسيين بسرعة في المعارك وإشراكهم في عمليات ذبح المعتقلين والرهائن، مثلما حدث مع الجهادي الفرنسي الشاب مكسيم هوشار".

اقرأ أيضاً: المقاتلون الأجانب في سورية والعراق: قنبلة موقوتة لبلدانهم

وحول الأسباب التي تدفع الشبان الفرنسيين إلى الالتحاق بالتنظيمات الجهادية، اعتبر التقرير أن الكثير من التفسيرات والتبريرات التي تروجّها وسائل الإعلام غير صحيحة وتفتقد إلى الدقة، خصوصاً تلك التي تقول بأن هؤلاء متخلّفون عقلياً أو مختلون نفسياً أو شبان من دون حماية عائلية. وأوضح أن الدوافع معقّدة وتختلف من حالة إلى أخرى ويصعب تعميمها أو اختزالها في قالب واحد. إلا أن هناك خطوطاً عامة مشتركة بين عشرات الحالات، كالإحساس بالغبن وبعقدة اضطهاد المسلمين من القوى الغربية، والرغبة في الانتقام مثلما ظهر أخيراً في حالة الأخوين كواشي وأحمد كوبالي الذين ارتكبوا اعتداءات باريس الأخيرة.

ومن بين الاستنتاجات الأساسية للتقرير، أن عمليات الاستقطاب تتم بشكل أساسي عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وليس في المساجد كما يروّج البعض في وسائل الإعلام، لأن الدعاية المتطرفة تقوم بالأساس على انتقاد الإسلام الفرنسي الرسمي والتوجّه السلفي المعتدل الذي تمثّله المساجد في فرنسا بشكل عام.

وحول أصول الجهاديين الفرنسيين وجذورهم الاجتماعية، لاحظ التقرير بأن غالبية الجهاديين الفرنسيين ينحدرون من أصول مغاربية أو من بلدان الساحل الإفريقي، ويأتون غالباً من أحياء الضواحي الهامشية، كما أن نسبة كبيرة منهم ارتكبوا جرائم حق عام بسيطة ويشعرون بعقدة المعاناة من العنصرية. غير أن نسبة مهمة من الجهاديين ينحدرون أيضاً من الطبقات المتوسطة، وجزء مهم من المرشحين للجهاد هم أيضاً فرنسيون مائة في المائة من دون أي أصول أجنبية. ويتراوح معدل عمر الجهاديين بين 15 عاماً و30 عاماً، وتم تسجيل 66 قاصراً دون 18 عاماً توجهوا إلى مناطق القتال. ولاحظ التقرير أن هناك ميلاً إلى التوجه نحو مناطق القتال بشكل جماعي بحيث يصطحب العديد من المرشحين للجهاد زوجاتهم وأطفالهم.

وركّز التقرير أيضاً على دور السجون التي تحوّلت بيئة حاضنة للعناصر المتطرفة التي تجد في فضاء السجون تربة خصبة لاستقطاب الشبان المعتقلين بتهم السرقة والعنف وتوجيههم نحو التطرف الجهادي. وسجّل التقرير عجزاً فظيعاً للمسؤولين عن قطاع السجون في الحد من عمليات الاستقطاب، ملاحظاً في الوقت نفسه "القدرة الفائقة للعناصر المتطرفة على التخفي والذوبان وسط السجناء لعدم لفت الانتباه".

واعتبر التقرير أن ظاهرة الاكتظاظ في السجون الفرنسية وقلة الموظفين بالنظر إلى أعداد السجناء الهائلة، يشكّلان عائقاً كبيراً أمام محاولة السلطات الحد من تفريخ السجون لمرشحي التطرف الجهادي.

وفي مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، سجّل تقرير لجنة التحقيق في مجلس الشيوخ عجز السلطات الفرنسية وتقاعسها في أحيان كثيرة. ولفت إلى أن الحكومة الفرنسية تأخّرت كثيراً في اتخاذ تدابير في مستوى التحديات التي تفرضها ظاهرة الهجرة الجهادية التي بدأت تتنامى منذ عام 2012، في حين أن فرنسا، بخلاف ألمانيا وبريطانيا وبلجيكا، انتظرت حتى ربيع العام 2014 لوضع خطة مضادة تتضمن بالخصوص جهازاً خاصاً باستقبال مكالمات عائلات الجهاديين الفرنسيين أطلق عليه "المركز الوطني للمساعدة والوقاية من العنف الراديكالي".

واعتبر التقرير أن هذا المركز سد نقصاً فظيعاً في هذا المجال ومد خيوط التواصل مع أكثر من 1600 شخص غالبيتهم آباء وأمهات اكتشفوا تورّط أبنائهم في الشبكات الجهادية، لافتاً إلى أن التدابير الفرنسية لمواجهة الإرهاب وعلى الرغم من تكثيفها وتعزيزها، إلا أنها لم تساهم في الحد بشكل فعال من الظاهرة الجهادية الفرنسية.

اقرأ أيضاً: فالس: الأجهزة الفرنسية يجب أن تراقب 3000 شخص