أقرّت فرنسا الخميس بأنها أنشأت خلال الثورة الجزائرية (1954-1962) "نظامًا" استخدم فيه "التعذيب"، وذلك بعدما طلب الرئيس إيمانويل ماكرون "الصفح" من أرملة موريس أودان، الناشط الشيوعي المؤيد لاستقلال الجزائر، الذي فُقد أثره بعد اعتقاله في 1957.
وقال ماكرون: "من المهم أن تُعرف هذه القصة، وأن يُنظر إليها بشجاعة وجلاء. هذا مهم من أجل طمأنينة وصفاء نفس أولئك الذين سببت لهم الألم (...) في الجزائر وفي فرنسا على حد سواء"، وفق ما نقلت عنه وكالة "فرانس برس".
و
ويتوقع أن تثير هذه التصريحات، بحسب الوكالة ذاتها، ردود فعل قوية في فرنسا حيث لا تزال مسألة التعذيب، وإن كانت معروفة، من المحظورات في الرواية الرسمية للأحداث التاريخية.
وأفاد الإليزيه، قبل زيارة ماكرون لأرملة أودان، بأن الإعلان يقر بأن أودان "توفي تحت التعذيب الذي نشأ عن نظام وُجد عندما كانت الجزائر جزءاً من فرنسا".
وعن زيارة الرئيس لها الخميس، قالت جوزيت، أرملة أودان، للصحافيين، في شقتها في ضاحية بانيوليه في شرق باريس: "لم يخطر ببالي أن هذا اليوم سيأتي".
في المقابل، ثمّنت الحكومة الجزائرية خطوة ماكرون، إذ اعتبر وزير قدماء المحاربين في الجزائر، الطيب زيتوني، في تصريح صحافي على هامش جلسة مساءلة في البرلمان، اعتراف الدولة الفرنسية "خطوة إيجابية يجب تثمينها".
وأضاف: "الجرائم التي اقترفتها السلطات الفرنسية إبان الحقبة الاستعمارية في حق الجزائريين لا ينكرها إلا جاحد وجاهل للتاريخ، وخطوة الرئيس الفرنسي دليل على أنه سيكون هناك المزيد من الاعترافات".
كما طالب الحكومة الفرنسية بسرعة إنهاء ملفات عالقة من ثورة التحرير والذاكرة، بينها ملف استرجاع الأرشيف الوطني المتعلق بالحقبة الاستعمارية، وجماجم زعماء المقاومة الجزائرية الموجودة بمتحف الإنسان بباريس، وتعويض ضحايا التجارب النووية بالصحراء الجزائرية "لا تزال تعمل وستعرف انفراجا قريبا".
وتعد خطوة ماكرون اليوم لاحقة لسلسلة مواقف أعلنها قبل توليه لمنصب الرئاسة في فرنسا وبعده؛ ففي يناير/ كانون الثاني 2017، وقبل انتخابه رئيسًا، زار ماكرون، بصفته مرشحًا للرئاسة، الجزائر، وعرّج على النصب التذكاري المخصص لموريس أودان في قلب العاصمة الجزائرية، كما أقر لاحقًا، في زيارة أخرى له خلال ديسمبر/ كانون الأول 2017، بأن "الاستعمار ظلم وجريمة في حق الجزائريين"، وطالب الجزائريين بطي الصفحة والتوجه إلى المستقبل.
ولد موريس أودان في مدينة باجة التونسية في 14 فبراير/ شباط 1932، وهو أب لثلاثة أطفال، وكان يدرس الرياضيات في جامعة الجزائر، قبل أن ينضم إلى صفوف الحزب الشيوعي في الجزائر.
في 11 يونيو/ حزيران 1957 اقتادته قوات المظليين الفرنسية ليلًا من منزله بتهمة إيواء عناصر ناشطين في الحزب الشيوعي الجزائري. وفي تقرير بتاريخ 24 يونيو/ حزيران 1957، أصدر الجيش الفرنسي بيانًا أعلن فيه فرار "موريس أودان المقبوض عليه أثناء نقله لاستجوابه في صباح 22 يونيو/ حزيران 1957"، ولم يظهر أي أثر لموريس أودان منذ ذلك التاريخ.
وقبل سنوات، أقر الجنرال بول أوساريس، الذي كان يمارس التعذيب في الجزائر، أن الجنرال ماسو هو من أعطى الأمر بقتل موريس أودان ودفنه، كاشفًا أن أودان دفن في منطقة تقع بين زرالدة والقليعة في المخرج الغربي للعاصمة الجزائرية.