فرنسا تسعى لدور قياديّ في التحالف الدولي

14 سبتمبر 2014
هولاند نحو قيادة التحالف للقضاء على "داعش" (آلان جوكارد/Getty)
+ الخط -
نجح الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، "ظاهرياً"، في خلق دينامية إقليمية ودولية لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وفقاً للوعد الذي قطعه أمام السفراء الفرنسيين، منتصف الشهر الماضي، وردده مراراً منذ ذلك التاريخ ليكمل حلقة "عودة فرنسا" الى ساحة الدبلوماسية الدولية.

وإذا كانت الولايات المتحدة استبقت فرنسا في الميدان العسكري، عبر تدخل الطيران الحربي الأميركي في العراق وكردستان، منذ مطلع أغسطس/ آب الماضي، فإنّ هولاند أخذ زمام المبادرة السياسية بإطلاق فكرة تنظيم مؤتمر دولي حول الأمن في العراق، وبالتحرك الذي يقوم به السفير الفرنسي في الأمم المتحدة، جيرار آرو، متقدماً بذلك بنحو أسبوعين على الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي انتظر حتى يوم الأربعاء الماضي للإعلان عن خطته في مواجهة "داعش".

وتأتي الزيارة التي قام بها هولاند إلى العراق، يوم الجمعة الماضي، كخطوة مكمّلة للدور الذي تحاول فرنسا أن تؤديه داخل التحالف الجديد، طامحة بذلك إلى فرض نفسها كشريك أساسي للولايات المتحدة بدل الشريك الأوروبي التقليدي، أي بريطانيا التي أعلنت عن أنها لن تشارك في عمل عسكري في سورية.

ولم تنتظر السلطات الفرنسية طويلاً للتلاقي مع دعوة أوباما لتشكيل تحالف دولي للقضاء على "داعش"، لا بل كانت من أوائل الدول التي أبدت استعدادها لقيادة هذا التحالف إلى جانب واشنطن، على الرغم من التحفظات الناجمة عن التجارب السابقة مع واشنطن، ووفقاً لاعتبارات داخلية تخص كل بلد، فالدوافع للمشاركة متعددة يعود بعضها إلى ضرورة عدم الوقوع ثانية  في ما يراه خبراء "القرار الخطأ"، الذي اتخذه الرئيس السابق، جاك شيراك، والذي عارض الحرب على العراق في العام 2003، مع أن العالم يدرك جرأة وأهمية ذاك القرار في ذلك الوقت.

إلا أن قرار شيراك كلّف فرنسا سنوات من العقوبة لم تنتهِ آثارها وفصولها كلياً حتى اليوم. وأدى القرار المذكور إلى استبعاد فرنسا عن الترتيبات السياسية التي حكمت العراق منذ الغزو الأميركي، وبعضها حرم فرنسا من فرصة الدخول إلى السوق الاقتصادية العراقية وبالتالي من عقود إعادة إعمار البلاد.

ويعود الحماس الفرنسي لمواجهة "داعش"، إلى الخوف من تمدّد التنظيم، وتهديد الأمن الإقليمي والدولي. كما قال هولاند إن "أوروبا غير بعيدة جغرافياً عمّا يحدث في الشرق الأوسط"، وكون بلاده هي واحدة من الدول الغربية التي ينطلق منها الجهاديون إلى سورية والعراق.

لا يريد الرئيس الفرنسي أن يكرر تجربته المرّة مع الولايات المتحدة، التي تخلت في اللحظة الأخيرة عن توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، مجبرة فرنسا على التراجع عن القيام بهذه الخطوة، بعدما كانت مقاتلاتها مستعدة للإقلاع من على متن بوارجها في المتوسط باتجاه أهداف داخل سورية.

ولم يتوانَ هولاند عن التعبير عن هذا الامتعاض، لا بل عن لوم حليفه الأميركي، عندما قال في خطابه أمام السفراء، إن "التراجع عن توجيه الضربات الجوية قبل سنة أدى إلى تفاقم الوضع".

وربما لهذا السبب، ركز هولاند في زيارته إلى بغداد على التنسيق مع سلطاتها الحكومية قبل مؤتمر باريس، كخطوة عملية للإمساك بزمام القيادة الميدانية. وهذا ما عبّر عنه دبلوماسي فرنسي بقوله إن "باريس تريد هذه المرة أن تشارك في وضع خطط التدخل العسكري، وتوزيع المهمات وعمليات جمع المعلومات، أي أنها تريد أن تكون مشاركة في كل مراحل العملية، ولا تريد أن تكتفي بدور الطرف الذي يتلقى التعليمات عن الأهداف التي يختارها الأميركيون وعن توقيت العمليات".

وإذا كانت الخيارات واضحة بالنسبة للمواجهة في العراق، فإن الملف السوري يبدو أكثر تعقيداً، كون فرنسا والولايات المتحدة تتحفظان على التعاون مع النظام السوري، أو اعتباره شريكاً بالمواجهة، وهو الأمر الذي يلغي إمكانية أن يعمد الطرفان إلى التخفيف من اندفاعهما السابق في سبيل إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد الذي استفاد من الهجمة الكبيرة لـ"داعش" ليطرح نفسه شريكاً واقعياَ في محاربة "الإرهاب".

ولكن العواصم الغربية التي أخذت العبرة من الحرب في أفغانستان، بدعمها تنظيم "القاعدة" الذي انقلب عليها، تعرف الآن أن ضرب "الدولة الإسلامية" في العراق لا يكفي للقضاء عليه إذا لم يجرِ ضربه في سورية. وهو أمر يتطلّب تعاوناً استخباراتياً في الحد الأدنى، وهذا ما يسعى إليه الرئيس الفرنسي من خلال الزيارة التي قام بها إلى العراق، ومن خلال دعوته لمؤتمر باريس الأمني.

وربما يُراد لدول المنطقة أن تؤدي دور البديل عن النظام السوري، فتركيا التي أعلنت أنها لن تشارك في عمل عسكري، شكلت في مرحلة ما ممراً لبعض التنظيمات الإسلامية التي تقاتل في سورية. أما لبنان، فبحكم موقعه الجغرافي، وترابط المصالح مع سورية، سيكون له دور أساسي، ولم يخفِ وزير خارجيته، جبران باسيل، الرغبة في القيام به، داعياً، في حديث لصحيفة "لوفيغارو"، إلى قيام تحالف موحّد لمواجهة "داعش"، ومؤكداً على أن لدى الجيش اللبناني القدرة على مواجهته في لبنان، وهو ما يسمح بإشراك النظام السوري عبر التنسيق المباشر مع حلفائه الإقليميين، من دون المرور مباشرة في دمشق، التي حذرت من أن أي عمل عسكري على أراضيها من دون التنسيق معها سيعتبر عدواناً.

إذاً، يختلف الأمر بين العراق، الذي تحظى حكومته الجديدة بدعم دولي شامل، وبين سورية التي لم تعترف معظم الدول بإعادة انتخاب رئيسها. ومن الصعب على فرنسا، التي كانت في طليعة الدول المطالبة بإسقاط نظام الأسد، أن تقبل إشراكه بالتحالف.

المساهمون