17 ابريل 2017
فرنسا بعد هولندا.. اختبار التطرّف والشعبوية
اجتازت هولندا العاصفة، وانتهت الانتخابات البرلمانية التي كان الهولنديون متحمسين لها، وذهب أكثر من 81% من السكان إلى التصويت، ثم لم تكن النتيجة مخيفة، كما كان متوقعا في استطلاعات الرأي. جاء حزب الشعب اليميني الوسطي من أجل الحرية والديمقراطية، بقيادة رئيس الوزراء الحالي مارك روت، الفائز الأكبر، بينما كان الفوز متوقعا لحزب غيرت فيلدرز الوطني المستبد والشعبوي، والذي فشل في مناشدة الأغلبية. حصل على خمسة مقاعد إضافية في البرلمان، على الرغم من أن حزبه مناهض للاتحاد الأوروبي وللمسلمين والمهاجرين، غير أنه حل ثانيا ومتأخرا بـ 20 مقعدا. وإلى جانب أخذ الإسلاموفوبيا إلى مستوى جديد كليا، فقد قدّم حزبه، في بيانه الانتخابي الذي يتألف من صفحة واحدة، وعودا مستوحاة من "بريكست" البريطاني (خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي) والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تحت شعار "هولندا لنا مرة أخرى". ووضع حزبه تمييزا فريدا وغريبا بعض الشيء بين "الشعب الهولندي والشعب الهولندي تحت الاختبار"، مشيرا إلى أولئك المهاجرين الذين لديهم جذور مسلمة. وطالبت لافتات الحزب المسلمين بـ "التصرّف بشكل طبيعي".
وكان شركاء الائتلاف منصفين جدا، فقد أدى الانهيار الداخلي لحزب الديمقراطيين الاجتماعيين إلى ظهور عدد قليل (لكنه مهم) من العناصر البرلمانية التي وصل عددها الإجمالي إلى 13. وبالإضافة إلى 33 مقعدا التي يحتفظ بها حزب الشعب للحرية والديمقراطية، يحتاج رئيس الوزراء روت إلى 43 صوتا آخر لتشكيل حكومة في البرلمان الذي يضم 150 مقعدا. وبعد أن استبعد التحالف مع فيلدرز، يهدف روت إلى تشكيل تحالف "مستقر" من أربعة أحزاب، للحفاظ على الأغلبية في مجلسي البرلمان.
إذا كان فيلدرز هو ترامب الهولندي، فإن زعيم حزب اليسار الأخضر جيسي كلافر يُعتبر
جاستين ترودو الهولندي، في إشارة إلى رئيس الوزراء الكندي الشاب. وقد قاد زعيم الحزب صاحب الكاريزما المتعاطف والبالغ ثلاثين عاما حزبه إلى نيل 14 مقعدا.
وقد فقد الحزب المفضل للشبكة الإخبارية "بريدبارت" شعبيته، مقارنة بعام 2010 عندما فاز بـ 24 مقعدا، وتعافى بفارق واحد في العام 2012. وفي أمستردام فقط، تمكّن حزب المهاجرين، دينك، من التفوق على دهاء فيلدرز، لكنهم فازوا بثلاثة مقاعد فقط في جميع أنحاء البلد.
ليس فقط المسلمون واليهود من أشادوا بهزيمة المتعصب الأبيض صاحب تسريحة الشعر السخيفة، بل الناس من الديانات والأعراق الأخرى أيضا. وربما تعلم الهولنديون من النتيجة (المروّعة؟) للانتخابات الأميركية، حيث بلغت نسبة الإقبال 55%، ما أدى إلى فوز ترامب من خلال الهيئة الانتخابية، على الرغم من هزيمته الكبرى في التصويت الشعبي.
وقال المفوض الأوروبي، جان كلود جونكر، إنه كان انتصارا من أجل "مجتمعات حرة ومتسامحة في أوروبا مزدهرة". ووصفته المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بأنه "نتيجة مؤيدة لأوروبا" و"يوم جيد للديمقراطية". أما تركيا بقيادة الرئيس، رجب طيب أردوغان، فقد ردّت بطريقة أكثر غرابة، قائلة إنه لا يوجد فرق بين فيلدرز وروت. وعلى مدى العام، كان الحزب الحاكم اليميني الوسطي يستقطب تأييدا شعبيا أقوى ليتجاوز المنافس اليميني المتطرّف.
وعلى الرغم من أن العنصريين لم يظهروا منتصرين في هولندا، فإن زيادة مناطق نفوذهم في البرلمان تشير إلى إستراتيجية أفضل للانتخابات، فضلا عن تعبئة للزمر النائمة.
لم يتماش خطاب فيلدرز بشكل جيد مع الغالبية العظمى من هولندا، بسبب عوامل عديدة: كان الشعب الهولندي بنفسه ضحية لوحشية هتلر في الحرب العالمية الثانية، ولم يلتزم بفكرة رفض الآخرين على أساس العرق والدين. وصوّت الشعب الهولندي بحذر، متعلماً من خطأ "بريكست" البريطاني. ومنذ استطلاعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان الإنكليز قد صدموا باستمرار بسبب مدى تداعياتها الاقتصادية المتوقعة. وكان الاقتصاد مصدر القلق الرئيسي في معظم أنحاء أوروبا، ولم يكن الناخبون في هولندا متأكدين من الكيفية التي سيساعد بها الخروج من الاتحاد الأوروبي على تحسين مستوى حياتهم.
وتعتبر فرنسا وألمانيا الركيزتين الرئيسيتين للتضامن الأوروبي الذي يتجلى في الاتحاد الأوروبي. وأبقت زعيمة الجبهة الوطنية في فرنسا، المرشحة الرئاسية مارين لوبان، العالم متشوقا، حيث تفيد استطلاعات الرأي بأنها متقدمة بأربع نقاط أمام إيمانويل ماكرون المنتمي إلى أحزاب الوسط. ولكل منهما وجهات نظر متباينة بشكل حاد بشأن الهجرة والاندماج ودور فرنسا في العالم، وهي التي ورثت مواقف وطنية قومية ومضادة للهجرة من والدها، جان ماري لوبان، الذي قاد الحزب منذ نحو أربعين عاما. ومثل فيلدرز، يحمّل لوبان أيضا الاتحاد الأوروبي المسؤولية عن مشكلات اقتصادية عديدة في فرنسا، الزراعة مثلا. وسيتوجه الناخبون الفرنسيون إلى صناديق الاقتراع اليوم (23 إبريل/ نيسان) وفي 7 مايو/ أيار، فى الانتخابات الرئاسية التي ستجرى على مرحلتين. وفى حالة الاعتقاد باستطلاعات الرأي، فإن الفارق بين الأصوات سيكون ضيقا جدا، وسيخوض لوبان وماكرون انتخابات الإعادة.
أما في ألمانيا، حيث تتحدّى قيادة أنجيلا ميركل نظيرة ترامب، فروك بيتري، التي قادت حزبها عاما ونصف العام، ووسعت تركيز حملتها الانتخابية ضد الهجرة الجماعية و"أسلمة الغرب"، وذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث طالبت حرس الحدود بإطلاق النار على المهاجرين الذين
يحاولون الدخول بشكل غير قانوني في أعقاب أزمة المهاجرين، بيتري الأم لأربعة والمتزوجة من قس هي سيدة أعمال وحاملة شهادة الدكتوراه في الفيزياء. وترى ميركل أنها تشكل تهديدا قويا لمسيرتها المهنية. وبالتالي فهي تجدّف تدريجيا صوب سياسة الباب المفتوح في الهجرة، وكذلك حظر النقاب. وكانت هجمات أردوغان على ميركل تدفع، بشكل غير مباشر، الألمان المتردّدين أقرب إلى بيتري. وبدلا من ذلك، فإن "ملكة أوروبا" تحتاج إلى دعم من السكان الأتراك البالغة نسبتهم 33% في البلاد ضد شعبية بيتري المتصاعدة. ويعتبر الترحيب البارد الذي قدمه دونالد ترامب لميركل مفهوما، حيث إن وجهات نظره متطابقة تقريبا مع غريمتها. وفي الوقت الذي يتقاسم فيه الإخوة والأخوات الأيديولوجيون موقفا لا هوادة فيه بشأن الإسلام والهجرة، يتعين على الألمان أن يراقبوا ويحللوا حتى التصويت في 11 سبتمبر/ أيلول المقبل.
في هولندا، على سبيل المثال، ساهم ضعف أداء ترامب في الولايات المتحدة في إظهار عيوب حزب فيلدرز، وكان مساعد الرئيس الأميركي، ستيف بانون، قد دعم علنا خطاب فيلدرز. وبما أن هولندا بلد ساحلي صغير نسبيا مقارنة مع الولايات المتحدة القارية، فقد كانت العزلة والحمائية تجذب عددا أقل من الناخبين، وهو ما ترُجم في انتصار فيلدرز بـ 20 مقعدا. وقد قدم الفاشيون الغربيون الذين يرتاحون في الاشمئزاز والشعوبية أنفسهم مرتاحين وغير حزينين، واقترض فيلدرز ومارين لوبان وفروك بيتري حتى الآن من ترامب و نايجل أبهة و تفاخرا. وقد رحبت لوبان بالزيادة في قاعدة فيلدرز الانتخابية من الأحزاب اليمينية المتطرّفة، وهنأت نظيرها الهولندي على فوزه بمزيد من المقاعد، مشيرة إلى أن الحزب الهولندي عمره 12 عاما، وخاض الانتخابات أول مرة عام 2006.
زادت النتائج الهولندية من تعقيد لعبة التخمين حول ما إذا كانت هذه مجرد ظاهرة ستتكرّر مرة واحدة، أم أن الشعبوية قد بلغت ذروتها على نطاق أوسع. وفي العام 2011، صرح رئيس حزب المحافظين في المملكة المتحدة، سيدا وارسي، بأن الإسلاموفوبيا "اجتازت اختبار طاولة العشاء"، وأصبحت مقبولة اجتماعيا على نطاق واسع في بريطانيا. وقال محللون ومراقبون عديدون لحقوق الإنسان إن أوروبا ليست بعيدة عن الاتجاه المقلق. والفرق الكبير بين الأطراف اليمينية المتطرفة والأطراف الأخرى أن الأخيرة لن تستخدمها وسيلة سياسية للوصول إلى ممرات السلطة.
وفي حين برز انتصار ترامب من دون أي تكهن، فإن ارتفاع عدد البريطانيين المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكذلك الفاشيين الآخرين في أوروبا، قد أخذ في التزايد على مر السنين. وقادت النمسا الحركة عقوداً حتى عندما كان فلاديمير بوتين غير موجود في رعاية الحملة، بعقيدته المقلقة من انعدام الثقة والفوضى. وقد أصبح المعسكر المتطرّف الأيسر تنظيما هائلا وبارعا في التكنولوجيا. وإذ يوفر ظهور "داعش"، وكذا هجرة اللاجئين المسلمين، ونهج الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، والبيت الأبيض سياسة الترويض الوقودَ الذي اشتدت الحاجة إليه لإطلاق نارٍ من الكراهية.
ولنفترض أن مارين لوبان وغيرها من قادة التوجهات العنصرية، مثل فروك بيتري في ألمانيا، يخسرون الانتخابات هذا العام، فلن يتم تطهير أوروبا من العنصرية. وعلى سبيل المثال، التمييز العنصري حقيقة واقعة. مع انتصار اليمين المتطرّف، فإن العنصرية اليومية السائدة تصبح فقط رسمية، وصفعة في وجه حضارة القرن ال 21!
ربما تكون العينة الهولندية صغيرة جدا لمساعدة العالم على فهم ما يمكن توقعه في أوروبا
المقبلة، فقد كان في وسع فيلدرز زيادة قاعدة الناخبين، لكنه فشل في الفوز بالصدارة، ما يعني أن الأغلبية رفضت اليمين المتطرّف. والدروس المستفادة من انتخابات 15 مارس/ آذار 2017 يمكن أن تقود الأطراف المماثلة في فرنسا والنرويج وألمانيا إلى تحسين إستراتيجيتها وتكييف الخطاب، وتقييم ما إذا كان الدعم الصوتي، من أمثال فارج وبرانسون، مفيدا أم العكس. ومثل ذلك، فإن نتائج الانتخابات تترك الأحزاب المساندة للاتحاد الأوروبي في حاجة إلى التأمل، كما سيتعين عليهم معايرة حملتهم وفقا لذلك، حيث إن التحدي الذي يواجه الليبراليين هو تقسيم الأصوات، في حين أن معسكر الخصم أقل عرضةً للانقسام.
لم تخف روسيا بوتين طموحها إلى إضعاف أوروبا، من خلال قوتها المتجلية في العملية الانتخابية الخاصة بها، كما أن المواقع الإلكترونية المدعومة من الكرملين والمخبرين المرتبطين به يلعبون دورهم التحفيزي. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه هي الانتخابات الوحيدة التي يخسرها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين في أوروبا، كما أن هناك ثلاثة انتخابات قادمة: الانتخابات الرئاسية في فرنسا (23 إبريل/ نيسان و7 مايو/ أيار) والانتخابات البرلمانية الفرنسية (11 و18 يونيو/ حزيران)، والانتخابات البرلمانية النرويجية (11سبتمبر/ أيلول) وأخيرا انتخابات ألمانيا الاتحادية (24 سبتمبر/ أيلول). وبالنسبة للمناهضين للمهاجرين، لا ترمز هولندا إلا إلى قرية أوروبية صغيرة في نزاعٍ ضد الشعبويين، وإلى أن لعبة الشطرنج قد بدأت للتو!
قد تساعد الانتخابات في فرنسا وألمانيا العالم على فهم ما إذا كان هناك شيء يسمى شعبوية "جيدة" و"سيئة". ويعكس الوجه الناشئ للشعبوية الكلاسيكية القديمة، أي السلطوية والهوية المحلية. وبالاستعانة بأدلة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والانتخابات الهولندية، يمكن للفرنسيين والألمان أن يساعدوا بلديهما، أن يحافظوا كذلك على التضامن الأوروبي المعترف به مؤسساتيا كالاتحاد الأوروبي.
أكثر من ترامب أميركا، فإن أهمية أن تسقط فرنسا إلى جانب بوتين الروسي والفاشيين عموما أمر لا يمكن التقليل من شأنه. ليس لدى فرنسا حق النقض (الفيتو) فقط في مجلس الامن الدولي، ولكنها أيضا قوة عسكرية رئيسية لحلف شمال الأطلسي (الناتو). إذا فازت مارين لوبان، فسوف تصبح باريس صوت بوتين في بروكسل، فضلا عن مناطق نفوذها في جميع أنحاء العالم.
وكان شركاء الائتلاف منصفين جدا، فقد أدى الانهيار الداخلي لحزب الديمقراطيين الاجتماعيين إلى ظهور عدد قليل (لكنه مهم) من العناصر البرلمانية التي وصل عددها الإجمالي إلى 13. وبالإضافة إلى 33 مقعدا التي يحتفظ بها حزب الشعب للحرية والديمقراطية، يحتاج رئيس الوزراء روت إلى 43 صوتا آخر لتشكيل حكومة في البرلمان الذي يضم 150 مقعدا. وبعد أن استبعد التحالف مع فيلدرز، يهدف روت إلى تشكيل تحالف "مستقر" من أربعة أحزاب، للحفاظ على الأغلبية في مجلسي البرلمان.
إذا كان فيلدرز هو ترامب الهولندي، فإن زعيم حزب اليسار الأخضر جيسي كلافر يُعتبر
وقد فقد الحزب المفضل للشبكة الإخبارية "بريدبارت" شعبيته، مقارنة بعام 2010 عندما فاز بـ 24 مقعدا، وتعافى بفارق واحد في العام 2012. وفي أمستردام فقط، تمكّن حزب المهاجرين، دينك، من التفوق على دهاء فيلدرز، لكنهم فازوا بثلاثة مقاعد فقط في جميع أنحاء البلد.
ليس فقط المسلمون واليهود من أشادوا بهزيمة المتعصب الأبيض صاحب تسريحة الشعر السخيفة، بل الناس من الديانات والأعراق الأخرى أيضا. وربما تعلم الهولنديون من النتيجة (المروّعة؟) للانتخابات الأميركية، حيث بلغت نسبة الإقبال 55%، ما أدى إلى فوز ترامب من خلال الهيئة الانتخابية، على الرغم من هزيمته الكبرى في التصويت الشعبي.
وقال المفوض الأوروبي، جان كلود جونكر، إنه كان انتصارا من أجل "مجتمعات حرة ومتسامحة في أوروبا مزدهرة". ووصفته المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بأنه "نتيجة مؤيدة لأوروبا" و"يوم جيد للديمقراطية". أما تركيا بقيادة الرئيس، رجب طيب أردوغان، فقد ردّت بطريقة أكثر غرابة، قائلة إنه لا يوجد فرق بين فيلدرز وروت. وعلى مدى العام، كان الحزب الحاكم اليميني الوسطي يستقطب تأييدا شعبيا أقوى ليتجاوز المنافس اليميني المتطرّف.
وعلى الرغم من أن العنصريين لم يظهروا منتصرين في هولندا، فإن زيادة مناطق نفوذهم في البرلمان تشير إلى إستراتيجية أفضل للانتخابات، فضلا عن تعبئة للزمر النائمة.
لم يتماش خطاب فيلدرز بشكل جيد مع الغالبية العظمى من هولندا، بسبب عوامل عديدة: كان الشعب الهولندي بنفسه ضحية لوحشية هتلر في الحرب العالمية الثانية، ولم يلتزم بفكرة رفض الآخرين على أساس العرق والدين. وصوّت الشعب الهولندي بحذر، متعلماً من خطأ "بريكست" البريطاني. ومنذ استطلاعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان الإنكليز قد صدموا باستمرار بسبب مدى تداعياتها الاقتصادية المتوقعة. وكان الاقتصاد مصدر القلق الرئيسي في معظم أنحاء أوروبا، ولم يكن الناخبون في هولندا متأكدين من الكيفية التي سيساعد بها الخروج من الاتحاد الأوروبي على تحسين مستوى حياتهم.
وتعتبر فرنسا وألمانيا الركيزتين الرئيسيتين للتضامن الأوروبي الذي يتجلى في الاتحاد الأوروبي. وأبقت زعيمة الجبهة الوطنية في فرنسا، المرشحة الرئاسية مارين لوبان، العالم متشوقا، حيث تفيد استطلاعات الرأي بأنها متقدمة بأربع نقاط أمام إيمانويل ماكرون المنتمي إلى أحزاب الوسط. ولكل منهما وجهات نظر متباينة بشكل حاد بشأن الهجرة والاندماج ودور فرنسا في العالم، وهي التي ورثت مواقف وطنية قومية ومضادة للهجرة من والدها، جان ماري لوبان، الذي قاد الحزب منذ نحو أربعين عاما. ومثل فيلدرز، يحمّل لوبان أيضا الاتحاد الأوروبي المسؤولية عن مشكلات اقتصادية عديدة في فرنسا، الزراعة مثلا. وسيتوجه الناخبون الفرنسيون إلى صناديق الاقتراع اليوم (23 إبريل/ نيسان) وفي 7 مايو/ أيار، فى الانتخابات الرئاسية التي ستجرى على مرحلتين. وفى حالة الاعتقاد باستطلاعات الرأي، فإن الفارق بين الأصوات سيكون ضيقا جدا، وسيخوض لوبان وماكرون انتخابات الإعادة.
أما في ألمانيا، حيث تتحدّى قيادة أنجيلا ميركل نظيرة ترامب، فروك بيتري، التي قادت حزبها عاما ونصف العام، ووسعت تركيز حملتها الانتخابية ضد الهجرة الجماعية و"أسلمة الغرب"، وذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث طالبت حرس الحدود بإطلاق النار على المهاجرين الذين
في هولندا، على سبيل المثال، ساهم ضعف أداء ترامب في الولايات المتحدة في إظهار عيوب حزب فيلدرز، وكان مساعد الرئيس الأميركي، ستيف بانون، قد دعم علنا خطاب فيلدرز. وبما أن هولندا بلد ساحلي صغير نسبيا مقارنة مع الولايات المتحدة القارية، فقد كانت العزلة والحمائية تجذب عددا أقل من الناخبين، وهو ما ترُجم في انتصار فيلدرز بـ 20 مقعدا. وقد قدم الفاشيون الغربيون الذين يرتاحون في الاشمئزاز والشعوبية أنفسهم مرتاحين وغير حزينين، واقترض فيلدرز ومارين لوبان وفروك بيتري حتى الآن من ترامب و نايجل أبهة و تفاخرا. وقد رحبت لوبان بالزيادة في قاعدة فيلدرز الانتخابية من الأحزاب اليمينية المتطرّفة، وهنأت نظيرها الهولندي على فوزه بمزيد من المقاعد، مشيرة إلى أن الحزب الهولندي عمره 12 عاما، وخاض الانتخابات أول مرة عام 2006.
زادت النتائج الهولندية من تعقيد لعبة التخمين حول ما إذا كانت هذه مجرد ظاهرة ستتكرّر مرة واحدة، أم أن الشعبوية قد بلغت ذروتها على نطاق أوسع. وفي العام 2011، صرح رئيس حزب المحافظين في المملكة المتحدة، سيدا وارسي، بأن الإسلاموفوبيا "اجتازت اختبار طاولة العشاء"، وأصبحت مقبولة اجتماعيا على نطاق واسع في بريطانيا. وقال محللون ومراقبون عديدون لحقوق الإنسان إن أوروبا ليست بعيدة عن الاتجاه المقلق. والفرق الكبير بين الأطراف اليمينية المتطرفة والأطراف الأخرى أن الأخيرة لن تستخدمها وسيلة سياسية للوصول إلى ممرات السلطة.
وفي حين برز انتصار ترامب من دون أي تكهن، فإن ارتفاع عدد البريطانيين المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكذلك الفاشيين الآخرين في أوروبا، قد أخذ في التزايد على مر السنين. وقادت النمسا الحركة عقوداً حتى عندما كان فلاديمير بوتين غير موجود في رعاية الحملة، بعقيدته المقلقة من انعدام الثقة والفوضى. وقد أصبح المعسكر المتطرّف الأيسر تنظيما هائلا وبارعا في التكنولوجيا. وإذ يوفر ظهور "داعش"، وكذا هجرة اللاجئين المسلمين، ونهج الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، والبيت الأبيض سياسة الترويض الوقودَ الذي اشتدت الحاجة إليه لإطلاق نارٍ من الكراهية.
ولنفترض أن مارين لوبان وغيرها من قادة التوجهات العنصرية، مثل فروك بيتري في ألمانيا، يخسرون الانتخابات هذا العام، فلن يتم تطهير أوروبا من العنصرية. وعلى سبيل المثال، التمييز العنصري حقيقة واقعة. مع انتصار اليمين المتطرّف، فإن العنصرية اليومية السائدة تصبح فقط رسمية، وصفعة في وجه حضارة القرن ال 21!
ربما تكون العينة الهولندية صغيرة جدا لمساعدة العالم على فهم ما يمكن توقعه في أوروبا
لم تخف روسيا بوتين طموحها إلى إضعاف أوروبا، من خلال قوتها المتجلية في العملية الانتخابية الخاصة بها، كما أن المواقع الإلكترونية المدعومة من الكرملين والمخبرين المرتبطين به يلعبون دورهم التحفيزي. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه هي الانتخابات الوحيدة التي يخسرها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين في أوروبا، كما أن هناك ثلاثة انتخابات قادمة: الانتخابات الرئاسية في فرنسا (23 إبريل/ نيسان و7 مايو/ أيار) والانتخابات البرلمانية الفرنسية (11 و18 يونيو/ حزيران)، والانتخابات البرلمانية النرويجية (11سبتمبر/ أيلول) وأخيرا انتخابات ألمانيا الاتحادية (24 سبتمبر/ أيلول). وبالنسبة للمناهضين للمهاجرين، لا ترمز هولندا إلا إلى قرية أوروبية صغيرة في نزاعٍ ضد الشعبويين، وإلى أن لعبة الشطرنج قد بدأت للتو!
قد تساعد الانتخابات في فرنسا وألمانيا العالم على فهم ما إذا كان هناك شيء يسمى شعبوية "جيدة" و"سيئة". ويعكس الوجه الناشئ للشعبوية الكلاسيكية القديمة، أي السلطوية والهوية المحلية. وبالاستعانة بأدلة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والانتخابات الهولندية، يمكن للفرنسيين والألمان أن يساعدوا بلديهما، أن يحافظوا كذلك على التضامن الأوروبي المعترف به مؤسساتيا كالاتحاد الأوروبي.
أكثر من ترامب أميركا، فإن أهمية أن تسقط فرنسا إلى جانب بوتين الروسي والفاشيين عموما أمر لا يمكن التقليل من شأنه. ليس لدى فرنسا حق النقض (الفيتو) فقط في مجلس الامن الدولي، ولكنها أيضا قوة عسكرية رئيسية لحلف شمال الأطلسي (الناتو). إذا فازت مارين لوبان، فسوف تصبح باريس صوت بوتين في بروكسل، فضلا عن مناطق نفوذها في جميع أنحاء العالم.