فرنسا: الاحتجاجات على مشروع قانون إصلاح التقاعد مستمرة

17 ديسمبر 2019
مستمرون (كيران ريدلي/ Getty)
+ الخط -

دخلت فرنسا، يوم الثلاثاء 17 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، اليوم الثالث عشر في سياق الاحتجاجات على مشروع قانون إصلاح التقاعد، الذي تريد حكومة إيمانويل ماكرون فرضه.

التظاهرات التي انطلقت في معظم أنحاء فرنسا صباحاً، عدا العاصمة وعددا قليلا من المدن، التي انطلقت تظاهراتها بعد ظهر اليوم. وأكدت نقابة "سي جي تي"، وهي من أشرس النقابات الفرنسية في مواجهة قانون إصلاح الرواتب، خروج 200 ألف شخص في مارسيليا، و35 ألفا في روان، و30 ألفا في سانت إتيان، و20 ألفا في نيم، و17 ألفا في أفينيون، و30 ألفا في غرونوبل، و13 ألفا في أورليان. كما أن أعداد المتظاهرين ازدادت في مدن وبلدات أخرى.

ويبدو أن استقالة المفوض الأعلى للتقاعد، و"رجل التقاعد" في حكومة ماكرون، جان ـ بول دولوفوا، بسبب تستره على وظائف كثيرة كان يشغلها في القطاع الخاص، اثنتان منها بمقابل مادي، والجمع بين وظيفة رسمية وأخرى خاصة الذي يعد محظوراً في فرنسا، إضافة إلى قرار نقابة "سي أف دي تي" الإصلاحية، المشاركة في هذه التظاهرات احتجاجاً على عدم أخذ مطالبها بعين الاعتبار، منها رفض تمديد سن التوازن إلى 64 عاماً، دفعت أعداداً إضافية من المتظاهرين إلى الشارع. وتجدر الإشارة إلى أن آخر تظاهرة شاركت فيها هذه النقابة الإصلاحية التي تفضل الوقفات، إلى جانب نقابات أخرى، تعود إلى عام 2010، وكانت ضد مشروع قانون لإصلاح التقاعد، في ظل حكم اليمين الفرنسي.   

أما مدينة باريس، المنطقة الأكثر تأثراً بالإضراب في قطاع النقل في فرنسا، فشهدت خروج، بحسب إحصائيات نقابة "سي جي تي"، 350 ألف شخص إلى الشارع، تعبيراً عن رفضهم مشروع قانون التقاعد، والمطالبة بسحبه. وهو رقم أعلى من تظاهرات سابقة بباريس في 5 ديسمبر/ كانون الأول، حينها أحصت النقابة 250 ألف شخص.


وكرّر الزعماء النقابيون مطالبهم. الأمين العام لنقابة "سي جي تي" فيليب مارتينيز، كشف أن التعبئة في الشارع كانت قوية، ما يتطلب أن تنصت إليها الحكومة، "وهذا ما نريده منها، و"يجب سحب المشروع الحالي، والعمل على تطوير النظام الحالي". كما أن حلفاءه في نقابة "قوة عمالية"، طالبوا الحكومة بسحب مشروعها، و"في هذه الحالة تتحرك القطارات".

وشدد زعيم نقابة "سي إف دي تي" على أن نقابته "ستحارب النظام التقاعدي (السن التوازني 64 عاماً)، وتطالب الحكومة بسحبه". وتوعّد أنه في حال عدم سماع الحكومة مطالب نقابته، "سنكون في الشارع من جديد في شهر يناير/ كانون الثاني". أما نقابة "الاتحاد الوطني للنقابات المستقلة"، فأشارت إلى أنه "ستكون هناك هدنة في أعياد الميلاد. وإذا لم يحدث أيّ تغيّر في موقف الحكومة من الآن وحتى شهر يناير/ كانون الثاني، فسنعود إلى الشارع".

يشار إلى أنه على الرغم من تواجد كل النقابات في الشارع اليوم، فهذا لا يعني وجود وحدة نقابية. إذ أن نقابات "سي جي تي" و"القوة العمالية" و"سود" و"سوليدير" ترغب في أن تسحب الحكومة مشروع قانونها، وترفض رفضاً مطلقاً التقاعد بالنقاط، في حين أن نقابة "سي إف دي تي" تشدد على ضرورة التقاعد بالنقاط، ولا تختلف عن الحكومة إلا في رفضها الـ64 عاماً كعمر التوازن.         

ويبدو أن هذا الاختلاف بين النقابات، والذي قد يؤثر على شعبية الحراك، لا يخفى على الحكومة، فقد بادرت الناطقة باسم الحزب الحاكم "الجمهورية إلى الأمام"، إلى التأكيد على أن سن التوازن قابل للنقاش، وما يكشف عن رغبة حكومية في شق الوحدة النقابية. كما أن رئيس الحكومة الفرنسية إدوار فيليب، حاول التهوين من استقالة المسؤول الحكومي عن ملف التقاعد، فأكَّد أن لديه ولدى حكومته "التصميم الكامل على إنجاز الإصلاح"، وهو "تصميم على خلق نظام شامل وضرورة منح التوازن لنظام التقاعد الجديد وإعادة التوازن للنظام الحالي".

ولن تتحسّن ظروف النقل غداً الأربعاء في باريس وضواحيها. فالإضراب سيتواصل لليوم الرابع عشر على التوالي، وهكذا ستظل 8 خطوط مترو مغلقة، في وقت لن تعمل البقية إلا في ساعات الذهاب أو العودة من العمل، التي تعرف حشوداً كبيرة من المواطنين. كما أن الحركة في قطارات الضاحية الباريسية السريعة ستكون بطيئة، أي قطار واحد من بين ثلاثة قطارات، والشيء نفسه بالنسبة للباصات والترام.


وفي ما يخص سير القطارات أيام الأعياد، والتي يخشى أن يؤثر الإضراب على تنقل المسافرين خلالها، دعت الحكومة إلى طلب هدنة من النقابات، ما يشترط سحب الحكومة مشروعها. وأكد المكتب الوطني للسكك الحديدية أنه سيكون بمقدور الشركة نقل جميع المسافرين، الذين حجزوا تذاكرهم في القطار السريع "تي جي في"، خلال أعياد الميلاد (ما بين 19 و22 ديسمبر/ كانون الأول المقبل)، لكن مع حدوث تغييرات في التوقيت لنصف الحالات. والنتيجة هي أن 53 في المائة سيجدون قطارهم في الوقت، في حين أن 15 في المائة سيسافرون في قطار في اليوم نفسه. أما الـ32 في المائة الباقين، فعليهم أن يُغيروا بأنفسهم تذاكرهم من أجل حجز في نفس اليوم ونفس الاتجاه. وطالبت الشركة من المواطنين الذين لا ينوون السفر أن يقوموا بإلغاء فوري لحجوزاتهم، حتى يستفيد منها مسافرون آخرون.

وفي ما يتعلق بالاتصالات والمفاوضات، يبدو أن النقابات مدعوّة غداً وبعد غد للقاء الحكومة الفرنسية. وهي لقاءات لا ينتظر منها المعجزات، كما تتوقع النقابات التي اختارت التصادم مع الحكومة. والوقت يمرّ، إذا علمنا أنّ مشروع القانون، وكما صرح رئيس الحكومة، سيُعرَض على مجلس الحكومة في 22 من شهر يناير/ كانون الثاني المقبل. كما أن الالتفاف الشعبي حول النقابات الذي يقدّر بنسبة 62 في المائة، لا يمكن ضمان استمراره في ظلّ الصعوبات التي يواجهها المواطنون في اللحاق بأماكن عملهم، وفي السفر لقضاء أعياد الميلاد مع أهلهم.  ​