خفف إعلان الرئيس العراقي برهم صالح، أمس الاثنين، من باريس، عن محاكمة 13 متطرفاً فرنسياً تسَّلَمَتهم بلاده من مليشيا "قوات سورية الديمقراطية" وفق القانون العراقي، متهمين بـ"ارتكاب جرائم ضد العراقيين وضد منشآت عراقية في العراق"، بعض الجدل حول هذه القضية التي تُثار في كل مرة يُعتقل فيها متطرف فرنسي في بلد أجنبي.
ولم يعترض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان يقف إلى جانب برهم صالح في الإليزيه، على موقف الأخير، معتبراً أنه من صلاحية بغداد أن تقرر إن كان هؤلاء المتطرفون سيخضعون لإجراءات قضائية في العراق.
وأشارت صحيفة "لو باريزيان"، نقلاً عن مصدر أمني فرنسي، تأكيده على أن العقيدة الفرنسية لم تتغير، وهي أن الفرنسيين المتهمين بارتكاب جرائم وجُنَح في الخارج يجب عليهم، قدر الإمكان، دفع الثمن في البلدان التي اعتقلوا فيها، وأن لهم الحق في حماية قنصلية، كما هو شأن أي مواطن فرنسي.
ورأت الصحيفة أن الحكومة الفرنسية في ورطة، لأنه يتوجب على الفور إيجاد حلّ لقضية 60 بالغاً، و90 طفلاً.
كذلك تعيب الصحيفة على الحكومة غياب الشجاعة السياسية في التعامل مع القضية، من حيث محاولة مراعاة الرأي العام الفرنسي، ما يجعل القضاة ينتظرون عودة هؤلاء في شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار، ولكن لم يصل أحد.
وتتساءل الصحيفة إن كان السبب يعود إلى أن فرنسا تناور في الكواليس من أجل نقل متطرفين آخرين إلى العراق، كما يتهم بعض محامي هؤلاء؟ ثم تنقل تأكيد المحامية كاميل لوكوت، المكلفة بالدفاع عن 12 متطرفاً فرنسياً معتقلين لدى الأكراد السوريين، أغلبيتهم من النساء، أنه بـ"سبب غياب شجاعة سياسية، تقوم فرنسا بإعادة القضية إلى العراقيين. إننا ندوس قِيَمنا. وهذا مثيرٌ للذهول".
من جهة أخرى، يُبدي محامي كثير من النساء المعتقلات في سورية والعراق، فانسان برينغارت، في موقع "فرانس أنفو"، تفهماً لموقف الرأي العام الفرنسي المعارض لمحاكمتهم في فرنسا، إلا أنه يبدي قلقاً من احتمال صدور أحكام بالإعدام، في الوقت الذي ألغت فيه فرنسا هذا الحكم.
وهذا الموقف العراقي، الذي عبّر عنه الرئيس العراقي برهم صالح، من قضية "الجهاديين"، في الوقت التي تحرص فيه دول غربية أخرى على استعادة مواطنيها المتطرفين، يطرح بعض التساؤلات، فلا شيء من دون مقابل، وهو ما يشدد عليه المحلل السياسي جان لوك ماري، حين يؤكد أن "العلاقات الثنائية العراقية الفرنسية شهدت بعض التطور، لأن فرنسا تحاول، بشكل شرعي، أن تجد لها مكاناً اقتصادياً جيداً من أجل إعادة بناء العراق. ومن هنا، انبثاق شراكة فرنسية عراقية، وقضية العائدين الجهاديين تندرج في مجموع هذا الإجراء".
وشدد الرئيس العراقي في الندوة الصحافية أمس على أهمية هذه الشراكة الفرنسية - العراقية، وأيضاً الشراكة الأوروبية العراقية.
يبدو إذن أن محاكمة هؤلاء الفرنسيين في العراق تريح الحكومة الفرنسية، وهو ما يؤكد عليه جان لوك ماري، المحلل السياسي، لموقع "فرانس أنفو".
ويعتبر جان لوك ماري أن عودة هؤلاء المتطرفين وإدماجهم على الطريقة الدنماركية مستحيلة في فرنسا. ويبرر الفرق بكون عدد المتطرفين في سورية والعراق كان كبيراً؛ 1700 فرنسي مقابل 125 عائداً دنماركياً، إضافة إلى أن فرنسا شهدت اعتداءات إرهابية دامية. ويختم بأن فرنسا "هي من البلدان النادرة التي تقبل أن يحاكَم مواطنوها في بلد آخر".
تجدر الإشارة إلى أن فرنسا عرفت هذه القضية عام 2018، حين اعتقلت القوات الكردية بعض المتطرفين الفرنسيين، ومنهم توماس بارنوان وإيميلي كونينغ، ضمن مجموعة تضم 40 شخصاً، من بينهم نساء وأطفال. وكان الموقف الفرنسي، حينها، في انسجام مع رأي عام فرنسي مُعارِض لعودتهم، هو محاكمتهم في عين المكان، واحتمال عودتهم، بشكل فردي، كل حالة على حدة.
وهذا الموقف يحظى بدعم قوي من اليمين المتطرف وبعض قيادات اليمين، ومنهم النائب البرلماني عن مدينة نيس، إيريك سيوتي، الذي صرّح لقناة "بي إف إم تي في"، وأمام منابر أخرى، "أن من سافر، ومن خان أمتنا، ومن توجَّه للقتال بأيديولوجية الموت ضد قيم حضارتنا وأمتنا، ليس له حق العودة".
وهو موقف يعارضه كثيرون، ومنهم بيير بوشوت، المختص في شؤون المغرب العربي والشرق الأوسط، حين كتب في مجلة "ليزانروك" أن "محاكمة هؤلاء المتشددين على أرضنا ستتيح إجراء حوار وطني يحتاج إليه مجتمعُنا من أجل مواجهة هذه الظاهرة، والتوقف عن إنكار استمرارها ومواجهتها بأسلحة العدالة والعقل والديمقراطية والقانون".