عقب صعود الديكتاتوريات في العالم العربي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مع ارتباط ذلك بتبعات "نكسة حزيران"، بدأت الأغنية السياسية تجد أرضية للانتشار عربياً. من هذه التجارب كانت "فرقة الطريق" العراقية، التي بدأت نواتها الأولى قبل أربعة عقود مع تشكيل "جماعة تموز للأغنية الجديدة" سنة 1976، من قبل الموسيقي حميد البصري والكاتب زهير الدجيلي.
في تحليل أسباب انتشار الأغنية السياسية، كثيراً ما يذكر المؤرخون جريمة قتل المغني التشيلي فكتور خارا عقب انقلاب بينوشيه سنة 1973، الحدث الذي أثّر في ضمير فنّاني العالم كله وقتها. بعد هذا الحدث، سنجد في العراق، وغيرها من البلدان العربية، العديد من الفرق التي غنّت للثورة والحرية والنضال، لكنها في الغالب لم تستمر طويلاً، نذكر منها؛ "فرقة الرواد المركزية" التابعة للحزب الشيوعي العراقي، و"بلز"، و"أجراس".
بالعودة إلى "جماعة تموز للأغنية العراقية"، فقد أُجبِر أعضاؤها على مغادرة العراق في أواخر السبعينيات، ونجد أول ظهور للفرقة على مسارح اليمن الجنوبي سنة 1981. مع مرور الوقت، بدأت الفرقة تجد أصداء عربية لها في دمشق وبيروت وفلسطين، وبدأ المستمع العربي يتلمّس أغنية سياسية غير مألوفة بالنسبة له، خصوصاً مع لمسات الملحن حميد البصري وأصوات شوقية العطار وفؤاد سالم وإلهام. طبعاً لا بد من الإشارة هنا إلى "الانشقاقات" ضمن الفرقة والتي كانت سمة رئيسية في تلك الفترة.
غنت "فرقة الطريق" عشرات الأغاني التي كانت تهدف وقتها إلى "التغيير الثوري"، وتعبّر عن "الالتزام بقضايا الجماهير". من هذه الأغاني نذكر "يا رفيق"، و"غنوا لرفيق"، و"حرية"، وغيرها من الأغاني. ساهمت الأحداث المتلاحقة التي عاشتها البلدان العربية في انتشار أغاني الفرقة في الثمانينيات، فمن على مسارح بيروت ودمشق كانت الفرقة تغني للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وتردّد معها الجماهير أغاني "يا سما أكتوبر"، و"صبرا وشاتيلا"، و"صوت الشهيد"، و"كفر قاسم"، "بيروت" وغيرها.
استمرّت هذه الفترة إلى مطلع التسعينيات. وقتها، بدأت فرقة الطريق، خصوصاً بعدما حصل حميد البصري على اللجوء السياسي في هولندا، ولحقت به بعدها زوجته شوقية العطار، لتأخذ التجربة في المنفى ألواناً وتسميات أخرى.
عند الحديث اليوم عن "فرقة الطريق" العراقية، التي يعيش فنانوها في المنافي، سرعان ما تعود إلى الذهن بضع أغان تتصف ببعدها عن الخطاب السياسي والمباشر ومقدرة شوقية العطار الصوتية، نذكر منها "تدرون ليش نحب"، و"نحبكم والله نحبكم" وغيرها.
لعل استعادة تجربة "فرقة الطريق" ضرورية عند مراجعة تاريخ الأغنية السياسية في المنطقة العربية، كونها تجربة تضيء على احتكاكات مع السلطة من جهة، ومن جهة ثانية لأن بدايتها ونهايتها تكاد تكون عنوان مرحلة بأكملها، مرحلة كان من المبكر التسليم بفرضية تشير إلى أن "الواقع غير الإيديولوجيا".