فرعون وحرسه وكهنته... الأدب على الطريقة المصرية

13 فبراير 2016
السلطة تقوم على ثلاث "القوة والثروة والمعرفة" (فيسبوك)
+ الخط -
تتحدث جوليا كريستيفا عن سلطة البشاعة، ثم تستعين برؤى جورج باتاي ومقولة الشر مؤكدة أن هناك ضرورة لتسليط دائرة الضوء على البشاعة وسلطتها وسطوتها، التي تَوهّمنا أنها هامش قابل للتجاوز ولا بد من تجريده وتعريته، وصولاً إلى القبض على حقيقة نفوسنا في حصتها من البشاعة، بل الدناءة أيضا من عالم الكتابة لكاتب ما، إلى فعاليات سياسية وأيديولوجية كل ذلك يقودني لمعرفة الأدب على الطريقة المصرية في سلطتها الحاضرة.


إن ما نشهده لا يمثل خطلا عابراً، بل متنٌ يُعبر عن ثقافة مضمرة تابعة لغائيتها المُشْهرة، وهي تمتح من تاريخ الشر والبشاعة، وتؤكد سطوتها بكل ما تمليه علينا من حقائق تبدو صادمة ومنجزة لا تقبل شكا أو تحويرا، وليس علينا أن نستقبل ذلك فاغري الأفواه، ولا مذهولين، بقدر ما علينا أن نواجه عفويتنا، وبساطة وعينا، أو ضحالته، الوعي الذي لم يمتثل لسمات الضحالة لولا أنه مشوب بالبراءة التي لم تدخر لها أسلحة، سوى نصاعتها مثل دم يهدر ليس بحاجة لأكثر من أن يبين كوصمة في الوجه المعفر بكثير من مساحيق الدجل، والتملق، وصباغه المطرد اللون، والصوت، والصورة.

منذ انتقال البشر من العيش المفرد إلى جماعات متجاورة، تربط بينها مصلحة وجودية، أو قرابة دم ثم نشوء القبيلة، استقر النظام الاجتماعي على جملة أسس تشكل القبيلة نواتها، وانتقلت من طاعة الأب الحقيقي، إلى الشيخ الذي يتنازل أفراد القبيلة عن جزء مما يخصهم من حقوق وحريات ومال، لصالح عقد اجتماعي أو عرف تواضعوا عليه لحل النزاعات، ثم ظهرت الدول القديمة مبنية على هيئة نظام اجتماعي له مقومات اقتصاد وسياسة وسلطة أوسع مما سبق، وفي الشكل الحديث للدولة يتم التركيز على احتكار العنف القانوني بيد من يمثلونه دستورياً وقانونياً، بل ويحصر بآليات محاسبة دقيقه لتقنينه ومراقبة أي خلل من رأس هرم السلطة إلى آخر شرطي فيها في مخفر حدودي لئلا يتجاوز أو ينتهك، بمعنى تنازل المجتمع عن حق أصيل لسلطة تعبر عنه ملتزمة بحقيقة أن السلطة واجب/ حق مكتسب، خاضع للتقييم من قِبل ذوي الحق الأصيل وممثليهم، وهنا يكمن الانتهاك لحق المجتمع الخديج في إعادة القبض على زمام الرقابة بعد نسف مؤسساته المدنية الموؤودة، ولعل جريمة قتل الجيش المصري العرمرم ذاك المعوق عقلياً على حدود غزة تفضح أعلى نقطة من هرم السلطة، المشكلة أن القتيل كان عاريا، عاريا تماما بلا حزام ناسف أو عبوة أو قنبلة، ولعل قتله من باب حفظ الأدب الذي يخالف العري الصريح، تماما مثل تحرج هذا النظام الخجول بفاجعة الكوندوم، بينما كان اعتبار الراقصة فيفي عبده أما مثالية هو الأدب بعينه.

يقول نيتشه: "الكهنة هم الأكثر إفساداً لأنهم الأكثر عجزاً" ولعلي أجترح أنهم الأكثر تكريساً لمقولة السلطة فهناك بون شاسع بين سلطة الكهنة وكهنة السلطة لما يمثله من انبطاح وخنوع وتسويغ كذلك، ولسنا نعلم في أي خانة نضعهم حراسا، أم كهنة، نفهم مقولة حراس الخديعة وعرابي خياناتها من تصريح وزير العدل المصري، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، وتأتي التسمية هنا معبرة وفي مكانها الصحيح، نعم هو أعلى طاقة حقد وشراسة للقضاء على الآخر هي ليست قضاء يُلجأ له لاحتكام بين طرفين، بل قوة قضاء طرف على من افترضه نقيضا وهيأ له تتمة المذابح، ليس سلاحاً فقط بل ومقولات تهديد وعداء أعلى من مستوى التنادد في الرأي لتكرس في ذهنية الجميع، الخوف، الخضوع، أو القتل لكل مخالف كما تفوه الوزير المذكور وكأنه قائد قومي أيام حرب الـ 1973 برغبته في قتل من يخالفه ولو بعشرات الآلاف ليرضي قلبه في عقلية ثأرية لم تخلُ من التشفي، لم يفكر بها مقهورو الثورة ولا ضحاياها.

يقول ألفن توفلر إن الدولة/ السلطة تقوم على ثلاث "القوة والثروة والمعرفة" كما يطرح ميكيافيلي للأمير، أن أساس تثبيت السلطة "الحب والخوف" هنا ينتقل النظام المصري بقفزة واحدة من ممارسة القمع والبطش، إلى التأسيس لخلق الخوف بشكل صريح، ومعلن، وتعميمه وتسويقه، ولعلنا نتساءل كيف رمى بورقة الحب والكذب جانبا، ليلغي جوقة كهنة، وسحرة فرعون، ويحول الجميع إلى حرس يمتلك أدوات المؤسسات أو العصابات الثلاث، إن الحقيقة لا تحتاج لعزاء رغم أنها تشكل كدمة للعقل، ورضّا لمسلّمات الكثير، فعدم اهتمام "جوكر" الفرعون بالكذب المنشئ للحب ليس إلا لأنه استمد مشروعيته من قوى دولية أشاحت بوجهها عن دمنا المسفوك، من رابعة إلى آخر دمنا المسفوح على مذبح المعرفة ولي أن أستعير المعرفة بدلا من الحرية، لأنه لا بد من أن نعرف من معنا ومن علينا، لندرك شكل حريتنا وشروطها وأدواتها، ذاك سؤالنا كشعوب شرق منتهك بكذبة العدل الانساني وحقوق الإنسان وغيرها.

لم يعد مجدياً التساؤل هل تغير شيء في هيئة الأمم ومنظماتها الإنسانية؟ إنها هي هي لا جديد سوى اكتشافنا أنها قبلت بتزوير الأنظمة فقد مارست دور الشاهد الزور، والرسول المؤتمن الذي أنيط به إيصال الحقيقة فخانها، أمام ذلك نقف عاجزين، وعلينا أن نتحسس أقدامنا لا رؤوسنا ونتساءل على أي أرض نقف، الفتنة لم تكن نائمة الفتنة بل سارية كالنار في الهشيم ونحن كنا عنها نائمين، افتتنا ببعضنا وأصبحنا بيادق تلعب بنا الدول ومصالحها، ورغم إدانتنا للعنف من منا مازال يعتبر أمريكا محتلة للعراق، ومسؤولة كسلطة احتلال عما يجري فيها بعد 13 عاما، ومن منا يجرؤ على التحدث عن مقاومة للأميركان وأزلامهم، ولعل مفهوم الدولة العميقة يتأسس على حزمة البنى الراسخة لهذا المبدأ داخليا، لكن ما علينا قراءته وبدقة والتشرب به لئلا نتوهم في فهم بنية العصابة العميقة أو المكرسة، هو ذاك العمق رأسيّ للنظام/ الدولة ــ العصابة المتلبسة لنظام الحكم المسوقة لدولتها، يستمد رسوخه من الخارج، ذلك أن قوى دولية بمؤسساتها وقواها وهيئاتها الرديفة وآلتها الإعلامية ما هي إلا مصادر منح مشروعيتها، ولعله علينا أن نصفع أنفسنا إن تساءلنا، أو استغربنا، أو سعينا لطرح أوجاعنا أمام هيئات منمقة لنظام عولمي متوحش يؤمن بالمصالح لا بالحقوق، ولي أن أجزم أن أشبه من يطالب بحق الشعوب كمن يترافع في دعوة ما، أمام قاض خائن أو مشترى، هو خصم نصبه العدو حَكَما.

(سورية)
المساهمون