فرسان غزة

16 فبراير 2015
فرسان غزة
+ الخط -
بدا المكان هادئاً إلا من صهيل الخيول، وتشجيع بعض الزوار، الذين جاؤوا إلى نادي الفروسية، الواقع غربي مدينة غزة، للاستمتاع بلوحة فنية كان يشكلها الفتى مالك الجعبري، مع أصدقائه الفرسان، وهو يمتطي صهوة جواده، ويقفز من على الحواجز الحديدية، بحركات متقنة ورشاقة عالية.

وكان جمال المشهد، يزداد كلما علت أصوات هدير الأمواج القادمة من البحر المتوسط، الذي لا يبعد سوى أمتار قليلة، عن مضمار التدريب، الذي كان قبل عدة أشهر، عرضة لتساقط قذائف الاحتلال الإسرائيلي عليه، في محاولة لتدميره وقتل رياضة ركوب الخيل، التي عادت لها الحياة حديثاً في غزة.

ولم يفت الجعبري أن يداعب جواده، ذا اللون الأبيض، بعدما انتهى من جولة تدريبية استمرت لنحو ساعتين. ويقول الجعبري لـ "العربي الجديد" إنّ "الفارس الناجح هو الذي ينسج علاقة تآلف مع الحصان، في وقت قصير، الأمر الذي يساعد الفارس على أداء فنون الرياضة بمرونة عالية، مما يكسبه السعادة والمتعة".

ويمارس الجعبري (16 عاماً)، رياضة ركوب الخيل، منذ أربع سنوات، فيما يسيطر عليه الطموح لتمثيل فلسطين في إحدى المسابقات الدولية، إلا أنّ إغلاق المعابر الحدودية والحصار الإسرائيلي، يقفان عائقاً أمام طموحه، وهما اللذان منعاه من المشاركة في مسابقة خارجية في روسيا عام 2014.

ويوجد في قطاع غزة أربعة أندية تهتم برياضة ركوب الخيل، وتعتبر حاضنة لتدريب نحو ألفي فارس، افتتح أولها عام 1999 برعاية الرئيس الراحل ياسر عرفات، غير أن الحصار الإسرائيلي المضروب على القطاع منذ عام 2007، ونقص الاهتمام وغياب الدعم، أجبر أحد الأندية على إغلاق أبوابه قبل عامين.

ونجح حذيفة ياسين، خلال بضعة أسابيع، في كسر حاجز الخوف من الخيل، كخطوة أولى أساسية على صعيد تعلم هذه الرياضة، التي يتبعها المرحلة الثانية، بكسب بعض المهارات الفنية وزيادة اللياقة البدنية للفارس، أما الثالثة، فتتمثل في تعلم قفز الحواجز، وهي المرحلة التي تؤهل المتسابق للمشاركة في المسابقات الخارجية.

ويعبر الشاب ياسين (22 عاماً) عن سعادته البالغة في تعلم رياضة ركوب الخيل. ويرى أن هذه الرياضة بحاجة إلى سرعة بديهة وتركيز مع تعليمات المدرب، وهي تكسب المتدرب روح الفريق والقيادة بجانب المتعة واللياقة البدنية.

وحرم الحصار، فرسان غزة من المشاركة في المسابقات العربية والأجنبية، إذ شهد عام 2007، حصول فلسطين، ممثلة بالفارس الغزي عمر المملوك، على المركز الأول، بمسابقة دولية أقيمت في الإمارات العربية، تنافس فيها 22 دولة، قبل أن يغلق باب المشاركات الخارجية في وجه فرسان غزة، نتيجة للحصار.

ويشير المملوك، الذي يمارس رياضة ركوب الخيل منذ نحو أربعة عقود، إلى أن رياضة الخيل مرت بحالة موت سريري منذ عام 2007 حتى السنوات القليلة الماضية، التي شهدت انتعاشاً بسيطاً على إثر اهتمام بعض رجال الأعمال بالرياضة وإعادة افتتاح بعض الأندية، في ظل إمكانيات محدودة.

ويقول المملوك (53 عاماً) في حديث لـ "العربي الجديد"، إنّ رياضة ركوب الخيل دخلت إلى غزة، منتصف الثمانينيات، وحينها اعتمد غالبية الهواة، على أنفسهم في تنمية مهاراتهم عبر الخروج إلى الدول العربية، وحضور الدورات المتخصصة وكسب الخبرة من أهل الاختصاص.

ويوضح المدرب المملوك أن نوادي غزة يوجد فيها حالياً نحو 50 فارساً وفارسة، مؤهلين للمشاركة الخارجية، وقادرين على حصد مراكز مميزة، إلا أنّ إغلاق المعابر الحدودية هو العائق الأساسي أمامهم، مبيناً أن فرسان غزة جلبوا إلى فلسطين ست جوائز دولية خلال مشاركتهم الخارجية قبل عام 2007.

بدورها، ذكرت مديرة نادي الفروسية، أمل ياغي، أن إقبال المواطنين على تعلم رياضة ركوب الخيل، بدأ يزداد خلال الأربع سنوات الماضية، ويرتفع الإقبال خلال فصل الصيف بشكل كبير، الأمر الذي يؤكد ضرورة توفير حاضنة حقيقية لرياضة ركوب الخيل والاهتمام بها.

وأضافت ياغي لـ "العربي الجديد"، أنّ قطاع غزة فيه عدد كبير من الفرسان البارزين يتمتعون بمهارات عالية جداً، من جميع الفئات العمرية ومن كلا الجنسين. ولفتت إلى أنّ النادي عكف خلال السنوات الماضية، على تنظيم المسابقات المحلية على مستوى فرسان قطاع غزة، في ظل عدم تمكنهم من المشاركات الخارجية، فنظم نحو 16 مسابقة بتمويل ذاتي، مبينة أن أسعار الخيول تتراوح من بين ألفين إلى سبعة آلاف دولار، وفقاً لإمكانيات النادي المادية.
وافتتحت في مدينة غزة عام 1994 أول مؤسسة محلية تهتم برياضة ركوب الخيل، تحت اسم الجمعية العثمانية للخيول، قبل أن تتحول بعد أربع سنوات من الافتتاح، إلى الاتحاد الفلسطيني للفروسية، والذي يتخذ من الضفة الغربية مقراً له.
دلالات
المساهمون