وبعد خروجه من رئاسة الحكومة بعشر سنوات، تخلص الرجل المتكتم والجاد والبسيط، الذي وصف نفسه بأنه "رجل غير مزاجي يصعب إغضابه"، من تلك الوصاية الساركوزية التي أثقلت كاهله. وفي سن 62 عاماً، نجح في تحقيق مفاجأة مع حلوله في الصدارة، في سباق كان يعتبره كثيرون مبارزة بين ساركوزي ورئيس الوزراء السابق، ألان جوبيه.
وبرع فيون في رسم برنامج سياسي عنوانه الأساسي حلول اقتصادية صادمة من أجل تقليص دور الدولة في الاقتصاد، يذكّر بسياسة رئيسة الوزراء البريطانية، مارغريت ثاتشر، وبأفكار اجتماعية محافظة مبنية على مرجعية مسيحية تقليدية.
ولم يتردد فيون في الجزم بأنه لا يؤمن بفرنسا "كبلد متعدد الثقافات"، خلال المناظرة التلفزيونية الأخيرة، التي جمعته مع جوبيه، الخميس الماضي. وأرسى فيون دعائم برنامجه على مهل، وخلال شهور طويلة، وبحذر شديد، خلال الفترة التي كانت فيها الأضواء مسلطة على ساركوزي وجوبيه.
وتعرض فيون لكثير من الانتقادات، حيث وُصف بأنه "مغال في ليبراليته" و"غير موثوق"، وانصبت الانتقادات بشكل خاص على وعوده بإلغاء نصف مليون وظيفة في القطاع العام خلال خمس سنوات. كما هوجم باعتباره "تقليدياً"، لأنه أبدى تحفظات شخصية على الإجهاض، انطلاقاً من معتقداته الكاثوليكية، وبأنه يحظى بتأييد معارضي زواج المثليين، وحتى قسم من اليمين المتطرف.
لكن فيون الكاثوليكي المحافظ، والأب لخمسة أطفال، عرف كيف يستفيد، في الشق الاجتماعي تحديداً، من المواضيع المحافظة، التي منحته شعبية متزايدة في أوساط الفرنسيين. كما أنه استفاد من صورة الرجل المسؤول والنزيه، الذي لم يتورط أبداً طوال مسيرته السياسية في ملفات قضائية، خلافاً لمنافسَيه، ساركوزي وجوبيه.
يتميز فيون، أيضاً، بمواقفه في ما يخص السياسة الخارجية، وتحديداً أفكاره بما يخص الأزمة السورية والتدخل الروسي. فهو يدعو، بكل وضوح، إلى التحالف مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وحليفه الإيراني، والدفاع عن نظام بشار الأسد، ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وضد المعارضة السورية.
ويعتبر فيون أن فرنسا والدول الغربية الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، مخطئة في تقدير الأوضاع في سورية. وقال، في تصريح الشهر الماضي: "منذ سنوات تأمل واشنطن وحلفاؤها الغربيون في قلب نظام بشار الأسد، وهم يعتبرون أن الأزمة السورية هي ثورة شعبية بدل الاهتمام بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية". ويعتبر أن "الأمور أكثر تعقيداً في سورية، ولا
يتعلق الأمر بثورة شعبية ضد النظام، لكون الأسد يحظى بدعم قوي من طرف شريحة واسعة من السوريين، ومنهم المسيحيون، وهذا ما لا يريد الغربيون فهمه".
ويدافع فيون بشراسة عن بوتين، ولا يتردد في التأكيد أن "روسيا هي القوة الدولية الوحيدة التي تنتهج سياسة واقعية وبراغماتية في سورية، وهي حسمت الأمر بمساندتها نظام الأسد ضد تنظيم داعش والمتطرفين الجهاديين".
ويركز فيون، كلما تعلق الأمر بسورية والأوضاع في المشرق العربي عموماً، على الدفاع عن مسيحيي الشرق، انسجاماً مع القاعدة الشعبية المسيحية لليمين المحافظ. وإضافة إلى تثمينه لما يعتبره "دفاعاً عن الأقليات المسيحية في سورية من طرف نظام الأسد"؛ انتقد فيون بقوة أداء الحكومة الاشتراكية الفرنسية في سورية والعراق، معتبراً أن فرنسا "تخلت عن الأقليات المسيحية في الشرق، وتركتها عرضة للقتل والتعذيب والتهجير من طرف التنظيمات الجهادية المتطرفة".
أيضاً، دافع فيون عن إسرائيل وأمنها بقوة فريدة في الشهور الأخيرة. وأعرب عن رفضه حركة المقاطعة العالمية للمنتجات الإسرائيلية، وانتقد بشدة القرارات التي أصدرتها منظمة "يونيسكو" بخصوص الهوية الإسلامية للحرم القدسي، معتبراً أن الحكومة الفرنسية ارتكبت خطأ كبيراً بعدم معارضتها تلك القرارات.
وبالإضافة إلى هذه المواقف حيال الأزمة السورية؛ يعتبر فيون أن فرنسا أخطأت كثيراً في عهد الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، عندما تدخلت عسكرياً لإسقاط نظام العقيد الليبي الراحل، معمر القذافي.
واللافت أن فيون، في كل هذه المواقف، يرتكز على أيديولوجية يمينية، لها قراءة خاصة للتاريخ، تؤمن بتفوق المسيحية البيضاء، وإيجابيات الاستعمار، فهو يعتبر أن فرنسا "من خلال تاريخها الاستعماري قامت بعمل حضاري؛ وساهمت في نشر ثقافتها في المستعمرات السابقة"، وهذه نقطة أخرى أساسية يتقاسمها فيون مع اليمين المتطرف، الذي يدعو باستمرار إلى تمجيد التاريخ الاستعماري الفرنسي.