فراس كيلاني: الميديا الجديدة اخترقت قبضة الديكتاتورية.. واخترقها الناشطون

19 مايو 2014
فراس كيلاني
+ الخط -
الى أي مدى باتت وسائل التواصل الاجتماعي مصدراً سريعاً للاخبار يمكن الاعتماد عليه في التقارير الصحافية؟ سألنا الصحافي فراس كيلاني، من "بي بي سي - عربي"، عن مدى مساعدتها له في عمله التلفزيوني كصحافي ومراسل؟ وكانت في جعبته مفاجآت سرّها لنا.

يقول كيلاني، الذي مارس عدة مسؤوليات في التلفزيون طوال السنوات الماضية، كانت بينها تغطيته للحرب في ليبيا عام 2011:

لحظة الحقيقة التي طرحت التحدي الاكبر هي التي تلت إحراق محمد البوعزيزي نفسه وإشعال فتيل الثورات العربية. حينها، تبدّت أهمية الانترنت ووسائط التواصل، في إيصال المعلومات والصور سريعاً إلى الفضائيات الاخبارية، رغم كل محاولات حجبها من وسائل الإعلام الحكومي. وهو ما أسهم بشكل كبير في انتشار فتيل هذه الثورة التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، قبل أن تنتقل إلى مصر وليبيا واليمن والبحرين وسورية.

اليوم حين نعود، كصحافيين، للتفكير في تلك اللحظات، يبدو لنا أنه كان من المستحيل تغطية تلك الأحداث الهائلة، لولا وسائط التواصل الاجتماعي التي أتاحت وصول المعلومات والصور على اختلاف أنواعها، خاصة في دول مثل، سورية وليبيا، حيث النظام يحكم بقبضة أمنية مطلقة منذ أكثر من أربعة عقود.

مبالغة الناشطين الليبيين

لكن، بقدر ما أتاحت الثورة التكنولوجية من منافذ لهذا الحدث المهول، أسهمت في كثير من الاحيان في تضليل، ليس فقط المتلقّين، وإنما وسائل الإعلام على اختلاف مشاربها.

أذكر على سبيل المثال، أنني كنتُ أرأس تحرير ساعة إخبارية على الهواء في "بي بي سي" في تغطية مباشرة لتطورات الاوضاع في ليبيا، وكنا نتلقى اتصالات كثيرة ومعلومات من مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن "قصف بالطائرات وفتح نار على المتظاهرين من قبل مرتزقة أفارقة يعملون مع كتائب القذافي ما أسفر عن مقتل العشرات". وتلقينا اتصالاً حينها من أحد سكان طرابلس أكد فيه أن لا شيء مما نقوله صحيح، وإنه يسكن في المنطقة التي كان أحد شهود العيان يقول للتوّ إنها قُصفت بالطائرات شرقي العاصمة طرابلس، وإن شيئاً لم يحدث فيها.

وكان انطباعي الأول بانه يكذب، لكن للحقيقة والتاريخ، حين وصلت طرابلس في السادس والعشرين من فبراير/ شباط 2011، اكتشفت بعد زيارة المناطق التي قيل إنها قُصفت بالطيران أنها لم تُمسّ، كما أنه لم يثبت حتى انتهاء الثورة الليبية، أن القذافي اعتمد على مرتزقة أفارقة في حربه ضد شعبه، ولا استخدم الاغتصاب، كما يُتَّهَم، سلاحاً لإخضاع المناطق الثائرة، وهو أمر أكدته منظمتا العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش بعد دراسات دقيقة.

حين انتهت الثورة في ليبيا بمقتل القذافي، كانت آخر إحصائية نُشرت من قبل مواقع التواصل تتحدث عن مقتل نحو خمسين ألف شخص خلال الثورة التي استمرت حتى العشرين من اكتوبر/ تشرين الأول 2011. واحتاج الامر لنحو عامين آخرين ليتمّ التأكد بأن الرقم برمّته لم يتجاوز 6500 قتيل.

للأسف، بُثّت هذه المعلومات عبر كثير من وسائل الإعلام العربية، وبات من الصعب جداً التشكيك في صحتها أمام المتلقين باعتبارها حقائق لا يرقى إليها الشك.

معايير التحقق من الخبر والصور

وهنا يبدو من الضروري جداً إعادة الإشارة لأهمية التقاليد التي أرستها وسائل الإعلام الغربية في التعاطي مع ما يردها من وسائط الاتصال الاجتماعي، التي يطلق عليها (USER GENERATED CONTENT)، والقيود التي تُلزم نفسها بها للاعتماد عليها بصفتها مصدراً للمعلومات أو الصور. وهي تقاليد وقيود لم تتوفر في أي من المحطات العربية الإخبارية التي باتت في بعض الاحيان تبثّ من هذه المواقع بشكل مباشر.

في "بي بي سي"، ثمة إرشادات مكتوبة صارمة في هذا الشأن، منها على سبيل المثال أنه يكفي أن يكون الشخص الذي يصور المواد أو يبثّ الاخبار عبر وسائط الاتصال الاجتماعي، طرفاً في القضية التي يتحدث عنها، لرفض استخدام ما يبثّه. كما تكفي أي عملية مونتاج للصور لرفضها أيضاً.

مبالغات من ناشطين سوريين

لكن ذلك لم يحل دون تطوير آليات للتعاطي مع هذه الصور في الحالة السورية، مثلاً، كأن يتم استخدامها مع الإشارة إلى أنها مصورة من قبل معارضين وانه لا يمكن التحقّق من صحتها، وهو ما انتُقدت "بي بي سي" عليه كثيراً، رغم أنه الاسلوب الانجع للتعاطي مع هذه النوعية من المواد الإخبارية.

على المستوى الشخصي، أعتقد أنني كنت شاهداً على بعض الاخطاء في الحالة السورية، كالحديث عن قصف مخيم اليرموك بطائرات الميغ الذي بثته بعض تنسيقيات الثورة السورية، وهو أمر أتحدى أي إنسان أن يثبت صحته. هذا الخبر جرى بثه على "بي بي سي"، ولكنه نُسب إلى التنسيقيات، مع الإشارة إلى عدم إمكانية التحقّق منه، وهو ما ثبتت صحته لاحقاً.

الغريب في الامر أن مَن بثّ الخبر كان يعتقد أنه بهذا يسهم في شيطنة النظام السوري واستدعاء التدخل الغربي أو التسليح أو غيره، علماً بأن الخبر الحقيقي لا يقل سوءاً عن قصفه (المخيم) بالطيران، إذ تم استهداف جامع عبد القادر الحسيني بصاروخ (غراد على الاغلب) أسفر عن مقتل نحو عشرين شخصاً.

مضاعفة المسؤولية على الصحافي

هناك عشرات الامثلة التي يمكن اقتفاؤها في الاعوام الثلاثة الماضية تثبت خطورة الاعتماد على وسائط الاتصال الاجتماعي مصدراً أساسياً للمعلومات، رغم أهميتها الفائقة في حالات الانظمة الديكتاتورية التي لا تتيح أية بدائل.

أعتقد أن المسألة بحاجة للكثير من التدقيق، إذ بقدر ما أتاحت وسائط الاتصال الاجتماعي مداخل لأماكن لطالما ظلت عصيّة أمام الصحافي، إلا أنها زادت من عبء المسؤولية على عاتقه، خصوصاً في العالم العربي.

المساهمون