السودانيون المقبلون على الزواج بأغلبهم لا يهتمّون بإجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج. وعلى الرغم من توفر المراكز الصحية ومجانية الفحوصات، هناك حاجة إلى مزيد من التوعية في هذا الإطار.
في السودان، وفي كثير من الدول العربية، تطلب العروس من عريسها كل شيء قبل الزواج، كالثياب الفاخرة، والذهب، وحفل زفاف، والمنزل. لكن قلة يطالبن العريس بإجراء فحص طبي على غرار ما يحدث في بلدان أخرى تشترط ذلك. والعريس نفسه ينتظر من شريكة حياته أن تسعده، وتملأ بيتهما بالبنين والبنات، من دون أن يتأكد أنها قادرة على ذلك.
إلا أن بعض العائلات السودانية تعد استثناءً، مثل عائلة سعد مصطفى التي تقطن مدينة كوستي في ولاية النيل الأبيض (جنوب البلاد). وتصرّ الأسرة على التأكد من صحة أي شاب يتقدّم للزواج من إحدى بناتها. يقول سعد مصطفى لـ "العربي الجديد": "لا أطلب من الشاب إجراء الفحوصات الطبية، بل أقول لابنتي أن تفعل ذلك حتى تتأكد أنها ستتزوج رجلاً معافى". يضيف مصطفى أنّه "مع مرور الوقت، أدركت بناتي ضرورة الأمر". ويوضح أنه خلال السنوات الأخيرة، حرص على نشر أفكاره بين أصدقائه وأقاربه، لافتاً إلى أن كثيرين باتوا يصرّون على إجراء الفحوصات. ويرى مصطفى أن العلم بات قادراً على الكشف عن أية أمراض وراثية أو مشاكل أخرى تتعلق بالعقم أو الإنجاب. بالتالي، اكتشاف الأمر يساعد في تجنب كثير من المطبات بعد الزواج. ويشدّد الأطباء على أهمية الفحص الطبي قبل الزواج، لأنه يضمن وقاية للثنائي ولأطفالهما من الأمراض الوراثية والمعدية.
ويساعد الفحص الطبي قبل الزواج على التأكّد من سلامة الثنائي من أمراض الدم الوراثية، مثل ﻓﻘﺭ ﺍﻟﺩﻡ ﺍﻟﻤﻨﺠﻠﻲ، والثلاسيميا، والإيدز، وفيروس الكبد الوبائي، وغيرها. بعدها، يتوجب على الرجل والمرأة استشارة الطبيب في حال ثبتت إصابة أحد منهما أو كليهما بأحد هذه الأمراض. ويقول الطبيب وليد محمد سليمان لـ "العربي الجديد": "الفحص الطبي يضمن استقرار الحياة الزوجية، ويقلّل الأعباء المالية على الأسرة، ويخفف الضغط على المؤسسات الصحية، ويضمن قبل كل شيء ولادة أطفال في صحة جيدة". ويتحدث عن العجز الجنسي الذي يؤدي إلى الطلاق في أحيان كثيرة، عدا عن المشاكل النفسية، مشيراً إلى أن الكشف عن المرض يجعل الطرف الآخر يختار بين الاستمرار في مشروع الزواج أو التخلي عنه.
ويوضح سليمان أن لإجراء فحوصات قبل الزواج في السودان مبرّرات اجتماعية ودينية وصحية. مع ذلك، لا يحبّذ إصدار قوانين وتشريعات تلزم الراغبين في الزواج بإجراء فحوصات طبية، مشدداً على أهمية الوصول إلى هذه الغاية بالتدرج، بدءاً من التوعية والثقيف من خلال وسائل الإعلام ورجال الدين ومختلف كيانات المجتمع، للوصول إلى مرحلة يدرك فيها الشباب مدى أهمية هذه الفحوصات.
من جهته، يقول الأمين العام لهيئة علماء السودان إبراهيم الكاروري: "مقاصد الشريعة الإسلامية الداعية لحفظ النفس البشرية وقيام أسرة مستقرة ومجتمع معافى، كلها دوافع تحتم على الفرد المقبل على الزواج إجراء الاختبارات الطبية المطلوبة. وهذا أمر إيجابي يجب تشجيعه". يضيف لـ "العربي الجديد": "في وقتنا الحالي، كثرت الأمراض لكن تطوّر الطب. ويتوجب على كل مقبل على الزواج التأكد من قدرته على الإيفاء بالتزاماته الزوجية". ويشير إلى أنه في المستقبل، يمكن تضمين الفحص الطبي كشرط ضمن قانون الأحوال الشخصية.
وعلى الرغم من الأهمية التي يشير إليها الأطباء ورجال الدين وآخرون، إلا أن إقبال الشباب على إجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج ضعيف جداً، بحسب مديرة قسم الشراكات في إدارة مكافحة الأمراض في وزارة الصحة السودانية سهام عبد الله جابر. وتوضح أن هناك 655 مركزاً للفحص الطوعي، منها 357 مركزاً خاصاً بالنساء الحوامل لفحص الإيدز، بينما تهتم بقيّة المراكز بفحص الإيدز وفيروس الكبد الوبائي. وعلى الرغم من انتشار هذه المراكز في كل ولايات السودان، وتقديم خدماتها مجاناً، إلا أن الإقبال عليها ضعيف إلى حد كبير. تضيف جابر أنه خلال عام 2017، لم يتجاوز عدد الذين أجروا كشفاً طوعياً أكثر من 250 ألف شخص، علماً أن عدد السكان يقدر بـ 40 مليون نسمة.
وتبيّن جابر أن الخدمات التي تقدمها الوزارة للمقبلين على الزواج تشمل الإرشادات النفسية ودراسة تاريخ العائلة المتعلق بالأمراض، وفحص الأمراض الوراثية، مثل السكري والضغط، والأمراض المنقولة جنسياً، وتلك التي تسبب تشوهات خلقية لدى الأجنة. وتوضح أنه في السودان، يكثر زواج الأقارب. ويعرف عن بعض القبائل إصابتها بأمراض محددة، مثل فقر الدم المنجلي الذي ينتشر بين إحدى القبائل غرب السودان. وتعزو جابر العزوف عن إجراء فحوصات ما قبل الزواج إلى عدم وجود وعي كافٍ في المجتمع، مشددة على دور الإعلام ورجال الدين والأطباء. إلا أنها تتفق مع ما ذهب إليه سليمان في ما يتعلق بالتدرج في نشر هذه الثقافة وسط السودانيين، إلى حين جعل الفحوصات إلزامية لدى المقبلين على الزواج.