فتح وحماس في الضفة وغزة
دورتا أحداث محموتان، في الأراضي المحتلة والمحاصرة، واحدة يباشرها المحتلون، بالقتل والاستباحة، والثانية يباشرها الفلسطينيون، وهي انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات والنقابات، وما تشهده من سياقات المكاسرة بين فتح وحماس. وهي على علو ضجيجها، وعلى أهمية الفضاء الطلابي والشبابي الذي ينوب، في حالات الانسداد وتجلط الكيانات، عن البرلمان الغائب أو المزور؛ ليست إلا دورة في الفراغ، بمعايير الفعل التاريخي. فتح كامنة بقوة في غزة، وتتسع قاعدتها، بينما أطرها العليا في بؤس مُقيم، وحماس كامنة بقوة في الضفة، وتتسع قاعدتها، بينما أطرها في حال ارتباك وغير ذات رؤية محددة، للتعاطي مع المراحل والمآزق. الاثنتان، فتح وحماس، تتنافسان على شرف قيادة الحافلة، دونما أي اهتمام بالإجابة، قبلاً، عن سؤال مصيري ومهم: إلى أين يتجه من يقود الحافلة، وكيف، بعد أن يؤول إليه مقعد السائق؟
مقاربات كثيرة، يرتجلها المضطرون للكلام عن سؤال المصير، وكلها بلا منطق، أو قائمة على تعبيرات فاقدة المبتدأ والخبر. ففتح "المنتصرة" في الضفة لا تشرح كيف يمكنها استثمار انتصارها، وصولاً إلى الاستقلال والحرية، وقبلها تأمين كرامة السلطة. وحماس الغالبة في غزة لا تشرح علاقة أدائها بعناصر خطابها المتداول و"المنتصر" على العدو والشقيق. واقع الأمر أن هناك سلطتين غالبتين: واحدتهما أعيتها السياسة، ويسد المحتلون في وجهها كل الدروب، ويهينونها في كل دقيقة، ويفعلون كل قبيح وإجرامي، لإسقاط رهانها على التسوية، وجعله غير واقعي. وثانيتهما أعيتها المقاومة التي سُدت في وجهها كل الدروب، وجعلها المحتلون وبالاً على غزة، وكارثة تدمير، أعقبتها، في كل مرة، كارثة حصار خانق، لا تطيقه السجون نفسها، وكارثة خبز ورزق، وماء عذب، ووقود وإضاءة.
في دورة انتخابات الجامعات والنقابات، يُتلى على الناخبين خطابان مستدعيان من ماض بعيد أو قريب. كلاهما ثوري ومقاوم. في الخطابين، ليست هناك كلمة عن واقع الحال. فتح تتجاهل مأزق مشروعها، ومأزق علاقتها بنفسها وبالقاعدة الاجتماعية المفترضة، وبمستوى أداء وسلوك ومناقبية وزهد طليعتها "الثورية" المتصدرة. وحماس تتغاضى، تماماً، عن مأزق الحكم الذي تضطلع به في غزة، وعن مأزق علاقتها بنفسها، وبمستوى وأداء وسلوك ومناقبية طليعتها "الجهادية" المتصدرة. وللحق، هناك ما يُسهّل التغاضي على من يتغاضون عن الواقع الموضوعي، وهو تعبيرات الوداد والولاء في الوسط الشعبي، لهذه الحركة أو تلك، تبرماً من سلطة الثانية أو نكاية بها: الضغط في الضفة، يُنتج وداداً مضطرداً لحماس، والضغط في غزة ينتج النقيض. لكن، ليس هذا الوداد من النوع الخلاّق، المساعد على صنع واقع أفضل، للسياسة والمقاومة. ذلك لأن الطليعة التي تقود هي التي ترسم خطط التحول إلى الواقع الأفضل، وتُكرّس ثقافته، وتقيم بُنيانه التنظيمي والقيمي.
ينبغي ألا تمر هذه السطور، من دون المجيء على ذكر نقطة، ذات فرضيّتين، في السجال الراهن: الأولى سعي حماس إلى إقامة دويلة في غزة، حسب القول الفتحاوي، والثانية ما رَشَح من مؤشراتٍ على هذا التوجه، ومؤداه أن تلك، عندما تكون خياراً حقيقياً؛ لن تذهب إليه حماس بغير إجماع وطني. وفي الحقيقة، تتنفس الفرضيتان في حيّز الهواء الناقص، فلا السلطة أظهرت الحرص المفترض على غزة، بل ولا على فتح نفسها في غزة وكوادرها وحقوقهم الوظيفية والإدارية، حتى عندما يصلون إلى الضفة مضطرين، ولا حماس، بسلوكها الأمني وبخطابها المدبب وبلغة ناطقيها وامتناع متنفذيها عن التمكين لحكومة وفاق؛ برهنت على قناعتها بضرورة قيام إجماع وطني أو اجتماع سياسي فلسطيني شامل.
أما نقطة الدويلة، فللحديث عنها سياق آخر. معنيون هنا بالتأكيد على أن نجاح حماس أو فتح في أية انتخابات طلابية أو نقابية في غزة، لا يعكس حقيقة اتجاهات الرأي العام هناك. ذلك لأن الانتخابات الفئوية، أينما كانت، يمكن احتواؤها بتدابير ومداخلات وعوامل إجرائية وسلطوية، وهي ليست كالانتخابات العامة.