فادي العويد... الخط العربي بكل أشكاله

08 ابريل 2019
يحرص على إيصال رسالة في كلّ معارضه (العربي الجديد)
+ الخط -
بدأت قصة الفنان السوري فادي العويد مع الفن منذ الطفولة مع تقليد الرسوم المتحركة وعناوين الكتب. لطالما كان لديه ميل إلى الخط، إذْ تميز في المدرسة بالتمارين الكتابية وبخطه وبالفروض التي عَكسَت هذا الميل الواضح لديه. إلا أن حبَّه للفن نما تدريجاً، وبمجهود فردي من دون دعم من المدرسة أو من المحيط، حتى أنه لم يدرك حينها أن ما يتقنه هنا ويتميز به هو فن، بل كان بالنسبة له مجرد خط جميل، وتقليد لرسومات وتمارين جميلة. يقول الفنان العويّد لـ"العربي الجديد": "في سن السادسة، كان خطي مميزاً، وكنت أكتب فروض إخوتي الأكبر سناً. في مرحلة الدراسة الأكاديمية اتجهت إلى مجال مختلف تماماً هو الكهرباء، وكان ذلك تحدياً حقيقياً بالنسبة لي. لكن بقي عشقي للفن موجوداً كما يحصل مع الكثير من الفنانين". 

إلى جانب موهبته الواضحة وعشقه للفن، عمل الفنان العويّد على تطوير نفسه بسبل عدة. ركَّز جدياً على الفن من خلال المعارض والرسم ومتابعة الحركة الفنية، رغم أنه كان من الممكن أن تأخذه دراسته في اتجاه آخر. ويشير إلى أن التوفيق ما بين المجال العلمي البحت الذي اختاره ومجال الفن كان صعباً، وقد استنزفه وتطلب منه الكثير من الوقت والجهد، نظراً للتناقض الرهيب بين المجالين، إلا أنه حرص على "التقاط العصا من وسطها".

للبيئة الحاضنة دور في ترسيخ عشق الفنان وموهبته والمعالم الفنية لديه. يؤكد الفنان العويّد أن لسورية الدور الأساسي في موهبته، ويقول: "العناية باللغة العربية كانت كبيرة في سورية، ما أثر إيجاباً فيّ، وزادني تمسكاً بالحرف العربي، فأصبح محور اهتمامي في مرحلة معينة، وذلك على حساب الحالة الفنية والرسم. لذلك يُلاحَظ في لوحاتي الفنية، أن الحرف العربي موجود دائماً. فقد أثرت العولمة بشكل واضح على اللغة العربية، فكيف بالأحرى على الخط العربي. لذلك وقفت وقفة المدافع، حاملاً أمانة هذا الفن، وهو الخط العربي الأصيل الذي لا بد لنا من الحفاظ عليه بأي شكل من الأشكال".

كما يضيف أن مرحلة الحرب السوريّة أظهرت سخافة الواقع الذي نعيشه، "كان للحرب تأثير على رؤيتي الفنية، فأظهرت لي سخافة ما نعيشه، وكيف أصبح اللون الأحمر مرادفاً للدم، بدلاً من أن نرى فيه رسائل حب. هذه المرحلة كانت سلبية وإيجابية من الناحية الفنية. كما أن انتقالي إلى بيروت، كانت له جوانب سلبيَّة وإيجابيَّة في الوقت نفسه على حياتي في مجال الفن. إذْ صرت في بيروت داخلَ وسط فني وسوق فنية واسعة، وتعاملت مع أشخاص ٍذواقين في عالم الفن، ومتطلعين دوماً إلى الأفضل. وشكّل هذا حافزاً لي لأقدم دائماً المميز والأفضل".
يجد كل فنان صعوبة في اختيار لوحة يفضّلها، فتبدو كل أعماله مُقرّبة إلى قلبه، تماماً كما تجد الأم صعوبةً في التمييز بين أطفالها. ويجد الفنان العويّد نفسه عاجزاً عن الاختيار بين أعماله، فلكل عمل فني رسالة لها حيز خاص في قلبه ووجدانه. إلا أن إحدى لوحاته تحملُ معاني خاصة، وتعني له الكثير. يضيف: "لوحة الدمعة أو القرط الذهبي التي كتبت فيها سورة الفاتحة من القرآن الكريم، هي لوحة مميزة لدي، إذْ أشعر بها بشكل مختلف، لأنها تعكس الانضباط الداخلي والهندسي الذي أتميز به. هي مبنية على الأسس الكلاسيكية لقواعد اللغة العربية. أيضاً من اللوحات التشكيلية التي أعشقها، هي لوحة (بائعة الكبريت) نظراً للغموض الذي فيها، والعزلة التي تتحدث بها، وهي تمثلني إلى حد كبير، باعتباري أحب العزلة. وهي تشكل إنجازاً فنياً بالنسبة لي. مما لا شك فيه أن العلاقات الاجتماعية أساسية، لكني أفضل عامةً الانعزال عن الناس، خصوصاً في مرحلة التفكير بالعمل الفني أو بإنجازه. فأثناء العزلة، أقوم برحلة في الخيال. وهذه العزلة ضرورية للفنان إلى جانب الصفاء الذهني، حتى يبحر في أغوار مملكته الفنية، ويفجر عملاً فنياً يوصل من خلاله رسالة يود أن ينقلها".

الطبيعة هي مصدر الإلهام الأساسي لفادي. ففي فترة العزلة، يجد نفسه قادراً على أن يسرح بخياله إلى أبعد الأماكن. لكن من جهة أخرى، يتحدث فادي عن مصدر إلهام من نوع آخر، وهي الحالة الإنسانية أو الحالة الوجدانية، ويشير إلى أن "رؤية طفل بائس، أو مشاهد مزعجة من الحرب في أي بلد كان، أو مشاهد الظلم، أو مشاعر نحس بها كالحزن والفرح، كلّها أمور من الطبيعي أن تشكل مصادر إلهام لي، وتترك أثراً في ذاتي".

أما الحجر، فيحتل من دون شك موقعاً مميزاً في أعمال فادي العويّد، وفي معارضه. إذ يجد في الجمود شيئاً من الحياة التي تخاطب النفس البشريَّة. لذلك يصيغ علاقة مع الحرف العربي من خلال الحجارة. فنجد تلك الحروف التي تخرج من الحجارة في منحوتات تنطق بذاتها، لإيصال رسالة محورها أن الحجر الذي قد يبدو ميتاً أو جامداً يحمل حالة إبداعية بطريقة ما.

يحرص فادي على إيصال رسالة ما، في كلّ معرض من معارضه. في اللوحات الكلاسيكية، تكون الرسالة سهلة كبيت شعر أو مقطعٍ من القرآن أو الإنجيل. كما يمكن أن تكون الرسالة مبطنة، نشعر بها في إحساس لوني، كلوحات الفصول، ولوحة الشمس التي تتضمن حروفاً من دون دلالة. ويؤكد أنه لا يتخلى عن الرسالة في كل عمل فني يقدمه، كما في كل معرض يقيمه، ويقول "نجد اليوم أحياناً معارض، تقام في بيروت بشكل خاص، دون عنوان أو من دون رسالة موجهة إلى الناس. أقمت معارض عدة تحمل عناوين ورسائل، وآخرها وأحدثها اليوم معرضي الذي حمل عنوان (المرأة)، وذلك لتسليط الضوء على دور المرأة عبر التاريخ".
المساهمون